تقارير | 15 12 2023

بعد نفاذ آخر كمية من المازوت لديها، وعدم توفر المال الكافي لشرائه مرة أخرى من السوق السوداء، لم تجد أم عبود حلاً سوى تحطيم خزانة قديمة في البيت، وإشعال حطامها في المدفئة.
أم عبود (37 سنة) من الرقة، تقول لروزنة إنها قد تكون قادرة على تحمّل قسوة البرد، ولكن لا يقوى أطفالها الصغار على ذلك، موضحة: "تأخروا في توزيع المازوت علينا هذه السنة، ولا نعلم هل سنحصل على المازوت؟ وسعره مرتفع جداً على البسطات، وأنا امرأة أرملة لا أعمل ولا معيل لي".
تراجع الدعم
تقدم "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" دعماً بمادة مازوت التدفئة للأهالي كل عام، وتبلغ حصلة كل عائلة 300 لتر مازوت، مقابل 430 ليرة سورية للتر الواحد، وهو مبلغ رمزي مقارنة بسعره في السوق السوداء، حيث يبدأ من 4200 ليرة، ويصل إلى 7500 حسب جودته، وأيضاً يختلف السعر ما بين منطقة وأخرى لأسباب غير معروفة.
وكان الدعم يصل إلى 800 لتر لكل عائلة في السنوات الماضية في مناطق سيطرة "الإدارة"، قبل أن يتراجع إلى 440 قبل سنتين، حتى وصل إلى 300 لتر العام الماضي.
ويرى أبو محمد أحد سكان مدينة الرقة أن هذه الكمية لا تكفي. حيث يرى بأن العائلة تحتاج لـ 7 لتر يومياً على الأقل من مازوت التدفئة، أي أن الكمية لا تكفي سوى لشهر ونصف على الأكثر كما يقول.
وتابع في حديثه معنا: "ماذا عن باقي فصل الشتاء؟ كيف سيتدبر الناس أمورهم بهذه الكمية القليلة؟ ونحن نعرف الوضع الصعب للأهالي، نتمنى من الإدارة زيادة الحصة 100 أو 200 لتر أخرى على الأقل".
اقرأ أيضاً: بحرق الأحذية والبالة.. خيارات تدفئة في إدلب رغم مخاطرها الصحية
وعن جودة المازوت الذي يوزع، يشير أبو محمد بأنه الكثير من العائلات استلمت نوعية رديئة من مازوت التدفئة، وهذا الأمر شديد الخطورة وفق وجهة نظره.
وشرح: "المازوت في كثير من الأحيان تكون رائحته سيئة، ولونه أسود، ويتجمد ولا تستطيع تعبئته، لذلك يقوم بعض الأهالي بوضع المازوت في قدر، وتسخينه على موقد النار كي يذوب، وهذه العملية أدت لحدوث حرائق نتجت عنها إصابات ووفيات في السنوات الماضية".
آليات بيروقراطية
إجراءات توزيع المازوت على الأهالي أصبحت أكثر صعوبة هذه السنة، إذ يجب أن يكون لدى كل عائلة بطاقة أسرية صادرة عن "مكاتب التوثيق المدني" في "الإدارة الذاتية"، أو البطاقة الأسرية الصادرة عن حكومة النظام السوري.
وهذا شرط أساسي للحصول على بطاقة "المخصصات العائلة" من "مديريات المحروقات" في مناطق شمال شرق سوريا التي يتم تعبئة المازوت بموجبها، وحسب رأي وليد أحد سكان الرقة إن الإجراءات الجديدة صعّبت عليهم مهمة الحصول على المازوت.
ولفت: "في السنوات الماضية كنا نعطي دفتر العائلة والمبلغ المالي للكومين (المختار) وهو يقوم بالإجراءات ويأتينا المازوت للمنزل، أما هذه السنة فيجب أن تذهب بنفسك لمكتب الإحصاء، ومن بعدها لمديرية المحروقات، وتراجعهم أكثر من مرة، وأخيراً عندما تصل بطاقتك تبدأ عملية البحث عن صهريج يأتي للمنزل".
ويضيف وليد لروزنة بأنه يجب أن تكون هناك عدة عوائل لجلب الصهريج، وفي حال عدم توفر ذلك يتوجب عليه الذهاب للمحطة والانتظار في الطابور للحصول على المازوت.
وأكمل: "جيراني عبئوا المازوت قبلي، لذلك اضطررت للذهاب للمحطة، أخذت الخزان في سيارة نقل وانتظرت يوماً كاملاً في طابور طويل لأحصل على مخصصاتي بعد عناء".
بعض العوائل لا تمتلك بطاقات أسرية، مثل عائلة أبو رعد، الذي ضاعت بطاقته الأسرية، ولا يستطيع الذهاب لمناطق سيطرة النظام السوري لاستخراجها لأسباب أمنية.
وقال أبو رعد: "استخرجنا بطاقة أسرية قبل سنتين من مكتب التوثيق المدني التابع للإدارة الذاتية، ولكن هذه السنة قالوا لي إن هذه البطاقة لم تعد معتمدة، وهناك بطاقة جديدة يجب علي الحصول عليها، ولكن كانت هناك عراقيل كثيرة".
