تقارير وتحقيقات | 23 04 2024

ما زال مصير عدد من ركاب القوارب التي أعادتها السلطات القبرصية قبل نحو أسبوع إلى لبنان مجهولاً، والتي كان على متنها لبنانيون ولاجئون سوريون وفلسطينيون، إذ انطلقت من بحر العبدة في عكار، شمالي لبنان، قبل أن توقفها السلطات القبرصية وتعيدها من حيث أتت.
الفيديوهات المنتشرة أظهرت وجود أشخاص على متن هذه القوارب من مختلف الفئات العمرية، فكان من بين الركاب أطفال ونساء وشيوخ، امتنع معظمهم عن الحديث بسبب الخوف والرعب الذي كان يبدو جلياً على وجوههم بسبب الرحلة الشاقة التي عاشوها، إضافة إلى خوفهم من القبض عليهم.
واحتجزت مخابرات الجيش اللبناني أحد القوارب العائدة، وهو ما دفع ناجون آخرون للاختباء في المقابر والأحياء السكنية هرباً من الوقوع في قبضة الجيش، وفق ما قال لروزنة أحد الناشطين في المنطقة.
وكان الجيش اللبناني أطلق سراح عدد من المحتجزين فجر الخميس الفائت، فيما أبقى على آخرين لعدم امتلاكهم أوراقاً قانونية أو بسبب دخولهم خلسة إلى لبنان، وقد تم تحويلهم ظهر اليوم الثاني إلى الأمن العام في بيروت ولا معلومات واضحة حول مصيرهم بعد.
اقرأ أيضاً: قبرص: عشرات السوريين مهدّدون بخسارة الحماية والترحيل
واعترضت مراكب الدوريات القبرصية خمسة قوارب تحمل مئات اللاجئين والمهاجرين السوريين، بحسب ما ذكرت تقارير إعلامية، وذكرت وكالة "أسوشييتد برس" أن القوارب عادت إلى الوراء ونزل الركاب بسلام.
وأشارت المفوضية في لبنان في بيان لها أنها على علم بنزول أكثر من 220 شخصاً من القوارب العائدة في شمال لبنان يوم الأربعاء الماضي (17 نيسان)، وقالت إن من بين هؤلاء 110 لاجئين مسجلين لدى المفوضية وتم إطلاق سراحهم جميعاً، وفق موقع "مهاجر نيوز".
المحامي اللبناني، محمد صبلوح، مدير عام مركز سيدار للدراسات القانونية، يقول لروزنة، إن قبرص رفضت استقبال خمسة قوارب مهاجرين الأسبوع الفائت، ووفق بعض الناجين الواصلين إلى لبنان، هناك تسعة أشخاص رفضوا العودة إلى المياه اللبنانية وسبحوا في المياه القبرصية ولا معلومات عنهم، ووصل اثنان إلى شواطئ طرطوس سباحة، والباقي عاد إلى لبنان.
ووفق المحامي صبلوح، إن الجيش اللبناني أطلق سراح كل شخص مسجّل لدى مفوضية اللاجئين من العائدين، فيما اعتقل المقيمين بطريقة غير شرعية وغير المسجلين بالمفوضية.
تفاصيل الرحلة
يروي سامر (اسم مستعار) وهو لاجئ سوري يعيش في منطقة الدورة بالعاصمة اللبنانية بيروت، منذ أكثر من 14 عاماً، أنه سمع من أحد أصدقائه بوجود قوارب هجرة ستنطلق نحو قبرص، فقرر السفر عن طريقها لعله يحظى بفرصة حياة كريمة هو وعائلته.
انطلق سامر قبل يوم من الرحلة من بيروت نحو العبدة، شمالي لبنان، وكانت هناك سيارة بانتظاره، وبعدها تنقل بين سيارات عدة، حتى وصل إلى المنزل الذي اجتمع فيه جميع الركاب.
وعند الرابعة من فجر اليوم التالي، انطلق المركب من شاطئ العبدة نحو قبرص، وفور وصول القارب إلى المياه الإقليمية القبرصية، قبض خفر السواحل القبرصي على سامر ومن معه وطالبهم وطالبهم بالعودة إلى لبنان.
في بداية الأمر رفض الركاب العودة، يقول سامر لروزنة، ولكن بسبب الجوع والعطش والخوف من أن يغرق القارب قرروا العودة مع قاربين آخرين فيما بقيت خمسة قوارب أخرى في المياه الإقليمية القبرصية.
كل قارب كان يضم أكثر من مئة شخص، بينما قدرته الاستيعابية لا تتعدَى الـ20 شخصاً، يوضح سامر ويضيف: "ضمن القوارب التي عادت إلى لبنان عدد من المهاجرين السوريين، أتوا من سوريا إلى لبنان كي يسافروا عبر تلك الرحلة غير الشرعية".
الناشطة السورية، أحلام الخالد، التي تتابع عن كثب قضايا اللاجئين السوريين في لبنان، تقول لروزنة إن "معظم السوريين الذين يأتون إلى لبنان كي يسافروا عبر القوارب غير الشرعية، هم قادمون من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، التي تشهد تدهوراً كبيراً في الأوضاع الاقتصادية، وبالتالي يكون لبنان بالنسبة إلى هؤلاء بمثابة محطة عبور".
