"يابا لا تقتلني".. منبج: جرائم مستمرة بحق نساء بدون حصانة ولا قانون يحميهن

نساء | 9 04 2025

روزنة

في بلد أنهكته الحرب، وباتت فيه القوانين هشّة أو شبه مغيّبة، تتكرر ما يسمى بـ"جرائم الشرف" في سوريا، مع مواجهة النساء لتهديدات متكررة من العائلة دون قانون يحميهن، حتى بعد سقوط النظام السابق ووصول سلطة جديدة تتبنى شعارات منها "العدالة".

في ريف حلب الشرقي، قُتلت امرأتان لم تتجاوزا الـ 30 عاماً، برصاص أب وأخ، تحت ذريعة ما يسمى "غسل العار"، في يوم واحد، إذ لم تنفع توسلات إحداهن أمام فوهة البندقية التي حملها والدها، ولا نداء "يابا يابا" كان كافياً لوقف الطلقة التي أنهت حياتها.

جريمة جديدة بحق النساء تصوّر من قبل الجناة وتنشر عبر الإنترنت، لتعيد التذكير بواقع المرأة وحقوقها في سوريا، كما تثير مجدداً غضباً واسعاً في المجتمع المحلي وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ومطالبات بمحاسبة الفاعلين وتقديمهما للعدالة.

ما القصة؟

ثلاثة أشخاص من أهالي منبج وريفها أكدوا لروزنة وقوع الجريمة بحق السيدتين من قبل عائلتيهما، اللتين قال "المرصد السوري لحقوق الإنسان" الأحد الفائت، إنهما من عشيرة البوبطوش، فخذ الجعدان، وقتلت إحداهما في مدينة منبج والأخرى في قرية مران.

وتناقلت صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلاً مصوراً، تعتذر روزنة عن نشره لقساوته، يوثّق الجريمة، حيث يظهر فيه رجل يحمل سلاحاً ويتقدّم نحو شابة شاحبة الوجه، ترفع يدها بتوسل وهي تردد بصوت مكسور: "يابا... يابا"، قبل أن يطلق عليها النار "بدم بارد".

ما التفاصيل؟

يروي "سامر" (اسم مستعار)، وهو أحد أبناء عشيرة "البوبطوش"، تفاصيل مؤلمة لما حدث، دون أن يتسن لروزنة مقاطعة ما جاء في شهادته من مصدر مستقل، وسط اعتذار عدد من الأشخاص في منبج ممن تواصلنا معهم عن الإجابة على أسئلتنا حول الجريمتين.

يقول سامر لروزنة، إن يوم الأحد الفائت شهد جريمتين مأساويتين، حين أقدم رجل يُدعى "مالك.ع" على قتل ابنته، في حين أقدم "جاسم.ع" على قتل شقيقته في نفس اليوم، وبالطريقة ذاتها رمياً بالرصاص ميدانياً، تحت ذريعة ما يسمى بـ"جرائم الشرف".

يعود سامر بالزمن إلى ما قبل 8 أشهر، حين كانت العائلتان تقيمان في تركيا منذ سنوات، ويعمل أفرادها مع شبان من العراق وسوريا وتركيا، موضحاً أن خلافاً مالياً نشب بين عائلة الضحيتين وبعض العاملين، ما دفع الذكور من العائلتين للعودة إلى سوريا بشكل مفاجئ.

في ظل هذا الغياب، اختطفت السيدتان على يد مجموعة من الشبان العراقيين والأتراك ممن عملوا مع عائلاتهن، حيث تم احتجازهما لأيام، وسرّبت حينها مقاطع شخصية مصورة لهما، وفق زعمه، ما أدى لتحولها إلى ما وصفه بالـ"وصمة" في محيطهن، قبل الإفراج عنهما.

"المرصد السوري" وصف الجهة الخاطفة بأنها "مجموعة من تجار المخدرات مع شبان أتراك"

أقامت السيدتان في سوريا بمنزل العائلة بعد عودتهما، لمدة قدرها سامر بستة أشهر، لكن بالأيام الماضية، أعيد الحديث عن المقطع المصوّر بعد شجار بين ذوي الضحيتين وأشخاص في منبج، عبر قول الطرف الأخير بأن هناك "عار لم يغسل، ما فجّر المشهد مجدداً"، وفق تعبيره.

يرى سامر أن ما حصل "اغتيال متعمد للحياة والكرامة"، مؤكداً أن أصوات داخل المجتمع المحلي وخارجه، ارتفعت للمطالبة بالمحاسبة "باعتبارها جريمة قتل متعمّد لا يبررها عرف ولا شريعة، وخرق فاض لأبسط حقوق الإنسان، وخصوصاً حق النساء في الحياة والأمان".

اقرأ أيضاً: السويداء: أب ينهي حياة ابنته بعد اتهامات بـ"اختطافها والاعتداء عليها"

فرّ القاتلان من مكان الجريمة، ولا يزالان حتى اللحظة طليقين، حسب سامر، فيما حصلت روزنة على عدة روايات مختفلة حول سبب اختطاف الضحيتين في تركيا، لن تنشرها لعدم تقاطعها واختلافها بشكل جذري في كل منها.

أمن منبج: لا رد

تواصلت روزنة مع المركز الأمني في مدينة منبج التابع لوزارة الداخلية لدى الحكومة السورية الانتقالية، للوقوف على تفاصيل الجريمة.

لكن المسؤول الأمني رفض منحنا أي تفاصيل تتعلق بالقضية عبر الهاتف، وطالب بوجودنا حضورياً لمنحنا أي تصريح.

