فرحة الأسعار المنخفضة تصطدم بضعف الرواتب في سوريا

فرحة الأسعار المنخفضة تصطدم بضعف الرواتب في سوريا

تقارير | 12 01 2025

إيمان حمراوي

شهدت الأسواق السورية في العديد من المحافظات مثل حمص وحماة وحلب ودمشق وريفها، مؤخراً انخفاضاً ملحوظاً في الأسعار، أثار مزيجاً من الفرح والصدمة بين السوريين، خاصة في ظل التحسّن الطفيف في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار.

"العالم مسرورة ومصدومة في آن معاً بعد انخفاض الأسعار بشكل ملحوظ، المواد توفرت في الأسواق بشكل كبير"، تصف هدى، سيدة مقيمة في ريف حماة، حال السوريين في المنطقة بعد ما شهدت الأسواق انخفاضاً في الأسعار.

تقول هدى (38 عاماً) لروزنة: "صحن البيض انخفض من 75 ألف ليرة سورية إلى 30 ألف، والموز من 50 ألف إلى 10 آلاف، عائلات كثيرة كانت غير قادرة على شراء الموز بسبب ارتفاع سعره، أما الأطفال لا يعرفون طعمه".

عوامل الانخفاض

جاء هذا التراجع في الأسعار بالتزامن مع تحسن سعر صرف الليرة السورية من 13,600 إلى 11,000 ليرة للدولار الواحد، وفق موقع "الليرة اليوم".

ويأتي ذلك بعد قرار وزارة الخزانة الأميركية في السادس من الشهر الجاري بتخفيف العقوبات على سوريا لمدة ستة أشهر، بما يشمل تقديم المساعدات الإنسانية.

كما ساهمت سيطرة "الإدارة السورية الجديدة"، بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، على دمشق ومناطق واسعة من البلاد في تسهيل دخول البضائع التركية المستوردة إلى الأسواق المحلية دون ضرائب جمركية، مما أدى إلى تنوع السلع وتراجع أسعارها.

كذلك أعلن مدير الجمارك، لدى حكومة تصريف الأعمال، قتيبة أحمد بدوي، في الـ 22 من الشهر الفائت، إلغاء أكثر من 10 رسوم إضافية كانت تفرض على المستوردات، كانت السبب الرئيسي في ارتفاع سعر السلع في الأسواق المحلية وإرهاق المواطن مالياً، مع السماح بالاستيراد لكافة السلع، لافتاً إلى أن جمارك النظام السابق كانت تغذي شخصيات محددة على حساب البلد، وفق وكالة "سانا".

اقرأ أيضاً: الخزانة الأمريكية تقرر تخفيف العقوبات الإضافية على سوريا

وأمس السبت، أعلنت حكومة تصريف الأعمال السورية عن تخفيض الرسوم الجمركية بنسبة تصل إلى 60 بالمئة، بهدف خفض تكاليف الاستيراد ودعم الصناعة المحلية. وأصدرت نشرة رسوم جمركية موحدة لتسهيل دخول البضائع.

ورغم ذلك تبقى تلك المواد رغم انخفاض أسعارها بعيدة المنال عن الكثير من السوريين بسبب تردي الأوضاع المادية وارتفاع نسبة الفقر، في ظل عدم استلام الرواتب الحكومية بعد.

كيف تعامل التجّار مع انخفاض الأسعار؟

مع الانخفاض في أسعار الدولار مؤخراً، واجه التجار في سوريا تحديات جديدة فرضت نفسها على الأسواق. تفاوتت ردود الأفعال بين من خفّض أسعاره سريعاً للتكيف مع الوضع الجديد، ومن تمسك بالأسعار القديمة أملاً في تعويض خسائره.

في الوقت ذاته، أدى انفتاح الأسواق بعد سقوط النظام السوري إلى دخول بضائع جديدة بأسعار منافسة، خاصة من إدلب وسرمدا، ما زاد الضغط على التجار المحليين.

