لا يبدو أن التقارير التي تعزز مقولة أن واشنطن تريد فرض حل سياسي واضح المعالم في سوريا خلال الفترة القريبة المقبلة أمراً قابلاً للتحقيق.
رغم التحركات الأخيرة التي أعلنت عنها وزارة الخارجية الأميركية بلقاء رياض حجاب كشخص يقود المرحلة الانتقالية، إلا أن ذلك قد لا يؤكد وضوح الدور الأميركي في سوريا، بخاصة وأن جائحة كورونا تؤرق إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كإحدى المشكلات الداخلية، فضلا عن أن سماح واشنطن لسلطة الأمر الواقع في شمال شرق سوريا من توقيع عقد لاستثمار النفط مع شركة أميركية يشي بالكثير حول ابتعاد تطبيق الحل السياسي في سوريا برؤية أميركية؛ حتى ولو بعد الفترة التي ستلي الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة في شهر تشرين الثاني.
مصادر معارضة لـ "روزنة" كانت أشارت إلى أن تحركات واشنطن الأخيرة سواء بلقاء الخارجية الأميركية مع رياض حجاب، (الرئيس السابق لهيئة التفاوض المعارضة)، أو سعيها لإبقاء قواتها لأجل غير محدد في الشمال الشرقي من سوريا بذريعة استثمار حقول النفط وحمايتها، يندرج ضمن الحملة الانتخابية للإدارة الأميركية بحيث تحدد ملامح نقاط عملها الرئيسية في الفترة المقبلة فيما إذا استطاع دونالد ترامب (الرئيس الأميركي) النجاح في التجديد لولاية رئاسية ثانية.
التصريحات الأميركية الأخيرة حول شكل النظام السوري القادم في سوريا، ولو أنها تمحورت حول تغيير شامل له أو الاكتفاء بتغيير سلوكه لا تعني بحال من الأحوال أن تدخل واشنطن في هذا الملف سيكون ذو فائدة على المدى القريب، بخاصة وأنها وضعت هدف أبرز لها إزاء استراتيجيتها "المتأرجحة" في سوريا متمثلاً بإنهاء النفوذ الإيراني هناك.
قد يهمك: بوتين رئيساً إلى الأبد… هل يُغيّر استراتيجيته في سوريا؟
لذا فإن ما نشره موقع "غلوبال سكيورتي ريفيو" الأميركي، بأن فكرة استبدال النظام السوري هي فكرة مطروحة في أروقة السياسة الأميركية منذ عهد الرئيس السابق باراك أوباما، لا يؤكد على مسعى الأميركان في قوة الحضور إزاء هذا الملف أو تركيز الحضور على مصير شخص أو حتى نظام فقط؛ دون النظر إلى أهمية الأوراق والملفات المتشابكة بهذا النظام وكيفية الاستفادة منها في خدمة السياسة الخارجية لواشنطن.
تقرير الموقع الأميركي قال إن عدم رحيل رأس النظام السوري سببه أن الإدارة الأميركية بحثت عن بديل مناسب ليتسلم زمام الحكم في سوريا، إلا أنها لم تنجح بالعثور عليه، غير أن التقرير ادعى بأن رحيل الأسد عن السلطة "محتمل" في المدى القريب، دون تفنيد مسببات الاحتمالية القريبة.
وأردف التقرير بأن السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة في الشأن السوري، بخاصة في "السنين الأولى للثورة السورية، في عهد أوباما كانت تحاول الإبقاء على بشار الأسد… وفي الوقت ذاته سعت لمنع سيطرته على كامل الأراضي السورية".
وأشار تقرير الموقع إلى أن مصلحة الولايات المتحدة ومن خلفها إسرائيل في سوريا تتمثّل بالحفاظ على نظام ضعيف يحكم البلاد. زاعماً أن تأثير واشنطن كان وسيظل هو التأثير الأكبر على الشأن السوري، ومنطقة الشرق الأوسط عموماً في المستقبل القريب.
لماذا أرادت واشنطن إطالة الأزمة؟
الباحث السياسي السوري، صدام الجاسر، قال خلال حديث لـ "روزنة" اليوم الثلاثاء، أن الولايات المتحدة ومنذ إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، قد عملت عملت على إطالة الأزمة في سوريا بدلاً من الدفع باتجاه إنهائها.
وفسر الجاسر أسباب ذلك التوجه الأميركي بالقول أن "واشنطن (أرادت جعل الأزمة السورية) ورقة ضغط في المفاوضات مع إيران على الاتفاق النووي الإيراني، وقد ظهر ذلك واضحا من خلال الخط الأحمر الذي وضعه أوباما للنظام السوري؛ عندما اعتبر أن استعمال السلاح الكيماوي أمر غير مقبول، ولكن النظام السوري انتهك هذا الخط؛ وكانت فرصة للإدارة الأميركية اغتنمتها في مفاوضات الملف النووي مع إيران، و تخلت وقتها عن أي رد فعل على النظام، مقابل إنجاز الاتفاق النووي؛ وتسليم سوريا للإيرانيين".
