ارتفع سعر الدواء الذي يحتاجه علي خطاب، المصاب بمرض ابيضاض الدم اللمفاوي المزمن، من 280 دولاراً أمريكياً إلى 470، إثر توقف دخول المرضى من شمالي غربي سوريا إلى الجانب التركي للعلاج بعد زلزال 6 شباط الماضي، وازدياد الطلب على أدوية علاج مرضى السرطان بشكل كبير خلال الشهرين الماضيين.
اقرأ أيضاً: شفاء مرضى سرطان بدواء تجريبي وعلماء: "النتائج غير مسبوقة"

جاء ارتفاع أسعار الأدوية اللازمة لمرضى السرطان بسبب زيادة الطلب على تلك الأدوية، بعد توقف دخول المرضى إلى تركيا، وفقدان بعض أنواع الأدوية، وسبّب ذلك أيضاً ازدحاماً كبيراً في مركز الأورام الوحيد الموجود بمدينة إدلب، ما زاد العبء المادي على علي وأصبح يستغرق الحجز في المركز وقتاً أكبر.
ويعاني علي من مرضه منذ عام 2018 ، واحتاج في منتصف العام الماضي للعلاج بستة جرعات كيميائية لمدة ستة أشهر، بسبب تطور المرض ودخوله في طور النشاط، وبعد نفاذ كمية الأدوية المجانية من المركز اضطر لشرائها على نفقته الخاصة.
إغلاق طريق العلاج
قبل تعرض المنطقة للزلزال المدمر، كانت المستشفيات التركية هي المنفذ الوحيد، عبر معبر باب الهوى، والذي يمكن من خلاله تقديم العلاج لمرضى السرطان المقيمين في شمالي غربي سوريا، إضافة إلى بعض الأمراض الأخرى التي لا يتوفر علاجها في مستشفيات المنطقة.
ومنذ اللحظات الأولى التي ضرب فيها الزلزال جنوبي تركيا، وشمالي غربي سوريا، أصدرت السلطات التركية قراراً بإغلاق معبر "جيلفاغوز" التركي، وهو المقابل لمعبر باب الهوى، ووقف استقبال أية حالات مرضية سواء كانت إسعافية أو باردة.
أهم فئة مرضية تضررت بعد إغلاق المعبر أمام المرضى، وهي بحاجة إلى تدخل بشكل إسعافي لعلاجها هم مرضى السرطان، لأن العامل الزمني مهم في علاجهم، وقد بلغ عدد مرضى السرطان الذين دخلوا إلى المستشفيات التركية خلال عام 2022 لتلقي العلاج ما يقارب 1264 حالة مرضية، بمعدل 150 مريضاً شهرياً، وذلك بحسب الدكتور بشير إسماعيل مدير مكتب التنسيق الطبي في معبر باب الهوى.
ويضيف الدكتور بشير مبيناً أثر الزلزال على المرضى الذين كانوا يستفيدون من العلاج في المستشفيات التركية، قائلاً: "بعد حادثة الزلزال الذي ضرب الجنوب التركي وشمالي سوريا توقف دخول الحالات المرضية، عبر مكتب التنسيق الطبي إلى المستشفيات التركية، وتوقفت جميع الحالات الطبية من الدخول سواء الحالات الباردة أو الحالات الإسعافية".
وفصّل في نوعي الحالات المرضية التي تتلقى العلاج في مستشفيات تركيا، والتي تدخل عبر مكتب التنسيق الطبي في معبر باب الهوى، فأوضح بأن النوع الأول يضم الحالات الإسعافية، وكان يدخل يومياً ما يقارب 10 حالات إسعافية، بمعدل 300 حالة إسعافية شهرياً كانت تدخل للعلاج ضمن المستشفيات التركية، ومعظم هذه الحالات من الولادات الحديثة من مرضى الخدج والذين هم بحاجة إلى حواضن ومنافس لفترة طويلة، وعناية تمريضية متقدمة.
ويضم النوع الثاني الحالات المرضية الباردة، بحسب الدكتور بشير، الذي بيّن أن حالات مرضى القلب والسرطان تشكل معظم تلك الحالات، والتي يتم تحويلها إلى المستشفيات التركية، بحيث يدخل ما يقارب 450 حالة مرضية بشكل شهري لتلقي العلاج في تركيا، وموضحاً أن علاج مرضى السرطان يتوزع على ثلاثة مراحل لمعظم المرضى، وهي العلاج الكيميائي والعلاج المناعي والعلاج الشعاعي.
البحث عن حلول
تضرر المستشفيات في ولاية هاتاي التركية تسبب بتوقف دخول المرضى من شمالي غربي سوريا، "وقد يستمر ذلك عدة أسابيع أو أشهر، بحسب تطور الأمور وإعادة تأهيل المرافق الصحية في الولاية"، قال مدير مكتب التنسيق الطبي في معبر باب الهوى، بشير إسماعيل.
اقرأ المزيد: حملة لدعم 1000 مريض سوري بحاجة للعلاج في تركيا