رامي، صاحب محل مواد غذائية بريف حماة، يقول لروزنة: في مجال السمانة معظم التجار الذين كانوا يحتفظون بمخزون كبير من البضائع تعرّضوا لخسائر كبيرة مع انخفاض الأسعار، لأنهم اشتروا بأسعار مرتفعة.

ويضيف: مع سقوط النظام السوري تخوف الكثير من التجار من ارتفاع الأسعار فعمدوا إلى إغلاق مستودعاتهم، وعندما انخفضت الأسعار منذ أيام بشكل كبير كما حدث مع مادة السكر، حيث كان الكيلو يباع بـ 40 ألف ليرة سورية، وانخفض إلى 7 آلاف، اضطروا للبيع بالسعر الجديد لأن السوق فرض هذا التوجه.

لكن رغم الانخفاض نجد تفاوتاً في الأسعار بين محل وآخر، لأن البعض يصرون على بيع البضائع بأسعار أغلى، مثل السكر يباع في بعض المحلات بـ 7 آلاف ليرة ومحلات أخرى يباع بـ 17 ألف ليرة.

ويضيف رامي: أما الذين لم يخزّنوا البضائع مثلي بدؤوا بشراء بضاعة جديدة بأسعار منخفضة عن السابق، دون ضرائب، وبخاصة من إدلب وسرمدا، اليوم أصبح السوق غارقاً ببضاعة إدلب من كافة الأصناف.

من جهة أخرى، لم تعد هناك حواجز أو "أتاوات" مثل تلك التي كانت تفرضها "الفرقة الرابعة" التابعة لقوات النظام السابق، وهو ما كان يؤدي إلى رفع الأسعار،التكاليف الإضافية التي كنا ندفعها بسبب الإتاوات كانت أكبر بكثير من تأثير غلاء المحروقات.

كذلك يوضح أبو حازم، محاسب في أحد المحال التجارية، لروزنة، بأن التجار الذين اشتروا بضائعهم بأسعار مرتفعة لا يستطيعون تخفيضها، لهذا السبب نجد محلاً يبيع كمثال كيلو العدس بـ 25 ألف ليرة وآخر يبيعه بـ 12 ألف، وصاحب السعر المرتفع يروّج لبضاعته بأنها مثالية وممتازة.

من جهته يقول حسن، صاحب عدة محال ألبسة في دمشق، لـ"روزنة" إن انفتاح الأسواق بعد سقوط النظام السوري أتاح لهم شراء ألبسة تركية ذات جودة عالية من إدلب وسرمدا دون ضرائب. ومع انخفاض الدولار، خفّضوا الأسعار، مع بقاء بعض البضائع تُباع بالسعر القديم.

وأشار إلى أن تجارتهم لم تتأثر بانخفاض الأسعار لعملهم بتجارة الجملة وهامش ربح بسيط، قائلاً: "نشتري يومياً ونخفض الأسعار فوراً. مثلاً، الجينز الذي يُباع بـ300 ألف ليرة في السوق نوفره بـ100 ألف فقط".

وأضاف أن بعض التجار أغلقوا مستودعاتهم وتوقفوا عن البيع عند انخفاض الأسعار خوفاً من الخسارة، وينتظرون ارتفاع سعر صرف الدولار مجدداً، على مبدأ أن شهر من الإغلاق لن يضرهم.

وتعتمد استراتيجية حسن في التجارة على البيع بكميات كبيرة لتغطية الفارق، مؤكداً أن الدفع المباشر بالكاش يضمن استمرار الحركة والتكيف مع السوق.

من جهته حسام، صاحب محل ألبسة في سوق الحميدية بدمشق، يشير إلى أن الألبسة انخفضت أسعارها مع انخفاض سعر صرف الدولار، لكن المشكلة ليست بخفض الأسعار التي حدثت عند التجار "الكبار والصغار" وفق وصفه، المشكلة بالقوة الشرائية المعدومة "تحت الصفر".

