تشي المساعي الأميركية في مواجهتها "الإعلامية والدبلوماسية" للتحركات الروسية المتعلقة بالتواصل مع شخصيات مُعارضة، واحتمالية الإعداد لما يمكن تسميته بالمرحلة الانتقالية في سوريا، بأن فترة المناوشات بين الطرفين للوصول إلى طاولة حوار مشتركة حول الملف السوري ما تزال في مستوياتها الأولى.
تقول مصادر معارضة لـ "روزنة" أن تحركات واشنطن الأخيرة سواء بلقاء الخارجية الأميركية مع رياض حجاب، (الرئيس السابق لهيئة التفاوض المعارضة)، أو سعيها لإبقاء قواتها لأجل غير محدد في الشمال الشرقي من سوريا بذريعة استثمار حقول النفط وحمايتها، هو يندرج ضمن الحملة الانتخابية للإدارة الأميركية بحيث تحدد ملامح نقاط عملها الرئيسية في الفترة المقبلة فيما إذا استطاع دونالد ترامب (الرئيس الأميركي) النجاح في التجديد لولاية رئاسية ثانية.
كما توضح المصادر بأن زيارة حجاب إلى الولايات المتحدة لا تأتي ضمن أي سياق سياسي، إنما كان وصولها إليها ضمن رحلة علاجية، فرأت واشنطن أنه الوقت المناسب لهذا اللقاء من أجل الرد على موسكو التي ناورت خصمها الأميركي مؤخراً عبر لقاءات مع شخصيات سياسية معارضة كان من بينها مع السياسي ورجل الدين الدمشقي معاذ الخطيب (الرئيس السابق للائتلاف في المعارض)، والمقيم حاليا بقطر.
وكان التقى حجاب، المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جويل رايبورن، في واشنطن، وبحثا التطورات المتعلقة بالشأن السوري.
ونشرت السفارة الأميركية على حسابها في "تويتر"، صورة تجمع حجاب و رايبورن، مشيرة إلى أنهما بحثا الأوضاع السورية والعملية السياسية وتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 والبند الخاص بوقف إطلاق النار وتشكيل هيئة حكم انتقالي برعاية الأمم المتحدة، وشهد الاجتماع بحسب المصدر الأميركي نقاشات حول قانون "قيصر" والعقوبات التي تطال النظام السوري والمتعاملين معه، لإنهاء معاناة الشعب السوري.
عالم الرياضيات السوري جمال أبو الورد (المقيم حالياً في تركيا)، كان قد نشر يوم أمس عبر صفحته على "فيسبوك" تأكيداً لتولي حجاب المرحلة الانتقالية مقابل ترشحه هو لرئاسة سوريا، معتبراً أن ذلك سيكون الطرح الدولي القادم، دون أن يسمي دواعي هذا التوجه في مثل هذا الوقت في ظل استعصاء سياسي بين القوى الفاعلة في الشأن السوري، واستمرار التصعيد العسكري بالتوازي مع ضبابية المشهد في سوريا بخاصة بعد توقيع الإدارة الذاتية الكردية لأول عقود استثمار حقول النفط السوري ليضمن ذلك بقاء القوات الأميركية دون وجود أي نية جدية لإرساء دعائم الاستقرار والتأسيس لحل سياسي مستدام في سوريا يضمن وحدة الأراضي السورية.
الكاتب والمحلل السياسي، حسام نجار، قال أن التأكيد الذي أعلنه أبو الورد حول رغبة الأمريكان بالاعتماد على حجاب كرئيس للوزراء وعليه هو نفسه ( أبو الورد) كرئيس للجمهورية، ينبثق من موافقة تركيّة على التوجه الأميركي، ما يعني أن تركيا موافقة على حجاب و ذلك بعد زيارات قام بها الأخير إلى تركيا؛ التقى من خلالها المسؤولين الأتراك، وفق تعبير نجار.
وأضاف خلال حديثه لـ "روزنة" بأن هذه التطورات تصل إلى نتيجة مفادها بأن "التحركات الأميركية تكتسب صفة أقوى من الروسية نتيجة دعم جهات عدة لأدواتها السورية، (ذلك) يقودنا للقول أن الحل بيد الأمريكان إن رغبوا بذلك".
