تقارير وتحقيقات | 20 01 2025

مع عودة آلاف السوريين إلى مدنهم ومناطقهم التي هُجّروا منها على يد النظام السوري السابق، خلال العقد الماضي، بدأ سوق الإيجارات في سوريا يشهد انتعاشاً ملحوظاً.
هذه العودة ليست مجرد أرقام أو إحصائيات، إنها قصص عن لمّ شمل العائلات واستعادة ما تبقى من حياة ضاعت في خضم سنوات التهجير القسري والنزوح.
في السطور التالية لمحة عن أسعار الإيجارات في بعض المحافظات مثل حلب ودمشق وإدلب، وفيما إذا كانت سنوية أم شهرية أم غير ذلك، وما هي الدفعات المالية التي تترتب على العائد المهجّر والنازح، الراغب باستئجار منزل وحول كيفية تثبيت العقود.
يشار إلى أنّ الأسعار الواردة في المادة، بالليرة السورية يقابلها السعر بالدولار الأميركي وفق نشرة "مصرف سورية المركزي" خلال فترة الإعداد، والمحددة بـ 13 ألف للدولار.
في حلب
شهدت سوريا خلال السنوات الماضية دماراً واسعاً في المنازل والبنية التحتية، نتج عن العمليات العسكرية التي نفذها النظام السوري السابق وحلفاؤه، مما أدى إلى تهجير ملايين المدنيين من مناطقهم.
كندة، سيدة سورية مقيمة في مدينة حلب، استأجرت منزلاً قبل شهور توضح لروزنة، أنّ الإيجارات في مدينة حلب معظمها تتم على شكل عقود سنوية أو نصف سنوية، أو ثلاثة شهور على الأقل "لا يوجد عقود شهرية".
وتوضح: "حالياً الإيجارات معظمها فوق المليون ليرة سورية في الشهر الواحد (نحو 77 دولاراً) أما ما دون ذلك لن يكون المنزل مناسباً للمعيشة".
وتضيف: "المناطق السكنية في الأحياء الغربية مثل حلب الجديدة والفرقان تكون الأسعار الشهرية بمليوني ليرة سورية (153 دولاراً) وسنوياً تصل إلى نحو 20 مليون ليرة (1500 دولار)، وفق سعر "مصرف سورية المركزي".
معظم العقود سنوية
زاهر، أحد العاملين في مجال العقارات بمدينة حلب قال لـ"روزنة" إن عقود الإيجار عادة ما تكون سنوية، باستثناء بعض الحالات التي تُبرم عقوداً لمدة ستة أشهر، حيث يتطلب ذلك تجديد العقد ودفع رسوم إضافية للبلدية.
وذكر أن إيجار شقة مكونة من غرفتين وصالون في حي الفرقان غربي حلب كمثال، يصل إلى 2000 دولار سنوياً، مع انخفاض السعر حسب الطابق.
وأرجع ارتفاع أسعار الإيجارات إلى زيادة الطلب وقلة العرض، مضيفاً أن بعض الملاك يطالبون بأسعار خيالية رغم تغير سعر صرف الدولار وانخفاضه، حيث بقيت بعض العقارات تُسعر بالليرة السورية بأسعار مرتفعة مقارنة بالقيمة الحقيقية.
وكمثال، كان البعض يطلب قبل سقوط النظام 40 مليون ليرة سورية (4 غرف - طابق) وكان الدولار بـ 15 ألف، اليوم أصبح الدولار بـ11 ألف وإلى الآن يطلب 40 مليون ليرة سورية، مايعني أن السعر ارتفع مقارنة بسعر صرف الدولار.
وقبل شهر تقريباً وصل سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية إلى 15 ألف، ومؤخّراً انخفض إلى 11 ألف ليرة سورية، وفق موقع "الليرة اليوم".
لا توثيق للعقود حالياً!
تسجيل عقود الإيجار لا يزال متوقفاً بسبب عدم افتتاح الدوائر الحكومية، حتى الأسبوع الفائت، بما في ذلك القصر العدلي والبلدية، بعد سقوط النظام السابق في الثامن من كانون الأول الفائت، يقول زاهر.
العقود تُحفظ حالياً بين المستأجر وصاحب المنزل إلى حين استئناف عمل الدوائر الحكومية، يضيف.
وعند تسجيل العقود، يتولى موظف البلدية كتابة العقد بعد استلام هويات الطرفين، ثم يُسلم العقد لصاحب المنزل مقابل عمولة.
وقبل أكثر من شهر بدأت عودة السوريين مع سقوط النظام، إذ أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سوريا، في التاسع من الشهر الجاري، أن أكثر من 125 ألف لاجئ سوري عادوا إلى بلدهم.
التأكد من ملكية المنزل
من جهته يؤكد المحامي السوري، يوسف نيرباني لروزنة، أن توثيق العقود متوقف حالياً، لكن يمكن كتابة عقد إيجار بعد التأكد من الملكية، ويكون ذلك من خلال إحضار بيان قيد عقاري أو طابو أخضر من قبل مالك المنزل.