ويضيف: "أي شخص سوري في السوق تجده يتحدث عن استدانته الأموال من أجل الطعام والشراب دون القدرة على إعادتها لأصحابها، الوضع المعيشي متردٍ جداً".

انخفاض في الأسعار لكن لا رواتب

رغم الانخفاض الكبير في الأسعار، تبقى القدرة الشرائية للمواطنين محدودة بسبب ضعف الرواتب وعدم استلامها من الحكومة السورية الجديدة، وارتفاع معدلات الفقر.

هدى، من ريف حماة، تقول لروزنة: "الناس كانت تحلم بشراء معلبات التونة والسردين التي وصل سعرها إلى 15 ألف ليرة، أما اليوم فأصبحت بـ6 آلاف، لكن الرواتب ما زالت غير موجودة لتلبية الاحتياجات".

وينتظر نحو مليون وربع موظف في القطاع العام استلام رواتبهم، وفي تصريح لوكالة "سانا"، الأحد الفائت، أوضح وزير المالية محمد أبا زيد أن الرواتب ستصرف تباعاً بعد تدقيق القوائم الخاصة بكل جهة عامة على حدة.

وحتى الشهر الماضي كان متوسط الرواتب الحكومة يبلغ 400 ألف ليرة سورية، بما يعادل نحو 30 دولاراً على سعر الصرف "13600" ألف ليرة سورية لكل دولار، فيما وعدت حكومة تصريف الأعمال برفع الرواتب بنسبة 400 بالمئة خلال الشهور القادمة.

وتحتاج عائلة سورية مؤلفة من خمسة أفراد إلى نحو 14 مليون ليرة سورية شهرياً لسد تكاليف المعيشة في الحد المتوسط، حتى تشرين الأول العام الفائت، وفق جريدة "قاسيون".

وفق تقرير للبنك الدولي في أيار الماضي، يعيش أكثر من 5.7 مليون سوري في فقر مدقع ويعجزون عن تأمين احتياجاتهم الرئيسية، فيما يعاني 90 بالمئة من السوريين من الفقر.

وسيطرت "الإدارة السورية الجديدة" الممثلة بأحمد الشرع المعروف بـ"أبو محمد الجولاني قائد هيئة تحرير الشام" على دمشق في الثامن من كانون الأول الفائت، وأجزاء واسعة من البلاد.

تفاوت الأسعار بين المناطق

في دمشق وريفها، انخفضت أسعار السكر من 40 ألف ليرة إلى 8 آلاف، والزيت النباتي من 28 ألف إلى 18 ألف ليرة. أما في حمص، فقد شهدت الأسواق انخفاضاً بنسبة 30 بالمئة، وفق مراسلة روزنة منى آدم، حيث تراجع سعر السكر من 15 ألف إلى 7 آلاف ليرة، والزيت النباتي من 25 ألف إلى 15 ألف ليرة.

"ورغم عدم وجود الرواتب لكن الناس متفائلة بهذا الانخفاض، لم يتوقع أحد أن يصل الدولار إلى 11 ألف" تقول منى وتوضح: "لا زال الاعتماد الأكبر في المعيشة على الحوالات ".

وقبل أيام اشتكى العديد من السوريين في حمص وريفها لروزنة من ارتفاع "فاحش" في الأسعار في ظل عدم وجود رقابة.

وفي حلب، أفاد السكان بانخفاض أسعار المنتجات المحلية بنسبة تتراوح بين 25 و 30 بالمئة، بينما تراجعت أسعار السلع المستوردة إلى الثلث.

وشمل انخفاض الأسعار إضافة إلى المواد الغذائية، أيضاً المحروقات، بما في ذلك سعر البنزين والمازوت وجرة الغاز.

يقول محمد، أحد سكان حلب لروزنة: "جرة الغاز أصبحت متوفرة وبسعر 200 ألف بينما قبل شهر لا نحصل عليها إلا بمبلغ 700 ألف وأحياناً مليون ليرة سورية، أما جرة الغاز التي كانت مخصصة من الحكومة السابقة لا تتوفر إلا كل 4 شهور مرة واحدة.