وأوضح: "باعتبار نفوسي في ريف حلب، قالوا لي اذهب إلى منبج واستخرج البطاقة من هناك، وفي منبج قالوا لي عد إلى الرقة فأنت مقيم فيها، ولا أعرف ماذا أفعل!".
ورغم أن أبو رعد مقيم في الرقة منذ عام 1974، إلا أنه لم يتمكن من الحصول على البطاقة الأسرية لغاية اليوم، ولم يتم قبول أي وثائق أخرى يمتلكها من أجل حصوله على المازوت.
اقرأ أيضا: سخط شعبي على قرار "الإدارة الذاتية" برفع أسعار المحروقات لبعض الشرائح
لا كهرباء ولا بدائل متاحة
ساعات الانقطاع الكثيرة للكهرباء في مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية"، وعدم وصولها لبعض المناطق، أدى إلى صعوبة الاعتماد على الكهرباء كبديل للتدفئة، أما بالنسبة للحطب فأسعاره أغلى من المازوت وهو غير متوفر في كثير من المناطق.
أم أحمد (45 سنة) من مدينة الحسكة، تقول إن الكهرباء تأتي لساعة واحدة في اليوم، وهي أصلاً ضعيفة ولا تشغّل المدافئ الكهربائية أو السخّانات.
وأردفت في حديثها مع روزنة: "أطفالنا ماتوا من البرد، لا نعرف ماذا نفعل، ولتر المازوت بالسوق 5000، ونحن فقراء لا نستطيع تحمل هذه التكلفة، وإلى الآن لم يصلنا المازوت المدعوم، لا أدري لم هذا التأخير".
قد يهمك: رفضاً لرفع أسعار المحروقات.. اعتصامات وإضرابات ضد "الإدارة الذاتية"
في القامشلي أيضاً لا يختلف الوضع كثيراً عن الرقة والحسكة، الكثير من الأسر لم تستلم المازوت بعد، عمر محمد أحد أهالي القامشلي يقول لنا إنه يقيم في بناء تسكن فيه 5 عائلات، 3 منها وصلها المازوت، وعائلته وعائلة أخرى ما زالوا ينتظرون.
ويتساءل عمر عن السبب في تأخير التوزيع "ولمَ لم يبدأوا في توزيع مازوت التدفئة منذ فصل الصيف"، محذراً بحسرة: "المدافئ في البيت أصبحت للزينة فقط لنتفرج عليها، جيوبنا فارغة لا نستطيع الشراء من السوق الحر، إذا تأخر التوزيع أكثر من ذلك ستجد أغلب الناس في المستشفيات، هناك مرضى هناك أطفال لا يستطيعون تحمل البرد".
من جهته يقول عقيل حسن وهو أحد أهالي القامشلي أيضاً، إن المنطقة غنية بالنفط، ومنها يتم تصدير المازوت ومشتقات النفط الأخرى لعدة مناطق، ويتساءل "لماذا يضطر السكان للانتظار للحصول على مازوت لتدفئة أطفالهم؟".
وأكد: "لا يوجد بدائل، حتى إذا أردنا تركيب مدافئ تعمل على الحطب فهو غير موجود وإذا توفر سعره أغلى من المازوت، أنا لدي محل تمديدات صحية، ورغم ذلك لا أستطيع شراء المازوت من السوق الحر، فكيف الأمر بالنسبة للفقير؟".
تحديات أمنية أدت للتأخير
في لقاء مع روزنة أوضح عبد القادر الحمود مدير قسم التدفئة في مديرية المحروقات بالرقة، إن الأحداث الأمنية الأخيرة التي شهدتها دير الزور، كانت السبب الرئيسي في التأخر بتوزيع مازوت التدفئة على الأهالي.
وأوضح أنهم يعملون على قدم وساق من أجل استكمال التوزيع ووصول المازوت لجميع السكان، مضيفاً: "في الفترة القادمة سيزيد الوارد إلينا من مازوت التدفئة، وسنقوم بت عويض التأخير، وإلى الآن وصل المازوت لأكثر من 70% من الأهالي".
وبخصوص الإجراءات الجديدة التي تم اعتمادها قال إن السبب في ذلك عمليات احتيال حدثت في السنوات الماضية "البعض كان يحصل على أكثر من مخصصاته، من خلال استخدام عدة وثائق، أو تزوير وثائق، لذلك كان هناك إشراف لمكتب الإحصاء هذا العام، كيلا يأخذ أحد حصة غيره".
وأشار إلى أنهم يعملون أيضاً على توزيع المازوت على العائلات التي لا تمتلك أوراق ثبوتية، وذلك تحت بند "الحالات الإنسانية"، وسيتم ذلك بعد دراسة هذه الحالات وفق ما ذكر.
والجدير بالذكر أن "الإدارة الذاتية" تسيطر على المناطق السورية التي تتواجد بها غالبية حقول النفط، وتنتج قرابة 150 ألف برميل يومياً، أي أقل من نصف الإنتاج قبل عام 2011، وفقاً لتصريحات مسؤول من الإدارة لصحيفة "الشرق الأوسط".