تحت ظلال أشجار النخيل في وسط شارع المتحف بمدينة الرقة، ينتشر الشبان هناك منتظرين أي عمل يؤمنون به قوت يومهم، فما أن تأتي مركبة أحد طالبي عمال المياومة؛ تتزاحم الأعداد الكبيرة حول المركبة؛ علهم يجدون رزقهم في ما يتزاحمون عليه، هذه المشاهد باتت تتكرر بشكل يومي في المدينة؛ ليس حتى في شارع المتحف فقط؛ و إنما في نقاط متعددة من المدينة.
وتتكاثف أعداد الباحثين عن العمل في مدينة الرقة رغم خطورة بعض الأعمال في المدينة؛ إلا أن غياب البديل؛ كان أقوى من أي مخاوف.
حيث ما تزال الكثير من الأبنية المهدمة تحمل في طياتها مفخخات تنظيم داعش؛ والتي تنفجر بين الحين والآخر، "صالح رمضان" شاب ثلاثيني التقاه مراسل راديو روزنة "عبد الله الخلف" في شارع المتحف ينتظر عملا يسد به رمق أطفاله الثلاث في بيتهم المدمر حسب وصفه، ويقول صالح :"من الصباح أنا هنا وانتظر إلى الآن لم أعمل اليوم، أيام كثيرة تمر علينا بلا عمل، فالعمل قليل جدا رغم احتياج المدينة للإعمار".
صالح كأغلب العمال هنا لا يكترث بالمخاطر في عملهم فهم بحاجة ماسة لهذا الأجر اليومي ولا يملكون البديل، و يضيف: "قبل عدة أيام كنت أعمل مع اثنين آخرين في أحد الأبنية لإزالة أنقاضها ليلا؛ وفجأة انفجر لغم في البناء المجاور حيث يعمل آخرون؛ ليفارق أحدهم الحياة؛ كما أصيب آخرون وتناثرت الشظايا إلى أن وصلت إلينا حتى، لكن ماذا نفعل ليس لدينا حل آخر".
جامعيين بانتظار من يشغلهم بأجور يومية!
"محمود العلي" لم يقبل التسجيل في بداية حديث مراسلنا معه؛ إلا أنه ومع الإصرار وعند سؤال تلقاه حول ما يدفعه للامتناع عن الحديث حول ظروف عمله، قال :" أنا كنت مدرس في المنصورة؛ لا أريد التسجيل لهذا السبب لا اريد لتلاميذي أن يعلموا بأني أبحث عن عمل بناء أو عتالة".
يضيف محمود " العمل ليس عيبا لكن المدرس يختلف عن غيره، لا أريد أن يحبط أحد طلابي عندما يجدني بلا عمل فيتوقف طموحه بالعلم، لست لوحدي هنا متعلم، أغلب هؤلاء الشباب هم أصحاب شهادات".
"مالك الشمطي" شاب آخر بلا عمل؛ لم يكمل تعليمه الجامعي بسبب الأحداث التي مرت على سوريا وسيطرة داعش على الرقة، يصف رحلته في البحث عن العمل بالصعبة كونه لا يتقن أي مهنة وهو كان طالبا، فيقول:" لم أجد فرصة عمل وأنا لا أستطيع العمل في مجالات صعبة كأعمال البناء وغيرها، الآن أسعى إلى تعلم مهنة تعينني على الحياة، والتعلم طبعا جيد ولكن نتائجه متأخرة ".
اقرأ أيضاً:إعادة دمج مقاتلي داعش بالمجتمع السوري… هل يشكل قنبلة موقوتة؟
وحول ضعف تأمين فرص العمل في مدينة الرقة، أفادت رئيسة مكتب التشغيل التابع لمجلس الرقة المدني، منار عبيد، خلال حديث لـ "راديو روزنة" أن عمل مكتبهم يهدف إلى الحد من البطالة في المدينة وإيجاد فرص عمل مناسبة للشباب والفتيات؛ في المؤسسات التابعة للإدارة الذاتية والمنظمات المحلية والدولية العاملة في محافظة الرقة؛ حسب تعبيرها.
وأضافت بالقول: "نحن عبارة عن وسيط بين المنظمات والجمعيات والمؤسسات التابعة للإدارة الذاتية من جهة؛ والشباب والفتيات المسجلين في مكتب التشغيل من الجهة المقابلة، المنظمات والمؤسسات يرسلون كتاب رسمي يتضمن وجود شواغر لديهم، ونحن نقوم بترشيح ثلاثة أضعاف العدد المطلوب من قبل تلك الهيئات، ونقوم بعدها بالإشراف على مسابقات التوظيف والتعيين للتأكد من الشفافية والنزاهة في ملء الشواغر".
كما لفتت عبيد إلى عدد المسجلين في مكتب التشغيل بلغ 12 ألف متقدم لطلب الوظائف، بينما أفادت بأنه وخلال عامين من بدء عمل مجلس الرقة المدني تمكنوا من توفير فرص عمل لنحو 3 آلاف شاب وشابة من محافظة الرقة.
