تقارير وتحقيقات | 21 02 2025

"منذ سنوات كان حلمي الكبير العودة إلى سوريا والاجتماع بعائلتي، كنت متلهّفة لحجز أقرب موعد للنزول إلى بلدي بعد سقوط النظام"، هكذا تتحدث أمينة (36 عاماً) سيدة سورية مقيمة في مدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا، عن مشاعر سرعان ما تبدلت.
تقول أمينة لروزنة إنها "مثل كثيرين حزموا أمتعتهم وغادروا في إطار العودة الطوعية، لكن الآن تغيّرت مشاعري وحتى قراراتي"، إذ أصبحت آمالها وأحلامها التي راودتها لأكثر من عشر سنوات بالعودة إلى سوريا، قيد التأجيل أو طي النسيان مؤقتاً، لأسباب مختلفة.
وخلال أول شهرين من بعد سقوط النظام في الثامن من كانون الأول الفائت، عاد أكثر من مئة ألف سوري عبر المنافذ الحدودية مع تركيا للاستقرار في سوريا ، بحسب مدير مكتب العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية مازن علوش.
"مخاوفي كبيرة"
خلال الأسابيع الأولى من بعد سقوط النظام السوري السابق كانت تخطّط أمينة، بأمانٍ وردية، للعودة مع زوجها وابنتيها (فيروز ذات الثماني سنوات ولانا ذات العامين) إلى مدينة حلب، بعد انتهاء العام الدراسي.
فكّرت لأسابيع بلحظة لقائها مع أحبائها، مع والدها الذي لم تره منذ عشر سنوات وشقيقتها الشابة التي غابت عنها وعن طفولتها.
تقول لروزنة: "راقبتُ وزوجي الأوضاع الأمنية والاقتصادية والمعيشية في حلب لأكثر من شهرين، لا شيء يطمئن للعودة، سواء على المستوى الأمني أو المستوى الاقتصادي والمعيشي وحتى الخدمي، وهو ما دفعنا لإلغاء قرار العودة حالياً".
الكثير من العائلات السورية في غازي عنتاب عادت إلى سوريا، فيما يخطّط آخرون للعودة خلال رمضان وعيد الفطر، وقسم آخر بعد انتهاء الموسم الدراسي في الصيف، لكن أمينة وزوجها قررا إلغاء العودة لأجل غير مسمى.
وانخفض عدد اللاجئين السوريين في ولاية غازي عنتاب نحو 73 ألفاً، ليصبح عدد المقيمين فيها تحت الحماية المؤقتة 397 ألفاً و539 شخصاً، بعد أن كان 470 ألفاً، بحسب ما أعلن والي غازي عنتاب، كمال تشبر، أمس الخميس.
وجاء تصريح الوالي خلال اجتماع مع مسؤولين في الولاية بينهم مدير إدارة الهجرة محمد إركوتش، دون توضيح الفترة الزمنية التي عادوا خلالها، وفق موقع "gaziantep27".
وحتى الـ 31 من كانون الأول الفائت، كان يبلغ عدد اللاجئين السوريين في غازي عنتاب 406 آلاف شخص، من أصل 2 مليون 901 ألف في جميع الولايات التركية، وفق ما نقلت جمعية "multeciler" عن دائرة الهجرة التركية.
عودة مؤجلة
وتتابع أمينة متحدّثة عن مخاوفها: "للحظات وأيام نسينا كيف أنّ سوريا تدمّرت خلال 14 عاماً، نسينا أن مدينة حلب كباقي المحافظات تعاني من مشاكل جوهرية في الخدمات والبنية التحتية، مثل الكهرباء والمياه، ما عدا ارتفاع البطالة والغلاء الفاحش".
وتضيف: "فكرت أنا وزوجي بابنتي اللتين لم تعرفان يوماً معنى الانقطاع الحقيقي للكهرباء أو غياب التدفئة، نخاف أن نعجز عن تأمين الطعام والشراب لهما والحياة الكريمة كما اعتدنا هنا".
اقرأ أيضاً: إيجارات المنازل في سوريا بعد سقوط النظام.. لمحة عن الأسعار والشروط
لا تملك أمينة وزوجها منزلاً في مدينة حلب، وهو ما دفعهما أيضاً لتأجيل قرار العودة.
توضح: "زوجي يعمل هنا براتب نستطيع من خلاله تأمين الإيجار والمستلزمات المعيشية، لكن في حلب البطالة مرتفعة، والأعمال والرواتب ضعيفة، ما عدا ارتفاع بدل الإيجار بشكل كبير، وغالباً ما يطلب المالك دفع مبلغ مالي لعام كامل.
وتختم متساءلة: "هل سنستطيع استئجار منزل وتأمين لقمة العيش؟".
وينحدر نسبة كبيرة من السوريين المقيمين في ولاية غازي عنتاب من محافظة حلب، إذ لجؤوا إليها قبل أكثر من عقد هرباً من الحرب وقصف قوات النظام السوري حينها، لقربها من الحدود السورية.
اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة تحذّر.. لا تعافٍ اقتصادي في سوريا قبل عام 2080
العودة صيفاً!
ليست أمينة الوحيدة التي تتخوّف من العودة، إذ يشاركها في ذات المخاوف، أبو ياسر، وهو صاحب محل مواد غذائية في غازي عنتاب.
يقول لروزنة: "بداية كنّا متحمّسين للعودة إلى سوريا، ووضعنا خطة على أساس العودة خلال شهرين، لكن الآن الوضع مختلف، لدي مخاوف أمنية وخاصة بعد سماعنا لحالات السرقة المنتشرة في حلب، وأيضاً ضعف الخدمات وغيرها".