بضائع جديدة

وبعد سقوط النظام السوري، وانفتاح المحافظات على إدلب، دخلت البضائع التركية المستوردة إلى مختلف المناطق مثل اللاذقية وحلب وغيرها.

"رأينا وللمرة الأولى بعد سنوات بضائع جديدة في السوق مثل الكستناء وأصناف جديدة من البسكويت التركي وغير ذلك، لكن الوارد المادي شبه معدوم بسبب البطالة" يقول أبو أحمد (60 عاماً) لروزنة.

ويضيف متحسّراً على حاله "سابقاً كان ابني يحول لي مبالغ شهرية من لبنان، لكنه عاد بعد الحرب الإسرائيلية في تشرين الأول الماضي، واليوم يبحث عن عمل في حلب، لم يبق لدينا وارد مالي".

خطوات حكومية لتحسين الوضع!

أعلنت حكومة تصريف الأعمال السورية عن تخفيض الرسوم الجمركية بنسبة تصل إلى 60 بالمئة، بهدف خفض تكاليف الاستيراد ودعم الصناعة المحلية. وأصدرت نشرة رسوم جمركية موحدة لتسهيل دخول البضائع.

وقال مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، مازن علوش، لوكالة "سانا"، أنه اعتباراً من أمس السبت، تم إصدار نشرة الرسوم الجمركية الموحدة التي تسري على جميع الأمانات الجمركية في المنافذ البرية والبحرية والمطارات. ويعمل بأحكامها اعتباراً من تاريخ إصدارها.

وبيّن علوش أنّ نشرة الرسوم الجمركية الموحدة في جانب كبير منها، خفضت الرسوم المعمول بها سابقاً بنسبة 50 إلى 60 بالمئة، ما ينعكس أثره على عموم السوريين بتعزيز قدرتهم على الاستهلاك وتلبية احتياجاتهم بأسعار معقولة بما يسهم في رفع مستوى معيشة جميع المواطنين.

وتهدف نشرة الرسوم الجمركية الموحدة، وفق علوش، إلى دعم القطاع الصناعي وتعزيز جذب الاستثمار، من خلال تقديم إعفاءات للمستثمرين وأصحاب المعامل الذين اضطروا إلى إخراج معداتهم أو منشآتهم نتيجة لظروف الحرب، ويرغبون بإعادتها إلى البلاد أو الذين يرغبون بإدخال معامل جديدة متكاملة.

ما أهمية القرار؟

الخبير الاقتصادي، أدهم قضيماتي، برأيه أنّ قرار خفض الضرائب هو إجراء جيد ويساهم في المرحلة المقبلة في خفض الأسعار بشكل أكبر، ما يعني أن نشهد قوة شرائية أكبر للمواطن السوري وبخاصة مع رفع الرواتب بنسبة 400 بالمئة، والقضاء على مظاهر التهريب والمحسوبيات والأتاوات التي كانت تفرض خلال فترة حكم النظام السوري السابق.

القرار يمكن أن يساهم أيضاً، وفق قضيماتي، في رفد خزينة الدولة بمزيد من الأموال بسبب الابتعاد عن التهرب الضريبي من قبل التجار، مع خفض قيمة الضريبة والمرونة في الإجراءات المفروضة من قبل الحكومة الحالية.

ويشير الخبير الاقتصادي إلى أنّ تلك الخطوة جيدة في المرحلة الحالية، بسبب تباين نسبة الضرائب على السلع المستوردة.

ومع استمرار التحسن الطفيف في سعر صرف الليرة السورية وانخفاض الأسعار، يعيش السوريون بين تفاؤل حذر وتحديات معيشية قاسية.

ورغم الخطوات الحكومية لتحسين الوضع الاقتصادي، يبقى تحقيق استقرار معيشي حقيقي مرهوناً بخطط طويلة الأمد تعيد بناء الاقتصاد وتوفر حياة كريمة لجميع المواطنين.

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض