تقارير وتحقيقات | 25 06 2025

أعلن البنك الدولي، اليوم الأربعاء، عن موافقة مجلس مدرائه التنفيذيين على هبة بقيمة 146 مليون دولار أمريكي لمساعدة سوريا في مجال تحسين شبكة الكهرباء في ظل الشلل الذي تعرضت له في سنوات الحرب.
وقال البنك الدولي في بيان عبر موقعه الإلكتروني، إن المنحة من المؤسسة الدولية للتنمية "IDA"، تهدف لمساعدة سوريا في استعادة إمدادات كهرباء موثوقة وبأسعار ميسورة ودعم التعافي الاقتصادي للبلاد.
والبنك الدولي منظمة تنمية دولية مملوكة لـ 189 دولة، تأسس عام 1944، ويتمثل دوره في الحد من الفقر من خلال إقراض حكومات أعضائه الأفقر لتحسين اقتصاداتهم وتحسين مستوى معيشة شعوبهم، عبر منظماته الخمس الدولية، كما يعتبر من أحد أكبر مراكز الأبحاث التنموية في العالم.
منحة سوريا.. ما الهدف منها؟
يقول البنك الدولي، إن المنحة تأتي في إطار المشروع الطارئ للكهرباء في سوريا (Syria Emergency Electricity Project-SEEP)، الذي يهدف "إلى إعادة تأهيل خطوط النقل والمحطات الفرعية للمحولات الكهربائية المتضررة، وتقديم المساعدة الفنية لدعم تطوير قطاع الكهرباء وبناء قدرات مؤسساته".
وقال جان كريسوف كاريه، المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي، إن إعادة تأهيل الكهرباء برزت من بين احتياجات إعادة الإعمار الملحة "كاستثمار حيوي" لتحسين ظروف السوريين المعيشية ودعم عودة اللاجئين والنازحين، فضلاً عن تمكين استئناف خدمات كالمياة والرعاية الصحية.
وأكد أن المشروع يعتبر "الخطوة الأولى في خطة زيادة دعم البنك الدولي لسوريا في مسيرتها نحو التعافي والتنمية".
ما التفاصيل؟
يقول البنك الدولي إن المشروع سيمول إعادة تأهيل خطوط نقل التوتر العالي، بما فيها خطين رئيسيين للربط الكهربائي بطاقة 400 كيلو فولط كان قد تضررا في سنوات الحرب "وسيؤدي ذلك إلى معاودة الربط الإقليمي مع الأردن وتركيا" وفق البيان.
وأضاف: "سيعمل المشروع على إصلاح المحطات الفرعية لمحولات التوتر العالي المتضررة بالقرب من مراكز الطلب في المناطق الأشد تضرراً التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين العائدين والنازحين داخلياً، فضلاً عن توفير قطع الغيار ومعدات الصيانة اللازمة".
وإلى جانب عمليات الإصلاح وإعادة التأهيل، سيوفر المشروع مساعدة فنية في إعداد الإستراتيجيات الرئيسية لقطاع الكهرباء والإصلاحات على مستوى السياسات واللوائح التنظيمية، وخطط الاستثمار لتحقيق الاستدامة على المديين المتوسط والطويل، إضافة لتوفير الدعم لبناء قدرات مؤسسات قطاع الكهرباء لتنفيذ هذه الإستراتيجيات والإصلاحات.
واعتبر البنك الدولي أن أنشطة المشروع ستكمّل "جهود إعادة الإعمار في قطاع الكهرباء، بما في ذلك أنشطة المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء الهادفة لإعادة تأهيل البنية التحتية للتوزيع، فضلاً عن دعم شركاء التنمية لتوفير إمدادات الوقود وإعادة تأهيل توليد الكهرباء".
وسبق أن كشف وزير الكهرباء في حكومة تصريف الأعمال بعد سقوط النظام السابق، عمر شقروق، لروزنة، عن خطة لخصخصة جزء من قطاع الكهرباء وفتح باب الاستثمارات في مجالات أخرى كالطاقة المتجددة والبنية التحتية لنقل الطاقة.
ورغم التوجه نحو الخصخصة، شدد "شقروق" حينها على أن التعرفة ستحرر بشكل تدريجي بما يتماشى مع التحسن الاقتصادي وزيادة متوسط الرواتب والأجور، دون تحديد رقم لتلك التعرفة التي قال عنها الوزير "إنه من المبكر تحديدها الآن"، مشيراً إلى أنها تعتمد على عوامل متعددة كتكاليف الإنتاج ومستوى الدعم الحكومي والاستثمارات الجديدة.
اقرأ أيضاً: الكهرباء في سوريا: مشروع السفينتين لم ينجز بعد.. والخصخصة تلوح بالأفق
مدينة دمشق - روزنة
انعدام الأمن الطاقي
وأشار البنك الدولي في بيانه إلى خفض إمدادات الكهرباء لمدة ساعتين إلى أربع ساعات يومياً، في ظل صعوبات بتلبية الطلب، خصوصاً في السنوات الخمس الماضية، ما أدى إلى انعدام الأمن الطاقي لشرائح واسعة من السكان والقطاعات الاقتصادية.
"وتعاني البنية التحتية لنقل وتوزيع الكهرباء في سوريا من قدر هائل من الخسائر والهدر وتحتاج إلى الترميم والتحديث على وجه السرعة. ففي العديد من المناطق، تم تدمير محطات فرعية رئيسية أو تركها في حالة متردية جداً، مما أسهم في خسائر فنية كبيرة"، وفق البيان.