يتابع أبو ياسر: "ربما يتغيّر قراري في الصيف، فعملي يعتمد في قسم كبير منه على السوريين، والقليل من الزبائن الأتراك، إن لم يتبقَ الكثير من السوريين هنا، سأضطر لاتخاذ قرار العودة كما الكثيرين".
ويشير أبو ياسر الذي استقر في غازي عنتاب لمدة 9 سنوات، إلى أنّه تواصل مع أكثر من شخص من أقاربه ممن عادوا إلى حلب، وحذّروه بعدم العودة حالياً، وذلك بسبب غياب الكهرباء والمياه بشكل كبير، وبخاصة في فصل الشتاء.
وأكدت الأمم المتحدة في تقرير الشهر الفائت أنه لا تزال هناك في سوريا تحديات هائلة "بسبب انعدام الأمن وتدمير البنية التحتية، بما في ذلك استعادة خدمات المياه والكهرباء والخدمات الأساسية الأخرى".
وبحسب الأمم المتحدة، إن 270 ألف لاجئ سوري عادوا إلى بلدهم خلال شهرين بعد سقوط النظام، فيما يخطط أكثر من ربع اللاجئين السوريين للعودة لإعادة بناء حياتهم في الأشهر الـ 12 المقبلة.
قد يهمك: الأمم المتحدة: عودة 270 ألف لاجئ سوري خلال شهرين
استقرار الأمن.. شرط
ما يخيف أمينة أيضاً تردي الوضع الأمني في مدينة حلب، شكاوى كثيرة وصلتها من معارفها وأقاربها حول انتشار السرقات بشكل كبير وغياب الأمان ما عدا حالات الاختفاء والخطف الغامضة في كثير من الأحيان، وفق قولها.
"أتمنى أن يتسنى لي الوقت ولعائلتي للبقاء هنا في غازي عنتاب لعدة سنوات إضافية دون أي قرارات ملزمة بالعودة، وعندما نشعر أن الوقت قد حان حتماً لن نتردّد في ذلك، الآن نحن خائفون وقلقون من مستقبلنا المجهول" تختم أمينة حديثها مع روزنة.
ووفق تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أمس الخميس، إن واحداً من كل أربعة سوريين عاطل عن العمل، إذ فقد 5.4 مليون شخص وظائفهم في سوريا، فيما يعيش 9 من كل 10 سوريين في فقر.
ووجه البرنامج في تقريره دعوة إلى استثمار طويل الأمد لدعم التعافي في سوريا، التي قد تحتاج إلى نصف قرن ليتعافى اقتصادها.
قد يهمك: أهالي حلب يشتكون من الانفلات الأمني: أين الشرطة ودوريات الأمن؟
وخلال الأسابيع الفائتة اشتكى أهالي مدينة حلب من حالة "الفوضى الأمنية"، إذ أصبح "الخوف من السرقة والخطف والاعتداءات جزءاً من الحياة اليومية للسكان"، وفق قولهم لروزنة.
ويرجع العديد من الأهالي هذا "الانفلات الأمني" وفق وصفهم، إلى النقص الحاد في أعداد الشرطة والدوريات الأمنية، ما ترك فراغاً استغلته جماعات مسلحة وعصابات إجرامية.
وتسعى "حكومة تصريف الأعمال السورية" لتدريب دفعات من الشرطة، حيث تخرجت دورة من متطوعي قوات الأمن لدى وزارة الداخلية في كلية الشرطة بمحافظة دمشق، منتصف الشهر الفائت.
وأمس الخميس، أقيمت فعاليات تخريج دورة مؤلفة من ألف عنصر من طلاب كلية الشرطة بمحافظة دمشق أيضاً، وفق وكالة "سانا".
انتظار وأمنيات
أبو عبدلله أيضاً لديه مخاوف من العودة، إذ يقول لروزنة: "البلد يحتاج لسنوات حتى يستعيد عافيته، كهرباء ضعيفة، المازوت غالي، والأجور منخفضة، كيف سنعيش في هذه الظروف؟".
ويتابع أبو عبدلله، وهو يعمل في مجال بيع الأثاث المستعمل "ربما الأفضل أن نقرر في الصيف بعد أن تتحسن الأجواء ويتبيّن حال البلد أكثر (...) أتمنى أن تعود الخدمات بشكل أساسي إلى البلد حتى نستطيع العودة دون حرمان أبنائنا من مقومات الحياة الأساسية".
وسبق أن حذّرت مديرة المنظمة الدولية للهجرة إيمي بوب، في تصريح صحفي بجنيف، شهر كانون الأول الماضي، بعد زيارتها سوريا من عودة ملايين اللاجئين السوريين إلى بلادهم في الوقت الراهن.
وقالت بوب: "نعتقد أن عودة ملايين الأشخاص من شأنها أن تخلق صراعاً داخل مجتمع هش بالفعل".
وتشير الأمم المتحدة إلى أنّ العائدين سيواجهون نقصاً كبيراً في المساكن، وفجوات في البنية التحتية، وفرصاً محدودة للعيش، لا سيما في قطاعات الزراعة والبناء والصناعة.
وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة إن أكثر من 13 مليون سوري غادروا مدنهم وقراهم بسبب الحرب، ويبلغ عدد اللاجئين في دول مختلفة 6,5 مليون فيما يبلغ عدد النازحين داخلياً 7.2 مليون.