ولم تنشر وزارة الداخلية أو وزارة العدل عبر المعرفات الرسمية أي خبر حول الجريمتين حتى لحظة كتابة التقرير. كما أرسلت روزنة لـ"مكتب العلاقات الحكومية"  لاستيضاح موقف وزارة العدل من الجريمتين، دون وجود رد حتى الآن.

ودعا ناشطون وجهات حقوقية الجهات المعنية إلى إدانة هذه الجرائم، والعمل على ترسيخ ثقافة المحاسبة القانونية، ووقف الانتهاكات التي تُرتكب بذريعة مبررات اجتماعية لا تمت بصلة إلى القانون أو العدالة.

"اللوبي النسوي السوري" أدان عبر فيسبوك، الجريمتين وطالب الحكومة السورية بمحاسبة القتلة وضبط الأمن، وجاء في بيان مقتضب: "لا يمكن ضبط الأمن في سوريا دون تفعيل الضابطة العدلية وإعادة الشرطة المدنية إلى عملها".

قد يهمك: "حق بنت تل السمن".. الرقة: ضحية جديدة لتعنيف جسدي بذريعة حماية "الشرف"

لا منظمات داعمة للنساء في منبج

حامد العلي مدير المكتب الإعلامي لمدينة منبج وريفها أوضح لروزنة أنه منذ سيطرة "الإدارة السورية الجديدة" على مدينة منبج وخروج "قوات سوريا الديمقراطية"، لا وجود لأي منظمات داعمة للنساء.

وأوضح: "منذ ثلاثة أشهر عقدت عدة جلسات مع منظمات أممية ومنظمات أخرى، وجرى خلالها التأكيد على ضرورة متابعة واقع النساء قريباً من قبل المنظمات".

من جهته يقول حسن معلم في منبج لروزنة، إن منظمة "سوسن" التي كانت تُعنى بدعم النساء، عملت سابقاً في المدينة، إلا أنها أُجبرت على التوقف عن نشاطها بعدما فرضت "قوات سوريا الديمقراطية" شروطاً مشددة على الترخيص أدت إلى خروجها من المنطقة.

ويضيف حسن أنه لا توجد حالياً في منبج سوى منظمتين فقط تنشطان في مجالي الإغاثة والتعليم.

اقرأ أيضاً.. "تجمع نساء زنوبيا": فقدان ثلاث ناشطات حياتهنّ في منبج

ماذا يقول القانون السوري؟

المحامي محمود حمام، يقول لروزنة إن ما حدث "مجرّم قانوناً ومحرم شرعاً في كل الشرائع السماوية والوضعية، وقد ألغى القانون السوري العذر المحل الذي سبق ونص عليه في التشريعات السابقة عام 2011 وتشدد في العقوبة ورفع الحد الأدنى لخمس سنوات".

وأضاف: "يحاسب مرتكب الجريمة عن قصد أو عمد حسب ظروف كل دعوى، ويمكن أن تصل العقوبة إلى الإعدام والمؤبد أو الأشغال الشاقة" ويشير إلى أن المحكمة "هي من تقرر في هذه القضية الحكم بعد الاستجواب والتحقيق وسماع الشهود وملابسات القضية".

مجلس الشعب لدى حكومة النظام السابق، أقرّ في الـ 12 من آذار 2020، إلغاء المادة (548) من قانون العقوبات السوري، التي تمنح أحكاماً مخفّفة وأعذاراً لمرتكبي ما يُعرف بـ"جرائم الشرف".

اقرأ أيضاً: تحت مسمى "الدفاع عن الشرف" جريمتي قتل في السويداء


وإلغاء المادة من قانون العقوبات، يعني أنه لم يعد هناك تخفيف في الحكم لمرتكبي جرائم الشرف، لكونه يلغي العذر من العقاب، فيتم محاسبة مرتكبي تلك الجرائم مثل أي قاتل على حد سواء.

وكان القانون السوري، وفق المرسوم التشريعي رقم 148 الصادر عام 1949، يعفي "القاتل بقصد دافع الشرف" من العقوبة، لكن في عام 2009، صدر قانون جديد يعاقب "القاتل بدافع الشرف"، بالحبس لمدة سنتين كحد أقصى وفق المادة (548).

وفي عام 2011 أصدر بشار الأسد رئيس النظام المخلوع، المرسوم رقم (1) ونصت المادة 15 منه على إلغاء الحكم السابق في المادة (548)، والاستعاضة عنها بنص جاء فيه أن عقوبة القتل، الحبس من 5 إلى 7 سنوات.

وجاء في النص: "يستفيد من العذر المخفف، من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخوته، في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر، فأقدم على قتلهما أو إيذائهما، أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد".

اقرأ أيضاً: الأسد يصدر قراراً بإلغاء أحكام جرائم الشرف في سوريا

​وفقاً لـ"المرصد السوري لحقوق الإنسان"، تم توثيق مقتل 38 امرأة وفتاة في سوريا تحت ذريعة ما يسمى "جرائم الشرف" منذ بداية عام 2024 الماضي وحتى 9 حزيران 2024. توزعت هذه الجرائم على مختلف مناطق النفوذ في سوريا.

إضافة إلى ذلك، أفادت منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" أنه منذ عام 2019 وحتى تشرين الثاني 2022، تم تسجيل أكثر من 185 حالة ما يسمى "جريمة شرف" في سوريا، مع احتمال أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى بسبب عدم الإبلاغ عن جميع الحالات. ​

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض