بعد قرابة العام من افتتاح معبر البوكمال-القائم على الحدود السورية العراقية، بات المعبر اليوم يمثل الرئة المتبقية التي يتنفس منها النظام السوري لتزويده بالمواد الأساسية وغيرها الكثير مثل الأسلحة والنفط، ساعياً في ذلك إلى تجاوز عقوبات "قانون قيصر"، وكذلك تلافي الآثار السلبية المتوقع أن تصيب الاقتصاد السوري بعد انفجار مرفأ بيروت يوم الثلاثاء الفائت، بعد أن كان المرفأ الذي يسيطر على جزء كبير منه "حزب الله" (ذراع إيران في لبنان) يمثل متنفساً حقيقياً للنظام السوري.
وفي ظل انتشار عناصر النفوذ الإيراني على امتداد المناطق الحدودية بين سوريا والعراق، فقد كان من المتوقع منذ بداية افتتاحه أن يكون المعبر بوابة برية مهمة للنفوذ الإيراني في سوريا، غير أن أهميته على ما يبدو ستزداد بالتزامن حادث انفجار مرفأ بيروت، وتزايد حزم عقوبات "قيصر" في ظل مساعي حثيثة للنفوذ الإيراني بتحدي تلك العقوبات، من خلال تمرير المواد النفطية وما يلزم النظام السوري؛ بعد تشديد الخناق عليه بشكل متزايد في الآونة الأخيرة.
وفي محاولة من حزب "الحل" العراقي، لتحجيم نفوذ سيطرة النفوذ الإيراني على الحدود العراقية السورية، طلب الحزب من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، إنهاء وجود تلك العناصر المدعومة من إيران، و التي حوّلت "معبر القائم" إلى معبر رئيسي لعمليات تهريب النفط والسلاح والمخدرات إلى سوريا.
وذلك في إشارة تدل على ازدياد اعتماد النفوذ الإيراني في محاولة "بائسة" منه؛ لدعم النظام السوري المنهك على مختلف الأصعدة، بفعل سياساته التي أضرت وأساءت لسوريا وشعبها.
قد يهمك: انفجار بيروت… ما تأثيراته السياسية والاقتصادية على سوريا؟
الباحث السياسي العراقي، نظير الكندوري، أكد خلال حديث لـ "روزنة" أن المعبر من البوابات المهمة التي تدعم اقتصاد النظام السوري؛ مع فائدة لا تكاد تذكر للعراق. وأضاف متابعاً "النظام السوري لا يتعامل من خلال هذا المعبر مع الحكومة العراقية، إنما يتعامل مع ميليشيات تُسيطر عليه و موالية لإيران، بالمقابل فإن إيران والمليشيات الموالية لها المتواجدة في سوريا ولبنان، تستفيد من هذا المعبر في أعمالها اللوجستية المتعلقة بالجانب العسكري والاقتصادي".
وأضاف بالقول أن "العراق لا يستفاد كثيرًا من هذا المعبر في تجارته الخارجية، على اعتبار أن سوريا حاليا لا تمتلك ما تصدره للعراق بسبب دمار بنيتها التحتية الصناعية، إلا أن المليشيات تستفيد من المعبر في إعادة تصدير السلع والمواد القادمة من جهات أخرى عبر سوريا في عمليات غسيل الأموال وتمويل المليشيات العراقية".
ورأى أن النظام السوري لا يجد طريقة أفضل من هذه العمليات لدعم اقتصاده المتهالك؛ حتى لو كانت تشمل عمليات غسيل الأموال وتجارة المخدرات التي يبرع فيها "حزب الله" بفرعيه اللبناني والعراقي، وفق قوله.
واستغرب الكندوري صمت القوات الأميركية التي كانت تضع خطا أحمرا أمام سيطرة عناصر النفوذ الإيراني على المعابر الحدودية العراقية-السورية، والخط الإيراني الممتد من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا، معتبراً أن القوات الأميركية تغض الطرف عن هذه النشاطات الأخيرة للنفوذ الإيراني عبر تلك المعابر الحدودية.
وختم القول مرجحاً أن تكون "الحكومة العراقية نفسها استغلت الفاجعة التي ألمت بلبنان جراء الانفجار الذي حدث في مرفئها، لتبدأ استغلالها لهذا الخط وتنشيطه بحجة وقوفها لجانب لبنان في محنته الأخيرة، فقد أطلقت قافلة محملة بالنفط الخام إلى لبنان عبر سوريا، لدعم حزب الله المسيطر عمليا على الدولة اللبنانية، وبالتأكيد سوف يتم دفع أموال الترانزيت للنظام السوري لتلك الشحنات النفطية المجانية إلى لبنان".