وشدد المحامي أنه على المستأجر أن يأخذ صورة عن القيد العقاري أو عقد الطابو وصورة عن عقد الإيجار لضمان الحقوق، لافتاً إلى أنّ البلدية في مدينة حلب ستعمل قريباً على توثيق العقود.
ويشير المحامي الذي زار حلب مؤخراً إلى أنّ الإيجارات تتراوح في مدينة حلب من 500 ألف ليرة سورية شهرياً شرقي حلب وحتى 3 مليون ليرة سورية (230 دولاراً) في أحيائها الغربية.
وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، تنتشر أسعار بعض المنازل في أحياء بمدينة حلب.
وفي حي الصالحين شرقي المدينة، إيجار المنزل المؤلف من 3 غرف يبلغ شهرياً 500 ألف ليرة سورية، ولا يشترط العقد السنوي. في المقابل منزل في حلب الجديدة غربي حلب يبلغ إيجاره 15 مليون ليرة سورية سنوياً (1100 دولار).
في دمشق
في دمشق تبدو أسعار إيجارات المنازل مرتفعة قليلاً مقارنة بمدينة حلب، وأيضاً معظم العقود تكون سنوية في الغالب، وموثقة لدى المحافظة التي فتحت أبوابها قبل مدة قصيرة أمام توثيق عقود الإيجارات.
يوسف شاب سوري زار دمشق مؤخراً مع أصدقائه، يقول لروزنة: "استأجر صديقي منزلاً بـ 700 دولار شهرياً في دمشق، والآخر بألفي دولار، أما صديق ثالث استأجر في منطقة برزة بـ 1200 دولار.
وفي عربين بريف دمشق أيضاً استأجر صديق آخر منزلاً بمليوني ليرة سورية (153 دولاراً)، يضيف يوسف.
أما سامر، الذي يزور دمشق حالياً قادماً من تركيا، يوضح لروزنة أنّ أسعار الإيجارات مرتفعة في دمشق: "توجد منازل بـ 400 دولار، ومنازل أخرى أكثر من ألف دولار وذلك وفق نوعية المنزل وحجمه".
عماد، أحد العاملين في مهنة العقارات بدمشق، وأوضح لروزنة أنّ السعر يختلف بحسب كسوة المنزل والمنطقة والمساحة، لافتاً إلى أنّ هناك إيجارات سنوية وأخرى نصف سنوية.
ويضيف: "أغلب عملي في منطقتي الميدان والزاهرة، جنوبي دمشق، وتتراوح الإيجارات الشهرية فيها ما بين 3 و5 مليون ليرة سورية (384 دولاراً)، لكن الدفع يكون سنوياً، وليس شهرياً".
ويشير عماد إلى أن أحد المنازل غير المفروشة المعروضة حالياً في منطقة الزاهرة يبلغ إيجارها السنوي بقيمة 3 آلاف دولار (39 مليون ليرة سورية)، والكمسيون أي عمولة الوسيط بقيمة 250 دولار (3 مليون و250 ألفاً).
ويحتوي المنزل على طاقة شمسية وطاقة للمياه الساخنة، لكن بطاريات الطاقة الشمسية على المستأجر.
ويوضح: "إذا كان المنزل عن طريق مكتب يكون هناك دفع شهر إضافي كعمولة لصاحب المكتب الوسيط، وفي حال طلب صاحب المنزل تأميناً يعود للمستأجر مع انتهاء العقد ويقدر التأمين بـ 200 دولار".
وفي تشرين الأول الفائت شهدت دمشق أزمة في الإيجارات مع نزوح مئات آلاف اللبنانيين واللاجئين السوريين على وقع الحرب الإسرائيلية، وتحدثت تقارير إعلامية عن ارتفاع الأسعار بنسبة وصلت إلى 100 بالمئة، وتجاوز إيجار منزل في كفرسوسة 6 مليون ليرة سورية.
من جهته يقول مازن: "في منطقة الميدان يبلغ إيجار المنزل مليوني ليرة سورية و800 ألف (215 دولاراً)، وفي منطقة المجتهد بقيمة مليونين و700 ألف ليرة سورية (207 دولارات)، وفي منطقة نهر عيشة بقيمة مليون و800 ألف ليرة سورية (138 دولاراً)".
ولفت مازن العامل في مهنة العقارات بدمشق، في حديثه مع روزنة، أن الدفع يكون سنوياً.
وحول توثيق العقود يوضح مازن، أنّ المحافظة فتحت أبوابها أمام توثيق عقود الإيجار في دمشق قبل نحو أسبوعين، وبيّن أنهم يتعاملون مع محامٍ لكتابة العقود وتثبيتها بين المالك والمستأجر.
وكانت وزارة الداخلية لدى حكومة النظام السوري السابق، نشرت قراراً في الـ 23 من تشرين الثاني الفائت، يطالب كل من أجّر عقاراً بتسجيل عقد الإيجار في الوحدات الإدارية المختصة أو في مركز خدمة المواطن المخول تسجيل عقود الإيجار، سواء كان تأجير العقار للسكن أو لمزاولة أي مهنة أو سواها.
