تقارير وتحقيقات | 27 01 2024

اقتتال عشائري في منطقة الحمرات بريف الرقة الشرقي، تصاعدت وتيرته مؤخّراً، وأدى إلى مقتل رجلين وإصابة آخرين، ليرتفع بذلك عدد قتلى النزاع الكلي حتى اليوم منذ اندلاع الشرارة الأولى للاقتتال قبل نحو عام إلى 13 شخصاً، وفق مصادر روزنة من المنطقة.
الاقتتال بدأ في شهر نيسان من العام الماضي، بعد مقتل شخص من فخذ "ب.ل" من عشيرة "م"، على أيدي أشخاص من فخذ "ب.ر" من عشيرة "ج"، إثر خلاف حول رعي المواشي في أراضٍ زراعية، لتتصاعد وتيرة العنف تارة بين الطرفين وتهدأ تارة أخرى بوساطات عشائرية، قبل أن تتجدد مؤخراً.
إجلاء وأعمال انتقامية لأخذ "الثأر"
سبعة أشخاص قتلوا في نيسان العام الفائت، من فخذ "ب.ل" خلال الاشتباكات بين الطرفين، لتتدخل وساطات عشائرية بينهم، ويتم إقرار إجلاء نحو 60 عائلة من فخذ "ب.ر" إلى قرية حمرة جماسة المجاورة.
والإجلاء عرف عشائري قديم، ينص على ترحيل جماعي لأهل الجاني وعدد من أقاربه من المنطقة بعيداً عن أهل المجني عليه، للحفاظ على الأرواح والممتلكات، خاصةً في الأيام الأولى بعد ما توصف بـ "فورة الدم".
عقب ذلك تم إجلاؤهم لمناطق أبعد في بلدة الكرامة والاحوس وتل السمن ولمركز المدينة، إلا أن الأعمال الانتقامية لم تتوقف واستهدف عدد منهم، ما دفعهم للعودة مجدداً إلى المنطقة في الحمرات قبل نحو 6 أشهر.
بعد ذلك تصاعدت الاشتباكات مجدداً ووصلت لذروتها قبل أيام بعد مقتل شخصين، وتداولت صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي صوراً تظهر قيام مجموعة من الأشخاص بقتل شخص والتنكيل بجثته، وخسائر في أحد المساجد نتيجة القتال الدائر هناك.
ووفق مصادر محلية لروزنة، فإن المعارك تتصاعد بعد منتصف الليل، وتستخدم فيها أسلحة الكلاشنكوف ورشاشات الـ " PKS" أثناء الاشتباكات التي يشترك فيها العشرات من الطرفين.
دعم من مغتربين بالمال والسلاح وخسائر اقتصادية
قيس "اسم مستعار" وهو أحد سكان منطقة الحمرات، يقول لروزنة، إنّ الوضع ما زال متوتراً بين الطرفين، وما أدى إلى استمرار الاشتباكات حتى اليوم تمويل الاقتتال من قبل مغتربين من أفراد إحدى العشيرتين، المقيمين في دول الخليج العربي.
ويشير إلى أنّ العشيرة الثانية أثّر عليها الاقتتال واستنزف مواردها بسبب ضعف مستواها المادي وعدم التكافؤ مع العشيرة الثانية.
ويعتمد اقتصاد المنطقة على الزراعة والرعي بشكل رئيسي، ولكن الاشتباكات المستمرة أدت لمنع الكثيرين من مزاولة أعمالهم، وعن ذلك يوضح قيس "أحد أطراف النزاع يعيشون على العمل بالرعي والزراعة بعدد مواشي قليل ومساحات صغيرة، لذلك ترتبت عليهم أعباء إضافية من أجل التسلح وهم لا يقوون عليها".
أعداد طرفي الاقتتال متقاربة ما بين الـ 50 و60 عائلة، بحسب قيس.
المعارك أدت إلى خسائر اقتصادية حتى بالنسبة لأطراف ليست لها علاقة بالمشكلة، يشرح قيس: "على سبيل المثال شخص مستأجر محل من أحد أطراف النزاع، وتربطه صلة مصاهرة أو قرابة بالطرف الثاني، طرد من المحل، وشخص آخر منع من حراثة أرضه، ونحن الآن في فترة إعداد موسم القمح والكثيرون ليسوا قادرين على الزراعة بسبب الاشتباكات".
الاشتباكات أيضاً أدت لخسائر مادية في الممتلكات، بعد قيام أشخاص بحرق منازل وممتلكات تعود لأحد طرفي النزاع، إضافة إلى إغلاق الكثير من المحال، واستهداف آليات زراعية.
اقرأ أيضاً: مقتل امرأة باقتتال عشائري في الرقة.. بسبب محل تجاري!