وتابع بالقول "الجميع وبالأخص السوريون ينظرون لما يتم على الساحة الدولية من لقاءات مع أقطاب من المعارضة السورية أنها لعب على الوقت؛ و لا توجد رغبة تامة بإنهاء المأساة السورية، فرغم لقاء الروس بمعاذ الخطيب، و استقبال الخارجية الأميركية لرياض حجاب فإن هذه اللقاءات هي مجرد تحديد أدوات كل طرف للحل".
وأشار إلى أن "الأمريكان ومن خلال معلومات لدي مؤكدة قبل لقاء حجاب بفترة قالوا بالحرف الواحد أن الإئتلاف يعتبر مؤسسة لا يمكننا التفريط بها، و على السوريين ترتيب البيت الداخلي وهذا يعكس حقيقة الفكر الأمريكي الذي كرسوه وثبتوه من خلال الزيارة".
استقطاب روسي-أميركي للمعارضة
المحلل السياسي السوري أشار في سياق مواز إلى أن الأمريكان والروس على طرفي نقيض في محاولة منهم استقطاب أعضاء من المعارضة التي تملك ثقل معين، وبالتالي هو هدف أي دولة متدخلة بالشأن السوري، و تعمل من خلال التحكم بهؤلاء على فرض أجندتها، بحسب تقديره.
وزاد بالقول "نلاحظ أن الاستقبال الرسمي لحجاب تم الإعلان عنه بعكس الروس مع الخطيب، وهذا يعطي صورة واضحة للجميع أننا نعمل تحت الشمس ولا مجال للتصرف دون رغبتنا وضد إرادتنا، بينما الروس أعلنوا عن نتائج الزيارة".
و رأى أن استخدام المعارضة السورية عبارة عن ورقة مساومة أو "رسائل بريد بين الدولتين"، وكلتاهما تعتبر نفسها القادرة على سحب المعارضة السورية لطرفها.
فيما نظر الباحث السياسي السوري عبد الرحمن عبارة إلى أن المساعي الروسية في اللقاء مع بعض شخصيات المعارضة، كانت تُدرج ضمن سياق إعادة إنتاج النظام السوري وفق صيغة جديدة، تحفظ لموسكو هيمنتها لعقود طويلة على القرار السياسي والعسكري والاقتصادي السوري، ويبدو ذلك أنه بخلاف الرؤية الأميركية التي تدور حول محور رئيسي ينطلق من رسم سياسة التعامل مع الملف السوري خلال الفترة المقبلة.
بينما لفت إلى أن إنهاء الحرب هو أبرز ما يهم روسيا على المدى القصير، وكذلك إعادة شرعية النظام السوري الكاملة ضمن المحافل الإقليمية والدولية، وبسط النظام سيطرته على كامل الأراضي السورية، ودفع الدول الخليجية والغربية لتمويل عملية إعادة الإعمار في سوريا.
وأما التواصل مع شخصيات من المعارضة السورية فإن موسكو تريد من خلاله إعطاء الشرعية لكل ما سبق، بحسب رأيه.
وكانت الدبلوماسية الروسية قامت خلال الآونة الأخيرة، بلقاءات عديدة مع شخصيات سياسية سورية معارضة، أثير حولها الكثير من التساؤلات بشأن مدلولات اللقاءات الروسية وحقيقة مساعي موسكو من وراء هذه التحركات، وفيما إذا كانت تنبني عليها ملامح المرحلة المقبلة التي قد تتيح للروس تنفيذ رؤيتهم ومصالحهم في سوريا.
ولا يبدو أن موسكو تعمل ضمن أفق واضح إذا ما تم النظر إلى اعتمادها فقط على تنسيق لقاءات متفرقة مع بعض الشخصيات السياسية المعارضة، غير أن مصادر أفادت لـ "روزنة" بأن مؤتمراً روسياً على غرار مؤتمر "سوتشي" الذي عقد مطلع العام 2018، تُحضر له موسكو خلال الفترة المقبلة قد تكون أبرز أهدافه إظهار قدرة روسيا على ضم شخصيات سياسية معارضة جديدة تتبنى رؤيتها ضمن عنوان عريض متمثل بشكل "المرحلة الانتقالية" والترتيبات اللازمة لها المتوافقة مع الاستراتيجية الروسية بالتزامن مع تحريك سلة الدستور.
الكلمات المفتاحية