ما تزال روسيا ماضية في سعيها إلى تثبيت موقعها الاستراتيجي في سوريا، عبر خطوات واضحة ترفع من خلالها مستوى نفوذها على الأرض السورية. ولعل الخطوة المعلن عنها مؤخرا والتي قضت بمنح حكومة النظام السوري قطعة أرض ومساحة بحرية لروسيا لن تكون الأخيرة، وذلك في ظل الخطوات الشبيهة التي حرصت موسكو على تحصيلها خلال الفترة الماضية.
الوثيقة التي أعلنت أن سوريا وافقت على نقل قطعة أرض ومساحة مائية في محافظة اللاذقية إلى روسيا من أجل إنشاء مركز طبي للصحة والتأهيل لفرق الطيران الروسي، تبلغ مساحة الموقع البري فيها 8 هكتارات، وتتحمل روسيا كلفة بناء البنية التحتية وتجهيزها، تأتي بعد توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نهاية شهر أيار الماضي على مرسوم يفوض من خلاله وزارتي الدفاع والخارجية الروسيتين، بإجراء مفاوضات مع النظام بهدف تسليم مناطق ومنشآت بحرية إضافية في سوريا للعسكريين الروس.
وقد أشار توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على البروتوكول رقم 1 المُلحق باتفاقية قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية السورية، منذ شهر أيار، بأن موسكو تريد زيادة ممتلكات نفوذها في الساحل السوري تحضيراً لمستجدات المرحلة المقبلة.
و تُبدي روسيا حاجتها في نقل مساحات برية وبحرية إضافية لقواعدها الجوية (حميميم) والبحرية (طرطوس) في سوريا، بذريعة الحاجة لضمان أمن أعلى بدرجة شبه كاملة لتلك القواعد. هنا يتوجب الإشارة إلى وجود موافقة أميركية ضمنية على أي تحرك روسي حالي ومقبل، فقد كان المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، أكد موافقة واشنطن عن الوجود الروسي مبدياً رغبة واشنطن بالانسحاب من سوريا وكذلك خروج القوات الأجنبية، مقابل استثناء القوات الروسية من هذا الأمر.
اقرأ أيضاً: هل تربح روسيا حرب الموانئ والمعابر السورية؟
مرسوم بوتين يوعز بأنه عند التوصل إلى اتفاق تقوم وزارة الدفاع والخارجية على التوقيع على البروتوكول المذكور نيابة عن روسيا، وتفويضها بإجراء تعديلات على مشروعها الذي وافقت عليه الحكومة الروسية، طالما أنها ليست أساسية في طبيعتها.
ولا يُعتبر البروتوكول الناتج عن المرسوم المستند على الاتفاقية الروسية الموقعة مع النظام السوري في الـ26 من آب عام 2016، تطوراً مفاجئاً في شكل الهيمنة الروسية على الأراضي السورية، حيث نصت تلك الاتفاقية على منح الصلاحية الكاملة للجانب الروسي في السيطرة بالشكل الذي ترتأيه موسكو دون قدرة لدمشق على تحديد شكل وحجم تلك السيطرة.
قرارات أممية ومخالفات دستورية
المستشار القانوني، المحامي علي رشيد الحسن، قال خلال حديث خاص لـ "روزنة" حول قانونية نقل الأراضي السورية إلى روسيا، بأن هذه الاتفاقيات والتنازلات التي يوقع عليها النظام وما سبقها من اتفاقيات هي باطلة حكمًا لفقدانها شرطًا أساسيًا من شروط الصحّة وهو شرط "أهليّة التعاقد"، وذلك عملًا بمعاهدة فيينا؛ والتي تتطلب أن تكون الدولة الموقعة متمتعة بتمام الأهليّة الدوليّة، أي أن تكون الدولة تامّة السيادة على أراضيها كي تستطيع إبرام تلك الاتفاقيات أيًّا كان موضوعها.
وتابع "حيث إنّ الأسد فاقد للشرعيّة ولأهليّة التعاقد باسم الدولة السورية وكذلك هي حكومته الحالية، فهناك أكثر من 40 بالمئة من مساحة سوريا خارج نطاق سيطرتها، ولا يمكن التذرع بعضوية النظام السوري في الأمم المتحدة كونه فقد شرعيته بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011، حيث عادت الشرعيّة للشعب السوري عقب مطالبته بحق تقرير المصير".
وأضاف أن "هذا ما أيدته قرارات الأمم المتحدة في بيان جنيف لعام 2012 والذي دعا صراحةً إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي في سوريا حيث نزعت الشرعيّة ضمنياً عن الأسد وعن حكومته، وهذا ما أيده وأكد عليه قرار الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة 262/ 67 الفقرة 28 في دورتها السابعة والستين، والتي أكدت فيه على أن العملية الانتقاليّة وفق جدول زمني محدّد يؤدي إلى تحوّل كامل للسلطات التنفيذيّة وجميع مهام الرئاسة والحكومة بما فيها المهام المتعلقة بالمسائل العسكريّة والأمنيّة و الاستخباراتيّة إلى الهيئة الحاكمة الانتقاليّة".
قد يهمك: نِزال سياسي بين واشنطن وموسكو في استقطاب المعارضة السورية
كما أشار الحسن إلى مخالفة الوثيقة الموقعة للدستور السوري، حيث لفت إلى أنها تخالف المادة الأولى للدستور السوري والتي تنص على أن الجمهورية العربية السورية دولة ديمقراطية ذات سيادة تامة غير قابلة للتجزئة ولا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها، كما نصت المادة الرابعة عشر على أن الثروات الطبيعية و المنشأت والمؤسسات والمرافق العامة هي ملكية عامة. فضلًا عن كون الوثيقة أُبرمت بالإكراه مع دولة تسيطر على سوريا بقوات عسكريّة ضخمة، وفق تعبيره.
وختم بالقول "على السلطة القادمة الجديدة المنتخبة بعد إزاحة الأسد الحق في إعادة النظر في كل الاتفاقيات التي وقعها النظام السوري المجرم منذ عام 2011، وهي الجهة الوحيدة القادرة على فسخها والتنصل منها عبر محكمة العدل الدولية".
هذا و قد تم توقيع الوثيقة التي منحت روسيا أراض جديدة بسوريا، في 21 حزيران في دمشق، بينما تم توقيعها في موسكو في 30 تموز الماضيين.
بينما كانت وقعت دمشق مع موسكو في آب عام 2015 اتفاقاً يمنح القوات العسكرية الروسية الحق باستخدام قاعدة حميميم دون مقابل ولأجل غير مسمى، وبعد عام أعلنت روسيا عزمها توسيع القاعدة العسكرية. وفي أواخر شهر نيسان عام 2019 اعترف النظام السوري بشكل رسمي بمنح ميناء طرطوس لروسيا لمدة 49 عاماَ، وقال وزير النقل علي حمود، بأن الاتفاقية هي عقد إدارة واستثمار وليس تأجير، في إطار الشراكات الاستراتيجية مع الدول الصديقة.
الكلمات المفتاحية