قد يهمك: تسييس الملف الإنساني بسوريا… رسائل روسيّة إلى واشنطن وأنقرة
حزب "الحل" العراقي ذكر في بيان له يوم أمس، بأن "استمرار هيمنة الميليشيات المسلحة على قضاء القائم وسيطرتها على المنفذ الحدودي، حول القضاء إلى معبر رئيسي لعمليات تهريب النفط والسلاح والمخدرات بعيداً عن أنظار الدولة (العراقية) وقواتها الأمنية، وهو ما يهدد أمن المواطنين فيها ويعرض الاقتصاد العراقي للتخريب المستمر".
وطالب البيان، رئيس الوزراء العراقي "بشمول منفذ القائم الحدودي إجراءاته العسكرية أسوة بباقي المنافذ".
ضربات إسرائيلية ونفوذ إيراني
هذا وتنتشر كتائب "حزب الله" العراقي في قضاء القائم والشريط الحدودي مع سوريا، وأفادت تقارير صحفية الشهر الماضي بأن مجموعة من مقاتلي الكتائب دخلت معبر القائم بالتزامن مع دخول شاحنات من سوريا إلى العراق كانت تحت حمايتهم.
ووفق تقارير فإن المعبر الذي يبعد 7 كيلومترات عن مدينة البوكمال السورية، يخلو من أي وجود لقوات النظام السوري، وسط انتشار لعناصر النفوذ الإيراني.
وتستغل إيران المعبر عبر كتائب "حزب الله" العراقي لإدخال السلاح والمواد اللوجستية والإغاثية من إيران إلى سوريا مروراً بالعراق.
ويأتي ازدياد الاعتماد على معبر "القائم" في الوقت الذي يزداد فيه عدد الضربات الإسرائيلية على مواقع للنفوذ الإيراني في الشرق السوري -وبالأخص في مدينة البوكمال على الحدود مع العراق- حيث أشار المحلل المختص بشؤون الشرق الأوسط، شاؤول مشنه، بحسب قناة "الحرة" الأميركية، إلى أن إيران تسعى لترسيخ وجودها في البوكمال وتحويلها إلى ما يشبه جسرا بريا لنشاطاتها في المنطقة، وبالتالي تستطيع التحرك وتسيير أنشطة نقل الأسلحة ما بين سوريا والعراق وحتى إيصالها إلى "حزب الله" اللبناني.
قد يهمك: نصيحة إسرائيلية لبشار الأسد بسبب النفوذ الإيراني… ما أهدافها؟
ولفت إلى أن الحدود السورية – العراقية، منطقة استراتيجية، لذا فإنه وبإيجاد إيران قاعدة لها هناك، فهذا يعني جعلها منطقة تحكم وتنقل خاصة لها ولوكلائها، أكانوا "الحشد الشعبي" العراقي، أم "حزب الله" اللبناني، أو وكلائها الآخرين في سوريا.
ويرى المحلل أن "إسرائيل" لن تسمح بجعل هذه المنطقة، حتى وهي بعيدة عنها، نقطة تمركز لطهران، خاصة وأن من الممكن عبرها نقل أسلحة متطورة إلى "حزب الله" اللبناني.
وأعادت بغداد مطلع تشرين الأول الماضي افتتاح معبر القائم البري مع دمشق بعد إغلاق دام لأكثر من 6 سنوات، وهو ثاني أكبر معابر العراق مع سوريا حجما ويستخدم حاليا لأغراض النقل التجاري والمسافرين، إلا أنه كان لا يعمل مؤخرا سوى بشكل محدود لا يتعدى 20 بالمائة عما كان عليه قبل إغلاقه عام 2013، غير أن رفع حجم النقل من خلاله سيزداد خلال الفترة المقبلة بشكل أكبر.
وتربط العراق وسوريا 3 معابر بمسميات مختلفة على الجانبين، وهي معبر ربيعة من جهة العراق، والذي يقابله اليعربية في سوريا، والوليد من جهة العراق، ويقابله التنف على الجانب السوري، والقائمة ومقابله البوكمال من في سوريا.
وقد أغلقت المعابر الثلاثة بعد أن بسط تنظيم "داعش" الإرهابي سيطرته عليها ما بين عام 2013 وعام 2014. حيث كان قبل إغلاقه يستقبل المسافرين القادمين والمغادرين بمركباتهم الخاصة أو بوسائط النقل العمومية، إضافة إلى الشاحنات القادمة والمغادرة من وإلى سوريا.
الكلمات المفتاحية