تقارير وتحقيقات | 14 02 2025

تشهد منشآت صحية حكومية في طرطوس، إصدار قوائم إجازات قسرية للموظفين من كوادر طبية وإدارية صادرة عن وزارة الصحة في حكومة تصريف الأعمال، بسبب ما تقول إنه فائض بعددهم أو وجود "موظفين أشباح"، يقابله اتهامات بفساد إداري لمشمولين بالقرار.
وضمن إجراءات تسريح العمال بإجازات مأجورة لثلاثة أشهر بدأت بها الحكومة الانتقالية بمجرد استلامها للسلطة في دمشق بعد سقوط النظام السابق، أصدرت قوائم بأسماء الموظفين الذين شملهم القرار، قبل أن تعيد النظر في بعضها وتصدر قوائم جديدة معدلة.
رصدت روزنة خلال إعداد المادة، آراء 17 موظفاً وموظفى في مشاف مختلفة بطرطوس، شملتها قرارات القوائم الجديدة والمعدلة للإجازات القسرية، إذ اعتبر 13 منهم أن التقييمات الأولية لـ"الصحة" لم تكن منصفة وفيها "محسوبيات".
بالمقابل، أبدى 4 ممن قابلتهم روزنة ارتياحهم تجاه القوائم جديدة، بينهم عاملة أقصيت بالإجازة، معتبرين أنها "تعتبر أكثر عدلاً مقارنة بالقديمة، لاتباع معايير محددة كسنوات الخدمة والعمر".
مشفى بانياس
اعتصم عشرات الموظفين والموظفات من مشفى بانياس أمام المبنى ومديرية صحة طرطوس، في وقت سابق من شهر كانون الثاني الفائت، احتجاجاً على قوائم الأسماء الذين فرضت عليهم الإجازة القسرية، وأبدى المحتجون غضباً كبيراً، حسب مصادر لروزنة.
وأضافت مصادر من المشفى أن المحتجين اتهموا حينها المدير "بالإبقاء على أصدقائه وأقاربه، وأبعد كل الذين عملوا واجتهدوا خلال السنوات الماضية"، لتستجيب وزارة الصحة لمطالبهم وتعزله من منصبه، إضافة لإيقاف القوائم التي أصدرها وإعادة الجميع للعمل.
ورجحت المصادر أن تصدر القوائم الجديدة في الشهر الحالي، وسط حالة ترقب ومخاوف لدى الموظفين والموظفات على مستقبلهم المهني.
ومن بين المشمولين بقرار الإجازة المأجورة لثلاثة أشهر (الفصل)، الطبيب محمد عزيز محمد أخصائي جراحة عصبية، لذي اتهم هو الآخر المدير السابق بـ"جعل مشفى بانياس ساحة للمحسوبيات"، وقرر فصله دون أن تشفع له سنوات الخبرة الطويلة وندرة الاختصاص.
وقال "عزيز محمد" لروزنة إن المدير السابق برّر ضم اسمه بأن القرار صادر عن وزارة الصحة "ولا شأن له به"، في حين يحمل الطبيب المسؤولية للمدير لوضع الأسماء في قوائم الإجازات.
ويتساءل الطبيب: "كيف لمشفى بسعة 240 سريراً أن يكفيه طبيب جراحة عصبية واحد، بينما بقي 4 مختصين في شعبة الجراحة العظمية؟".
ولم يتسن لروزنة الحصول على رد من إدارة المشفى السابقة، حول الاتهامات الموجهة لهم من مصادر متقاطعة، مع فتح باب الحق بالرد في حال إرساله.
ويعتبر اختصاص الجراحة العصبية أحد الاختصاصات النادرة في سوريا، كما قال نقيب الأطباء السابق غسان فندي في تصريحات صحفية عام 2021، مشيراً أن الأطباء يبحثون عن اختصاصات أكثر رواجاً مثل التجميل.
وتحدث وزراء في الحكومة الانتقالية لرويترز، عن خططهم لإزالة عدد كبير من "الموظفين الأشباح"، وهم الأشخاص الذين كانوا يتقاضون رواتب مقابل عمل قليل، أو لا شيء على الإطلاق خلال حكم النظام السوري السابق.
نقلت الوكالة عن وزير المالية محمد أبازيد في مقابلة، قوله "كنا نتوقع الفساد، ولكن ليس إلى هذا الحد"، مضيفاً أن 900 ألف فقط من أصل 1.3 مليون شخص يتقاضون رواتب حكومية يأتون إلى العمل بالفعل، مستشهداً بمراجعة أولية.
وأضاف وزير المالية: "هذا يعني أن هناك 400 ألف اسم شبح، وإزالة هذه الأسماء من شأنه أن يوفر موارد كبيرة".
اقرأ أيضاً: "رويترز": إصلاحات جذرية للاقتصاد السوري وإزالة عدد كبير من "الموظفين الأشباح"
عودة مشروطة
نقلت مصادر من مشفى بانياس، لروزنة، إن وفداً من وزارة الصحة اجتمع مع موظفين وكوادر طبية وإدارية، أخبرهم أن عدد الأطباء والكوادر "كبير جداً"، ضارباً مثال عن مشفى في إدلب "يجري 250 عملية شهرياً، رغم وجود ثلاثة أطباء فقط".