الحملات التحريضية كانت الدافع
تشير سمر (اسم مستعار) إلى أن زوجها الذي لا يتعدى عمره ( 18 عاماً ) قرّر السفر بعد تعرضه للضرب المبرح والتهجم من قبل شبان المنطقة التي يسكنون فيها في لبنان.
وبعد حادثة اغتيال باسكال سليمان في مدينة جبيل اللبنانية، وتورط سوريين في الجريمة، ارتفعت وتيرة الحملة التحريضية ضد اللاجئين السوريين ضمن عدد من المناطق اللبنانية، وسط تخوّف الكثير من العائلات السورية من الخروج والتعرّض للاعتداء في ظل التهديدات التي يتلقونها بالتزامن مع عيد الفطر.
قد يهمك: ضمن ارتفاع حالات الاعتداء على سوريين بلبنان.. وفاة عامل صبراً
تفاجأت سمر بقرار سفر زوجها عبر تلك القوارب غير الشرعية رغم عدم امتلاكه لتكاليف الرحلة، إذ استدان مبلغاً بقيمة 2400 دولار أميركي من أجل السفر.
تقول لروزنة: "اتصل بي زوجي من طرابلس وأخبرني بأنه سيسافر في اليوم التالي بحثاً عن حياة أفضل من أجل العائلة".
وتخشى سمر من أن يرحّل زوجها إلى سوريا، وبخاصة أنه ليس هناك معلومات واضحة عن مصيره بعد، كما تتخوف من أن تصبح بلا مأوى هي وطفلتها التي لا يتعدى عمرها الثلاثة أشهر، في نهاية الشهر الحالي بسبب عدم امتلاكها المال الكافي لدفع إيجار المنزل.
وكانت صحيفة "النهار" اللبنانية، ذكرت الخميس الفائت، أن قارب هجرة غير شرعي دخل إلى المياه اللبنانية، قبل يوم قبالة شاطئ الميناء، وعلى متنه عائلات سورية، وعمد الركاب برمي أنفسهم في المياه والسباحة نحو اليابسة.
مصير الموقوفين لدى الأمن العام اللبناني
"لا أعرف شيئاً عن ابني ومصيره" تقول أم سليمان لروزنة، وهي والدة أحد الشبان الذين كانوا على متن أحد القوارب غير الشرعية والذي قبض عليه الجيش في طرابلس وتم تحويله إلى الأمن العام في بيروت.
توضح أم سليمان أن ابنها لا يملك سوى بطاقة لجوء من الأمم المتحدة، لكونه دخل لبنان في عمر صغير: "والده يعيش في سوريا، تركه هو وإخوته الصغار، ولا يهتم بتسوية أوراقهم بشكل قانوني".
مصدر أمني أشار لروزنة، إلى أن الركاب الموقوفين لدى الأمن العام اللبناني يختلف مصيرهم، فمن دخل خلسة إلى لبنان ولا يملك أي أوراق قانونية تخوله البقاء سيتم إعادته إلى سوريا.
ومن يملك بطاقة لجوء أممية، فسيتم البحث في ملفه بين الأمن العام والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
أزمة هجرة
في الآونة الأخيرة ظهرت ملامح أزمة دبلوماسية بين قبرص ولبنان بسبب عدم سيطرة الأخير على تدفق طالبي اللجوء إلى الجزر القبرصية، عبر المياه اللبنانية.
ووصل أكثر من 2000 شخص إلى قبرص عن طريق البحر في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024، مقارنة بـ 78 فقط في الفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً لبيانات الحكومة القبرصية.
ووفقاً للمعلومات المتوفرة، فإن أعداد المهاجرين غير الشرعيين قد شهدت ارتفاعاً قياسياً في الأسابيع الأخيرة، إذ تراوح العدد بين الـ700 والـ1000 شخص أسبوعياً.
وإلى أن ينكشف مصير الموقوفين لدى الأمن العام اللبناني والعالقين في المياه الإقليمية، ستظل رحلات الهجرة غير الشرعية تنشط من لبنان إلى قبرص، بخاصة أن الأوضاع الاقتصادية تزداد سوءاً، في ظل تصاعد حملات التحريض والعنصرية اتجاه اللاجئين السوريين.
ويبقى البحر رغم خطورته وصعوبة السفر فيه هو الأمل الأخير للفقراء واللاجئين الراغبين بأي فرصة جديدة للنجاة والعيش بكرامة.
ويعاني اللاجئون السوريون في لبنان من أحوال اقتصادية متردية، ولا سيما في ظل الحرب جنوبي لبنان ما بين إسرائيل و"حزب الله" اللبناني، إضافة إلى التضييق الذي تمارسه الحكومة اللبنانية عليهم ومطالبتهم المستمرة بالعودة وترحيل المئات بشكل قسري، وفق تقارير إعلامية، إذ يبلغ عددهم مليون ونصف سوري، وفق الحكومة اللبنانية.