يذكر أن قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري، تمكنت من تحرير مدينة الرقة من قبضة تنظيم داعش في تشرين الأول عام 2017، ومن ثم تأسس مجلس الرقة المدني لإدارة شؤون المدينة، ويسعى المجلس إلى تقديم الخدمات وتوفير فرص العمل لأهالي المدينة، بدعم من المنظمات الدولية.
نسوة الرقة كذلك بلا عمل..
في الجانب الآخر، كذلك فإنه لا تتوفر للنساء فرص عمل مناسبة، ما يدفعهن على الدوام للاتجاه صوب الصناعات اليدوية والتدرب على المهن المنتشرة محليا؛ كـ الحلاقة والخياطة والتطريز.
"مرح الجاسم" ذات الـ 25 عام، خريجة كلية الآداب في جامعة البعث " حمص "، تعمل الآن في الخياطة الآن؛ و رغم شهادتها الجامعية إلا و أنها منذ عودتها إلى الرقة بعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية وطرد تنظيم داعش، وهي تسعى للحصول على وظيفة تلائم اختصاصها الجامعي لكنها لم تفلح.
تقول مرح في حديثها لـ "روزنة": "أسعى لتعلم مهنة الخياطة في معمل افتتح بجهود خاصة لتعليم المهنة وتوفير فرص العمل، أنا بدأت هنا منذ فترة قصيرة وأعمل الآن على المكوى كمرحلة أولى ".
وتضيف متابعة حول بحثها المستمر عن العمل " لم أحصل على عمل مناسب رغم أنني طرقت أبواب جميع المنظمات التي تواجدت مؤخرا، و كذلك فإن التعليم في المدارس لم يعد ممكنا كون المناهج اختلفت؛ ورغم ذلك لم أستطع أن أجد لي مكانا فيها ".
منظمات المجتمع المدني لا تستطيع استيعاب العاطلين عن العمل!
مع تحرير محافظة الرقة من سيطرة مقاتلي داعش؛ انتشرت المنظمات المدنية وعملت ضمن خطط وصفت بالضيقة من البعض؛ خصوصا ممن تقدموا إليها بطلبات توظيف ولم يحصلوا عليها، إذ أنها أمنت فرص عمل محدودة جدا.
"جمعية أمل أفضل للطبقة" وعبر رئيس مجلس إدارتها المهندس رضوان العلي؛ أقرت أن المنظمات غير قادرة على إيجاد فرص عمل حقيقية و لاعداد كبيرة، يقول المهندس رضوان: " كمنظمات مجتمع مدني نحاول أن يؤمن كل مشروع أكثر فرص عمل ممكنة؛ وذلك بحسب المشاريع وطبيعتها؛ إلا أن مشاريعنا مؤقتة وغير دائمة".
ويضيف: "في جمعية أمل أفضل للطبقة؛ عملنا على إيجاد فرص عمل بشكل أكبر، مثلا في مشروع النظافة قمنا بتشغيل عدد 100 عامل في النظافة ومشروع الإنارة كان بحدود 32 فرصة، و أما ترميم المدارس فقد عمل بها 30 شخصا، إلا أن هذه الفرص مرحلية لفترة تصل في حد أقصى إلى 6 أشهر؛ لذلك فهي غير مساهمة في الحل الدائم".
ويختم المهندس رضوان العلي حديثه بالتأكيد على ضرورة إيجاد حلول من إدارة المنطقة: "الحل في تحريك السوق بإيجاد مشاريع صناعية ومشاريع زراعية حقيقة، هذه المشاريع ستوفر فرص أكبر وإمكانيات تشغيلية أكبر، حيث يمكنها استيعاب السكان والوافدين كذلك".
بينما يرى أحمد الهشلوم، رئيس مجلس إدارة منظمة "انماء "، أن فرص العمل متأثرة بالوضع الراهن في محافظة الرقة بشكل كبير:" الواقع بالنسبة لفرص العمل سيئة؛ فمثلا فرص العمل في المجال الزراعي قليلة جدا، كون المشاريع الزراعية والري متوقفة بسبب الدمار وإعادة التأهيل".
مؤكداً على أن "العمالة العادية متوفرة في المدينة بعكس الريف؛ إلا أن أصحاب الشهادات هم المتضررين وليس لهم فرص عمل حقيقية".
ويبلغ عدد المسجلين في مكتب التشغيل " 12 ألف "، وخلال عامين تقريباً من بدء عمل مجلس الرقة المدني تمكنا من توفير فرص عمل لنحو ثلاثة آلاف شاب وشابة من محافظة الرقة، لكن تغير البيانات المستمر للمتقدمين يعتبر تحديا كبيرا لنجاح العمل حسب رئيسة مكتب التشغيل التابع لمجلس الرقة المدني.
الكلمات المفتاحية