كذلك، أدى النقص في الصيانة، وقطع الغيار، والاستثمارات إلى تفاقم هذا التدهور، مما جعل جزءاً كبيراً من الشبكة الأساسية غير موثوق به وعرضة لانقطاعات متكررة.
اقرأ أيضاً: مولدات الكهرباء ترفع نسب التلوث بدمشق.. ماذا عن صحة السوريين؟
مولدات كهربائية في مدينة دمشق - روزنة
من ينفذ؟ ومن يشرف؟
حسب بيان البنك الدولي المتعلق بالمنحة، ستنفذ المشروع "المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء" التابعة لوزارة الكهرباء، كما ستشرف شركة استشارية دولية كـ"مهندس مالك" (ملاحظة محرر: لا يعني المصطلح الملكية).
ومهمة الشركة الاستشارية "تقديم الدعم الأساسي في إدارة المشروع، والأعمال الهندسية، والإشراف على الموقع، والدعم البيئي والاجتماعي والصحي، فضلاً عن دعم أنشطة السلامة والإدارة المالية طوال فترة تنفيذ المشروع، وذلك وفق معايير البنك الدولي"، حسب البيان.
كما سيقوم البنك الدولي بتكليف طرف ثالث متابعة تنفيذ المشروع بهدف تعزيز الرقابة على الجوانب المالية والتعاقدية، والبيئية والاجتماعية، كما سيقدم دعماً عملياً موسعاً بهدف تعزيز القدرة على تنفيذ المشروع.
منحة.. ومشروع أول من 40 سنة
أوضح وزير المالية يسر برنية عبر حسابه في منصة "لينكد إن"، اليوم، إن البنك الدولي وافق على منحة بقيمة 146 مليون دولار في أول مشروع له بالبلاد منذ نحو 40 سنة، منوّهاً إلى أن المشروع هو منحة مجانية (هبة) وليس قرضاً.
وتقدم المؤسسة الدولية للتنمية، ذراع مجموعة البنك الدولي المخصص لمساندة البلدان الأشد فقراً، قروضاً بلا فوائد أو بفوائد منخفضة ومنحاً لتمويل مشاريع وبرامج تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي، وبناء القدرة على الصمود، وتحسين مستوى معيشة الفئات الفقيرة حول العالم، وفق موقعها.
وأكد الوزير على حرصهم للقيام بمسؤولياتهم تجاه المنحة، لما يؤهلهم للحصول على مزيد الدعم، موجهاً شكره لأعضاء مجلس إدارة البنك والدول المساندة للطلب، إضافة لموظفين في وزرات الخارجية والطاقة والمالية الذين عملوا على استكمال ترتيبات المنحة.
وفي تصريح لموقع البنك الدولي، قال "برنية" إن "الاستثمار في قطاع الكهرباء يعتبر أساسياً لتحقيق التقدم الاقتصادي، وتوفير الخدمات، وتحسين سبل العيش (...) ونأمل أن يُمهّد الطريق لبرنامج دعم شامل لمساعدة سوريا على المضي قدمًا في طريقها نحو التعافي والتنمية طويلة الأمد".
ما الذي تغير في الأشهر الماضية؟
في أيار الماضي، سوّت كل من المملكة العربية السعودية وقطر المتأخرات المستحقة على سوريا للمؤسسة الدولية لللتنمية، والبالغة نحو 15.5 مليون دولار أمريكي، ما أتاح لسوريا أن تصبح مؤهلة مجدداً للحصول على تمويلات جديدة، رهناً بالامتثال لسياسات البنك الدولي التشغيلية.
وعين وزير المالية، محمد يسر برنية، محافظاً لسوريا لدى "كل كيان قانوني" في البنك الدولي، حسب مرسوم لرئيس سوريا في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع.
وقبل أسابيع، نشر وزير المالية في "لينكد إن" عن اجتماع بين فنيين وقانويين من وزارة المالية والطاقة ومصرف سوريا المركزي وخبراء مستقلين، إضافة لفريق من البنك الدولي مالي وقانوني وخبراء طاقة ومشاركين عن بعد في باريس وواشنطن، لإنهاء ترتيبات عرض مشروع منحة 146 مليون دولار.
وقال "برنية" إن الحرص على نجاح تنفيذ مشروع المنحة بكفاءة عالية، يهدف "للحصول منحة مضاعفة للعام المالي القادم الذي يبدأ في تموز 2025"، وفق قوله.
ووقعت في قصر الشعب بالعاصمة دمشق، نهاية أيار الماضي، "مذكرة تفاهم استراتيجية" بين وزارة الطاقة ومجموعة شركات دولية، لتعزيز مجالات الاستثمار بقطاع الطاقة في سوريا، بقيمة استثمارية وصلت إلى سبعة مليارات دولار أمريكي.
ونشرت روزنة حينها تقريراً مفصلاً حول واقع الكهرباء في سوريا والمحطات والمعروف عن "مذكرة التفاهم".
ويترقب السوريون أن ينعكس المشروع الذي وصفته وسائل إعلام على أنه "الأهم في قطاع الطاقة بتاريخ سوريا"، على حياتهم وتوفر الكهرباء بمنازلهم ومصانعهم، بعد معاناة لسنوات، وسط أمل أن لا يكون المقابل المادي في التعرفة المدفوعة فوق طاقة شعب يعيش 90 بالمئة منه تحت خط الفقر.