كذلك كلف القرار الوحدات المختصة بتسجيل عقود الإيجار، إبلاغ الوحدات الشرطية في المنطقة التي يقع فيها العقار المؤجر.
اقرأ أيضاً: فرحة الأسعار المنخفضة تصطدم بضعف الرواتب في سوريا
في إدلب الأسعار تنخفض
محافظة إدلب التي احتوت السوريين المهجّرين من كافة المحافظات، اليوم بعد عودة الآلاف من المقيمين فيها إلى مناطقهم في محافظات أخرى، بدأ ينعكس على أسعار الإيجارات فيها.
يقول أبو محمد يعمل في مهنة العقارات بمحافظة إدلب، لروزنة: "إن الطلب على الإيجارات في إدلب انخفض منذ سقوط النظام، لكن زاد في المقابل الطلب على شراء المنازل".
ويوضح أنّ المنزل الذي كان يدفع مقابل تأجيره 110 دولارات أصبح اليوم بسعر 60 و70 دولاراً.
ويشير أبو محمد إلى أنّ الدفع في إدلب يكون بشكل شهري ومسبق، وليس سنوياً مثل دمشق وحلب.
ووفق تقرير لـ"منسقو استجابة سوريا" أواخر الشهر الفائت، بلغ عدد النازحين العائدين من القرى والبلدات والمخيمات في الشمال السوري إلى مناطقهم الأصلية منذ سقوط النظام السوري السابق 89 ألف و589 شخصاً.
ووزع العائدون على أكثر من 52 ألف عائد من المخيمات، وأكثر من 37 ألف عائد من القرى والبلدات.
وأشار التقرير إلى أنّ عودة السوريين إلى مناطقهم متواصلة لكن أقل من المتوقع بسبب الصعوبات المختلفة التي يعانون منها، حيث لوحظ أن الكثير من النازحين واللاجئين حالياً لم يعودوا إلى مناطقهم حتى الآن وذلك بسبب انتظارهم تحسين واقع قراهم وبلداتهم.
من جهته يقول أبو أحمد، أحد المستأجرين في مدينة إدلب، لروزنة، إنّ أجور المنازل تختلف ولا يمكن اعتماد مقياس محدد لها، فهي في مدينة إدلب تتراوح بين 100 و 200 دولار، مع وجود منازل أقل أو أكثر بنسب مختلفة.
ويضيف: "في حي الضبيط والثورة وهما حيان راقيان في المدينة، تبلغ الأجور بحدها الوسطي 150 دولاراً، بينما تبلغ الأجور في الحي الشمالي أو الشيخ تلت، والمناطق الأخرى بين 100 و150 دولاراً".
في مناطق سرمدا والدانا شمالي إدلب، تتراوح الأجور بين 100 و150 دولاراً، بحسب عدد الغرف ومساحة المنزل وتجهيزه، يوضح أبو أحمد.
وفي مدينة سلقين وحارم تتراوح الأجور بين 50 و100 دولاراً، في حين لا تتجاوز الأجور في القرى والمناطق الريفية الأجور 75 دولاراً.
الإيجارات قبل سقوط النظام
على عهد النظام السوري السابق كان المستأجرون يواجهون مشاكلاً خلال توثيق عقود الإيجار تحرمهم أحياناً من حقهم في السكن.
وكان يُشترط الموافقة الأمنية لتنظيم عقد الإيجار (كأبرز المشكلات المتعلقة بمسألة الإيجارات في سوريا)، وهي إجراءات تتم بناء على توجيهات السلطة التنفيذية، في مخالفة للقوانين، وفق منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة".
وأشارت المنظمة إلى أنّ الموافقة الأمنية كانت شرطاً معطلاً لإنجاز العقد وبالتالي كانت تعطل بنود القانون وإمكانية تسجيل عقود الإيجار التي تتم بناء على إرادة المتعاقدين.
كل عقد إيجار ينظم لدى الجهة الإدارية يتم تحويله إلى الجهات الأمنية المختصة لإعطاء الموافقة عليه أو رفضه، وغالباً ما ترفض الجهة الأمنية طلب الموافقة على عقد الإيجار إذا كان أحد الطرفين، سواء مؤجر أو مستأجر، مطلوب أمنياً أو قضائياً أو مطلوب للخدمة الإلزامية في الجيش.
وبينت المنظمة أنّ عائلات بأكملها حُرمت من حقها في استئجار سكن، وبخاصة النساء اللواتي كان أزواجهنّ مطلوبون للأمن، حيث كانت الجهات الأمنية ترفض المصادقة على عقد الإيجار.
ومع عودة السوريين إلى مدنهم وقراهم بعد سنوات من النزوح والتهجير، يظهر سوق الإيجارات في سوريا كمرآة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد.
وبينما يسعى السوريون لإعادة بناء حياتهم في ظل ارتفاع أسعار الإيجارات، يظل الأمل معقوداً على تحسين الظروف الاقتصادية وإعادة الإعمار لتحقيق الاستقرار والعيش الكريم للجميع.