تأخر المرضى أصحاب الحالات الخطرة، ومن مختلف الأمراض، دفع المهتمين والعاملين في الحقل الطبي للبحث عن حلول عملية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
من جانبها قالت مديرية صحة إدلب لـ"روزنة" عبر مدير مكتبها الإعلامي عماد زاهر: "إن أكثر المتضررين من توقف دخول المرضى إلى المستشفيات التركية هم مرضى السرطان والقلب، وقد أصبح الضغط كبيراً على مركز الأورام في مدينة إدلب، فالقدرة الاستيعابية للمركز ضعيفة ولا يمكن أن تتحمل الأعداد الكبيرة من مرضى السرطان، ويزيد الوضع سوءاً عدم توفر الأدوية بشكل مجاني للمرضى".
وبحسب زاهر فإن مديرية الصحة بدأت في التواصل مع الدولية والمنظمات الأممية لتأمين الأدوية للمرضى بشكل إسعافي نتيجة خطورة الوضع الصحي لهم.
ويوجد في منطقة إدلب شمالي غربي سوريا مركز وحيد متخصص في أمراض الأورام والسرطان، يتم تشخيص ما بين 150 حتى 200 حالة سرطان حديثة شهرياً مع زيادة واضحة في عدد الحالات.
قال الدكتور أيهم جمو رئيس قسم الدم والأورام في مستشفى إدلب المركزي لـ"روزنة": "يقدم المركز العلاج المجاني لستة أنواع من السرطان، واستشارات ومعاينات مجانية لكافة أنواع السرطانات، ويقدم علاجاً لسرطانات الأطفال".
وأضاف متحدثاً عن حجم المعاناة التي يواجهها المركز الوحيد بإمكاناته المتواضعة، في منطقة ذات كثافة سكانية عالية: "نعاني من فقدان معظم الأدوية، وليس لدينا كمية كافية لبقية الأنواع من الأدوية، وتوقف دخول المرضى إلى تركيا للعلاج سبب ضغطاً كبيراً على المركز، إضافة إلى عدم قدرة بعضهم على تأمين العلاج بسبب فقدانها، أو غلاء أسعارها، أو منهم من يحتاج إلى علاج شعاعي، وهذا غير متوفر في المنطقة، ما يؤدي لمضاعفات في حالاتهم الصحية ووفاة بعض الحالات".
وأضاف جمو بأن القطاع الصحي لا يمكن أن يستوعب هذه الأعداد من المرضى، مع ضعف الإمكانيات إلا بتظافر الجهود، وبناء مركز أورام متكامل، وهذا الأمر غير ممكن ضمن الظروف الحالية ويحتاج وقتاً طويلاً، إذ نحتاج في الوقت الراهن حلاً إسعافياً في تأمين كافة العلاجات الكيميائية، والعلاج المناعي الحديث، وتأمين جهاز المسرع الخطي "العلاج الشعاعي".
بانتظار بارقة أمل
منور زواوي تبلغ من العمر 30 عاماً، وهي مهجرة من مدينة اللطامنة، تعيش في المخيمات على الحدود السورية التركية، مصابة بساركوما في فروة الرأس مع انتشارات إلى الدماغ، ما يتسبب لديها بنوبات صداع وعدم القدرة على أداء وظائفها.
يخبرنا ذووها أن حياتها مهددة بسبب تفاقم المرض وانتشاره، ما لم يتم معالجته بحسب التقارير الطبية، وخصوصاً مع غلاء الأدوية وعدم قدرتهم على تأمينها، وفقدان بعض الأدوية من الصيدليات، كل ذلك أدى إلى سوء حالتها الصحية، وتطور المرض بشكل سريع.
ليست حالة منور هي الوحيدة، فحالها كحال الآلاف من مرضى السرطان المتواجدين شمالي غربي سوريا، والعائدين من تركيا بسبب توقف المستشفيات التركية عن العمل، وخروجها عن الخدمة في المناطق المتضررة من الزلزال.
وجميع هؤلاء المرضى وذووهم يبحثون عن بارقة أمل تنقذهم قبل أن يفوت الأوان.
حملة "أنقذوهم"
أمام هذا الواقع الصعب، وجد بعض المعنيين والمهتمين أنفسهم أمام مسؤولية كبيرة في تأمين حلول دائمة، تقلل الخطر وتساعد في علاج أعداد كبيرة من المرضى في الداخل السوري دون الحاجة إلى سفرهم إلى تركيا، فجاءت فكرة حملة "أنقذوهم".
أطلقت مؤسسات طبية، من بينها مديرية صحة إدلب ومكتب التنسيق الطبي في معبر باب الهوى، وأطباء وعاملون في الحقل الصحي وإعلاميون حملة لمساعدة مرضى السرطان وتأمين علاجهم في شمالي غربي سوريا، تحت شعار "أنقذوهم".