ومع تعليق العمل بالقرار وانتظار إصدار قائمة جديدة، كانت العودة مشروطة عبر نظام دوام "صارم"، حسب المصادر، إذ يعتبر الغياب ممنوع واشتراط الالتزام التام بالعمل وأداء الواجبات "دون أي تساهل مع الموظفين والموظفات في القرى البعيدة، كالقدموس".
وتوضح المصادر أن الموظف في القدموس يدفع الآن 40 ألف ليرة يومياً للمواصلات، رغم أن راتبه لا يتجاوز 325 ألف ليرة "ومع ذلك وحرصاً على عدم خسارة الوظيفة فإن الجميع ملتزم ويستدين أجور المواصلات اليوم"، وفق تعبيرها.
ويصل عدد الكادر الصحي والإداري في مشفى بانياس إلى 947 موظفاً وموظفة، بينما قال وفد وزارة الصحة إن العدد يجب أن يكون 500 موظفاً وموظفة للمشفى الذي يتسع لـ240 سريراً، بحسب المصادر التي ترى أن عدد الموظفين الحالي ليس كبيراً خصوصاً الكادر الصحي.
ويعيش نصف سكان سوريا في فقر مدقع، في وقت لا تزال تشهد الليرة السورية تدهوراً مستمراً، وفق تقرير للأمم المتحدة قبل أسابيع، جاء فيه أنّ الليرة السورية فقدت عام 2023 حوالي ثلثي قيمتها، ما رفع معدل التضخم الاستهلاكي إلى 40 بالمئة خلال عام 2024.
مشفى الشيخ بدر.. حال مشابهة!
في مشفى الشيخ بدر بريف طرطوس، لم يكن الحال مختلفاً كثيراً عما جرى في بانياس، بحسب شهادات 3 ممرضات يعملن في المشفى، فضلن جميعهن عدم ذكر اسمهن، مخافة إعادة أسمائهن إلى قوائم الإجازات القسرية مرة أخرى.
وتقول الممرضات لروزنة، إن مسؤولية وضع أسماء الفائض وقعت على عاتق رؤساء الأقسام ورئيسات التمريض، اللواتي عملن على ترك الموظفين والموظفات من معارفهن "دون أي مراعاة للجهد والعمل وحتى حاجة المشفى".
وزعمت ممرضة أن إحدى رئيسات التمريض برّرت وجود اسمها في القوائم "لأنها وضعت على عجل"، متهمة إياها مع الإدارة عدم الالتزام بالمعايير المعلن عنها، حول "العمل 25 سنة فما فوق، ومن كان يحصل على إجازات متكررة، أو لديه مشاكل وعقوبات مسلكية".
كذلك، روت الممرضة حسب شهادتها، أن رئيسة القسم عادت لتقول بعد مساءلة أخرى، أن "الصحة" طلبت الإبقاء على عدد قليل من الموظفين والموظفات "واختارت (المسؤولة) أن تُبقي رؤساء ورئيسات الأقسام لأنهم أقدر على إدارة أنفسهنّ من الممرضات العاديات!".
اقرأ أيضاً: المتقاعدون العسكريون.. بانتظار راتب شحيح لم يصل بعد
"إنصاف بقوائم جديدة"
شاركت الممرضة بالاعتصام أمام مديرية الصحة والمحافظة، وكانت من ضمن الوفد الذي قابل نائب محافظ طرطوس حينها، لتقديم الشكاوى والاستماع لمطالبهم. وأخبرهم أنهم سيعيدون التقييم مرة أخرى مطالباً إياهم بالعودة إلى العمل ريثما تصدر القوائم الجديدة.
لاحقاً، عند إصدار قوائم جديدة عاد اسم الممرضة إياها إلى العمل مجدداً، وقالت إنه تم اختيار أحدث التعيينات في كل قسم، مثلاً في قسمها تم اختيار 15 ممرضاً وممرضة من المعينين حديثاً، فيما تم منح الأقدم تعييناً إجازة مأجورة.
وأضافت الممرضة لروزنة، أن كل من بلغت سنوات خدمته 25 عاماً فإنه سيحال إلى التقاعد بحسب ما يتم تداوله.
وفي مشفى طرطوس الحكومي، قالت مصادر إن "كل الخريجين الجدد أقصوا في القائمة الأولى لصالح الإبقاء على رؤساء الأقسام الذين في رصيدهم 25 سنة خدمة فما فوق"، لتعدل القائمة الجديدة ويضاف الخريجون الجدد ويمنح الأقدم إجازة مأجورة.
وأوضحت المصادر: "لكن لم يتم تنفيذ الإجازة، لأن من جاء اسمه في قوائم الإجازة طلب ورقة رسمية بالإجازة المأجورة كي لا يتعرض للفصل لاحقاً، وهو ما أدى إلى توقف القرار لحين الحصول على الورقة الرسمية".
وتشهد مناطق عدة في سوريا منذ سقوط النظام السابق، احتجاجات من موظفين منحوا إجازات مأجورة لثلاثة أشهر، وسط نقاش بين سوريين عن ظاهرة "الموظفين الأشباح" من يتقاضون مرتبات دون الحضور والعمل، واتهامات بقرارات "جائرة" غير مدروسة.