قد يهمك: لماذا طالت عقوبات "قيصر" أسماء الأسد وغاب عنها مخلوف؟
وأشار في سياق مواز إلى ما فعلته الإدارة الأميركية الحالية فيما يتعلق برغبتها في عقد اتفاق نووي جديد مع إيران قبيل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، حيث أشار إلى استقالة المبعوث الأميركي للملف الإيراني براين هولبروك، وتعيين اليوت ابرامز بدلاً عنه، وهو من المقربين من حزب "الليكود" الاسرائيلي و أحد الأشخاص الذين عملوا في صفقة "الكونترا-غيت" والصفقات السرية مع إيران، وهو ما يعطي انطباعاً وفق الجاسر بأن الإدارة الأميركية الحالية ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية قد ترغب في إبرام اتفاق نووي جديد؛ لكن هذه المرة بشروطها وليس بشروط إيران كما حصل في السابق.
وأعلن وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، الخميس الفائت، استقالة براين هوك، على أن يقوم إليوت أبرامز، وهو الممثل الأميركي إلى فنزويلا وأحد صقور إدارة الرئيس دونالد ترامب، بمهماته.
جاء ذلك في وقت يعدّ مجلس الأمن الدولي لتصويت يجرى الأسبوع الحالي على محاولة أميركية لتمديد حظر الأسلحة الدولي المفروض على إيران. ويقول دبلوماسيون إن مشروع القرار يفتقر إلى الدعم الكافي، وسط معارضة روسيا والصين له.
رسائل أميركية!
الباحث السياسي السوري، رأى بأن ما أورده تقرير الموقع الأميركي "غلوبال سكيورتي ريفيو" يحمل رسالة ضغط باتجاه إيران وروسيا، بأن واشنطن وجدت البديل، خصوصا مع "انتشار أخبار الاجتماعات مع رياض حجاب وعدد من المسؤولين الأمريكيين، ولكنها في الحقيقة تبقى مجرد تصريحات للاستهلاك السياسي، والضغط نحو اتفاق جديد يكون في مصلحة الأمريكان بالدرجة الأولى".
وأكمل قائلاً "الادارتين الأمريكيتان السابقة والحالية تعتبران سوريا ورقة مفاوضات؛ وثقب أسود، يتم من خلاله توريط روسيا وإيران في المستنقع السوري، و ليس لدى الإدارة الأميركية إلى الآن أي خطة للحل في سوريا، بل لاتزال تدير الأزمة وتضبط ايقاعها بما يضمن استمرار الإمساك بخيوط الحل".
ورأى الجاسر أن الحل في سوريا ليس فقط بإيجاد بديل لبشار الأسد، فالفوضى في سوريا أصبحت بحسب وصفه "فوضى مُركّبة" لا يمكن أن تنتهي إلا من خلال اتفاق روسي أميركي تركي بسبب تداخل مناطق نفوذ هذه الدول ووجود جيوشها في سوريا.
قد يهمك: روسيا تدعو لتشكيل حلف عربي يدعم دمشق!
وتابع "أما بشار الأسد فهو عبارة عن وكيل لروسيا و لإيران ولم يعد الاستقرار مرتبط بوجوده، أو بعدم وجوده، الاستقرار في سوريا يحتاج إلى مؤتمر يجمع الدول الفاعلة والمسيطرة في سوريا؛ واتفاق على تقاسم المصالح والنفوذ وتقديم التنازلات فيما بينها، و كذلك العمل على عودة المهجرين و إعادة إعمار المناطق المدمرة والعمل على إعادة السلم الأهلي في سوريا".
في حين كان الكاتب السوري، غسان المفلح، اعتبر خلال حديث لـ "روزنة" بأن استمرار عهد الأسد "بتوليفة جديدة" أمر لم يعد أحد يستطيع تسويقه بعد قانون "قيصر" الأميركي (الذي تم إقراره منتصف الشهر الفائت)، وأكمل بالقول "أما توليفة بدون الأسد فالروس غير قادرين عليها إلا بموافقة إسرائيلية... هذا أيضا يدركه أطراف أستانا والأسد نفسه، لهذا الروس يحاولون تقوية أوراقهم في هذا الحراك فقط، وبدون أفق واضح".
واعتبر أن عقوبات "قيصر" أدخلت سوريا بمرحلة "تزمين ترامبية بدلا من التزمين والتعفن التي أدخلها فيها أوباما (الرئيس الأميركي الأسبق)، وكانت روسيا وإيران وحزب الله أركان أساسية فيها، وهذا ما ترفضه الرؤية الترامبية نسبيا... يجب معرفة الفارق بين الرؤيتين كي نحدد المساحة التي تتحرك فيها روسيا... صدام بقي تحت العقوبات والضغط العسكري 13 عاما... أخيرا لا مؤشرات نوعية ما عدا قيصر قبل الانتخابات الأميركية، لأنه من وجهة نظري إذا أتى الديمقراطيون سيفرغون قيصر حتى من مضمونه الترامبي".
بينما رأت المحللة والباحثة السياسية، روان رجولة خلال حديث سابق لـ "روزنة" بأن الملف السوري ليس من أولويات الحكومة الأميركية، مبينة بأن واشنطن معنية فقط بتأمين مصالحها ومصالح حلفائها بمواجهة النفوذ الإيراني، و الذي لا يعني بالضرورة التدخل العسكري أو شن حرب مباشرة، وفق تعبيرها، وإنما يمكن أن تتواجد أدوات أخرى للضغط تلجأ إليها واشنطن.
الكلمات المفتاحية