تحدث الإعلامي محمد الفيصل، وهو أحد المنسقين في الحملة لـ"روزنة"، عن الأهداف والآلية قائلاً: "إن الهدف من الحملة هو تجهيز مركز متكامل لعلاج أمراض السرطان، بما في ذلك العلاج بالأشعة، وذلك نتيجة ارتفاع سعر الجهاز الذي يقارب 1،5 مليون دولار، إضافة إلى ارتفاع أسعار الجرعات التي يتلقاها المرضى".
وأضاف الفيصل أن الحملة تتضمن منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، مع بروشورات ومعلومات حول حالات وأعداد مرضى السرطان في شمالي غربي سوريا، مرفقة برابط خاص للتبرع من قبل الراغبين، والذي من خلاله سيتم تجهيز المركز المذكور.
يقول مدير مكتب التنسيق الطبي في معبر باب الهوى بشير إسماعيل، وهو أحد القائمين على الحملة، لـ"روزنة": "تهدف حملة أنقذوهم إلى جمع تبرعات لصالح مركز الأورام في إدلب لشراء الجرعات الضرورية، والتي لا تتوفر بشكل مجاني بالإضافة إلى محاولة جمع مبالغ مالية كبيرة لشراء جهاز العلاج الشعاعي الضروري للمرضى".
وأضاف إسماعيل أن الحملة تهدف أيضاً إلى تأمين دعم إقليمي أو عربي أو دولي أو منظمات إقليمية أو محلية لإنشاء مركز متكامل لعلاج مرضى السرطان، بهدف إنهاء معاناتهم نتيجة إغلاق المعابر أو عدم القبول.

وشدد على أنه من الضروري جداً، في الوقت الراهن، دخول بعض المرضى من أصحاب الحالات الخطيرة إلى الداخل التركي لتلقي العلاج، لأن عامل الزمن هو ضروري جداً في عملية العلاج والتعافي.
إحصائيات وأرقام
بحسب الإعلامي محمد الفيصل وهو أحد القائمين على الحملة، فإن عدد مرضى السرطان الذين توقف علاجهم وتضرروا بسبب الزلزال بلغ 1785 حالة، إضافة إلى أن عدد الذين عادوا من تركيا بسبب توقف العلاج، وباتوا بدون أية فرصة علاجية 450 حالة.
قد يهمّك: مريضات السرطان السوريات.. رحلة علاج مرهقة عبر الحدود

وأشار الفيصل إلى أن نسبة المرضى الذين يتم توفير علاج مجاني لهم داخل منطقة شمالي غربي سوريا 40 في المئة من الحالات المكتشفة، تقريباً. بينما بلغت نسبة من يتوقف علاجهم على توفير الجرعات غير المجانيّة 35 بالمئة من إجمالي الحالات المكتشفة، وهؤلاء كانوا يحولون إلى تركيا قبل وقوع الزلزال.
وأوضح أن نسبة من لا يتوافر أي علاج لهم شمالي غربي سوريا، سواء كان مجانياً أو مدفوعاً يبلغ 25 في المئة من الحالات، مؤكداً أن علاج هؤلاء يعتمد على أجهزة غير متوافرة مطلقاً إلا في تركيا.
وبحسب الإحصائية التي زودنا بها الفيصل فإن مرضى السرطان في المنطقة يتوزعون على 241 حالة سرطان ثدي، و238 سرطان دم، و136 سرطان دماغ، و130 حالة سرطان رئة، و90 لمفوما (سرطان الغدد اللمفاوية)، و85 حالة سرطان مثانة، إضافة إلى 865 سرطانات متنوعة، بينهم 50 طفلاً مصاباً بسرطان الدم.
يذكر أن منظمة الصحة العالمية اعتبرت مرض السرطان بأنه "سبب رئيس للوفاة في جميع أنحاء العالم"، مؤكدة أنه تسبب بوفاة 10 ملايين شخص تقريباً في عام 2020، أو ما يعادل وفاة واحدة تقريباً من كل 6 وفيات.
الكلمات المفتاحية