خوف وذعر بين الأهالي
خديجة "اسم مستعار" من منطقة الحمرات، فضّلت إخفاء هويتها مثل قيس على اعتبار أن الموضوع العشائري شائك وحساس في المنطقة، تقول لروزنة، إن لديها شقيقات يسكن في منطقتي حمرة بلاسم وحمرة ناصر، التي تتركز فيها الاشتباكات.
في النهار تكون الأمور هادئة، بحسب خديجة، ولكن حالة الخوف تأتي ليلاً بعد بدء الاشتباك.
وتصف حالة الخوف التي تعيشها على شقيقاتها كلما تجددت المعارك ليلاً: "نسمع صوت الرصاص ولا نستطيع الخروج من الغرف، خوفاً من رصاصة طائشة (...) الخوف الأكبر على أخواتي اللواتي يسكن في منطقة الاشتباكات، أحياناً لا يكون هناك إنترنت للتواصل معهن، ولا أنام ليلاً بانتظار الصباح للاطمئنان عليهن".
وتشير خديجة أنه توفي قبل فترة شخص من خارج العشيرتين برصاصة طائشة، ما جعلهم يشعرون بالخوف أكثر، والامتناع عن الخروج من غرفهم بعد منتصف الليل، وبخاصة أنهم في منطقة ريفية، إذ تكون المنازل قريبة من بعضها ومكشوفة، وسط انعدام الأبنية.
سباق تسلح ولا تدخل أمني
تصاعد وتيرة العنف دفع عشائر أخرى لشراء السلاح، يقول قيس: "يأتي ذلك من باب محاولة حماية النفس، لأنه قل الاعتماد على الدور الحكومي، القوى الأمنية لم تتدخل بفاعلية منذ الاشتباك الأول ولغاية اليوم، لذلك أصبح الناس يلجؤون للتحزّبات العشائرية، كل بيت يشتري سلاح على قدر إمكانياته وعلى حساب الاحتياجات المعيشية".
كذلك أدى تصاعد العنف إلى قطيعة اجتماعية بين الطرفين، وقطيعة جزئية بين أفراد العشيرتين ككل، كما يقول قيس: "على صعيد العلاقات، هم جيران وينحدرون من قبيلة واحدة بالأساس وهناك علاقات مصاهرة بينهم"، ويوضح أن هناك حوالي 14 أسرة منهم مرتبطة بمصاهرة، تأثرت علاقاتهم منذ بدء الاشتباكات.
أما باقي أفراد العشيرتين لا يحضرون مناسبات بعضهم سواء في الأفراح أو التعازي والزيارات وغيرها.
قد يهمك: الرقة.. نزوح أهالي بعد اقتتال عشائري راح ضحيته 4 أشخاص
أين مشاريع السلم الأهلي؟
عملت منظمات مجتمع مدني طوال السنوات الماضية على مشاريع تتعلق بالحفاظ على السلم الأهلي ومكافحة التطرف العنيف، إلا أنها لم تركّز على النزاعات العشائرية، يقول بشار الكراف، لروزنة وهو ناشط مدني من الرقة.
ويصف الكراف دور المجتمع المدني بما يجري بـ"المحدود جداً"، إذ تركز مشاريع المنظمات المدنية على دمج الفئات الأكثر تهميشاً في المجتمع، ولم يكن هناك تدخل حقيقي في مثل تلك النزاعات، وفق قوله.
ويرى الكراف أن انتشار السلاح سبب رئيسي من أسباب تفاقم الخلافات العشائرية، وأيضاً غياب مشاريع التنمية الضخمة، يقول: "دائماً المشاكل تبدأ لأسباب اقتصادية، خلافات متراكمة من سنوات حول الأراضي الزراعية، ويتم اللجوء للعنف لحل الخلافات بدلاً من الذهاب للمحاكم أو لجان الصلح، للأسف انتشرت لدينا ظاهرة (آخذ حقي بيدي)".
وجود ميثاق عشائري، تلتزم به جميع العشائر في المنطقة، ربما يحد من النزاعات المسلحة، وفق الكراف.
أيضاً يرى بأنه من الضروري دعم الحوارات بين العشائر والمكونات أيضاً، وتعزيز دور المرأة في بناء السلام، بعد أن أثبتت أغلب القضايا أن رضا المرأة في العشيرة سبب رئيسي في تخفيف حدة الاقتتال، وفق الناشط المدني.
وخلال السنوات الأخيرة اتّسع نطاق الاقتتال العشائري بريف الرقة، لأسباب مادية في الغالب، وسط انتشار واسع للسلاح، والذي أدى بدوره إلى وقوع ضحايا بين قتلى وجرحى، ماعدا الخسائر الاقتصادية .