تقارير وتحقيقات | 1 03 2025

حبيب شحادة

تعاني عائلة منى، وهي من سكان حي الشعلان الدمشقي بسبب الدخان المنبعث من مولد كهربائي موجود تحت منزلها الذي تقطن به، ما يضطرها وعائلتها إلى ترك نوافذ المنزل مغلقة لفترة طويلة. علماً أنّ الحي المذكور سكني بنسبة 70 بالمئة وليس تجاري.

تقول: "يقع منزلي في الطابق الثاني في البناء الذي يحوي في طابقه الأولى محل وجبات سريعة، يعمل لأكثر من 16 ساعة في اليوم على مولدة الكهرباء باستثناء ساعات وصل كهرباء الدولة التي لا تتجاوز الـ 2 ساعة باليوم".

وأشارت في حديثها لـ "روزنة"، إلى أنّ أطفالها يعانون من الدخان المنبعث من المولد، وأنّ اعتراضها لدى صاحب المحل لم يلقَ نتيجة، ما اضطرها للشكوى لدى محافظة دمشق بدون نتيجة أيضاً.

مولدة كهرباء تحت منزل منى 

وفي الشارع المقابل للبناء الذي تقطنه منى، وُضعت موّلداتان للكهرباء بالقرب من منزل جميل ضمن شارع ضيق. يقول: "رغم عدم وجود صوت وضجيج من المولداتان، إلا أنّ الدخان الخارج منهما يصل إلى شرفة منزلي وأحياناً إلى داخل غرفه".

ويشرح في حديثه لـ "روزنة" معاناة زوجته وأولاده من اتساخ حتى كتب أولادهما المدرسية من انبعاثات الدخان التي تلاحظ في اليوم التالي على أثاث منزلهم.

وتنسحب معاناة "منى وجميل"، على كثيرين من سكان حي الشعلان الذي يحوي أكثر من 40 مولدة كهربائية تتوزع بين حارته وبأحجام مختلفة كبيرة وصغيرة. فضلاً عن الضجيج المزعج الذي تسببه للسكان لعدم التزام أصحابها بشروط العزل الصوتي.

وفي منتصف العام 2023، كات قد بدأت المولدات الكهربائية تنتشر في أحياء الصالحية والشعلان والحمرا. وسبق ذلك، شرعنة الأمبيرات من قبل حكومة النظام السابق في العام 2022، عبر تعديل بعض أحكام قانون الكهرباء (القانون رقم 41) الذي تضمن حينها إمكانية إعطاء وزارة الكهرباء التراخيص للمستثمرين الراغبين بتنفيذ مشاريع التوليد التقليدية المستقلة من دون الالتزام بشراء الكهرباء.

اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة تحذّر.. لا تعافٍ اقتصادي في سوريا قبل عام 2080

مولدات الكهرباء: مصدر وحيد للطاقة

تُعد مولدات الكهرباء في العاصمة دمشق مصدرًا هامًا للطاقة، خاصة في ظل الانقطاعات المتكررة للكهرباء. ومع ذلك، فإن استخدامها العشوائي يساهم في تلوث الهواء وله آثار سلبية ليس فقط على صحة السكان، كـ أمراض الجهاز التنفسي أو الحساسية، بل يشمل أيضا خطر الاصابة بالخرف، وفق نتائج دراسة علمية حديثة.

ويرى مختصون بالمناخ، أنّ هناك تلوثاً في دمشق، إحدى مصادره مرتبط بمولدات الكهرباء التي تسبب أضراراً صحية نتيجة انبعاث الجزئيات الضارة مثل الدخان والملوثات الكيميائية التي تتجمع في الهواء، إضافةً إلى الأكاسيد -ثاني أكسيد الكبريت- (SO2) المساهمة في تشكل الضباب الدخاني والمشاكل البيئية.

وفي السياق، قال الخبير البيئي أديب الأسطا "إنّ التلوث البيئي الناتج عن مولدات الكهرباء المنتشرة في الأحياء السورية كبير جداً، مضيفاً في حديثه لـ "روزنة" أنّ هذه المولدات "تتسبب بموت 9 آلاف شخص سنوياً نتيجة التلوث"، الذي تتسبب به.

وأشار الأسطا إلى أن المولدات المستخدمة "غير مصممة للعمل 24 ساعة، وفي حال تشغيلها لفترات طويلة "سوف تصبح مضرة للبيئة، عدا عن كونها تستهلك وقود 20% أكبر من محطات التوليد لدينا".

سوريا: الأكثر تلوثاً

في عام 2024، وُضعت سوريا، في قائمة الدول الأكثر تلوثاً، وفق دراسة أعدتها شركة (IQ Air )السويسرية، وقبلها أظهرت دراسة لمجموعة من المختصين السوريين، أن التلوث في دمشق يتجاوز الحد المسموح عالمياً بـ11 ضعفاً، وفق ما نقل موقع "تلفزيون سوريا".

وذكرت الدراسة، أن العوالق الهوائية في دمشق، تتراوح بين 231 و 588 ميكرو غراماً/م3، بينما المقياس العالمي المسموح يبلغ 150 ميكروجرام/م3. أما العوالق التنفسية الأصغر، فهي بين 82-115/م3، بينما الطبيعي يتراوح بين 15 و 50 ميكروغراماً/م3.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، يتعرض ما يقرب من 99% من سكان العالم في مرحلة ما إلى نوعية هواء لا تتماشى مع المعايير الصارمة للجودة التي حددتها المنظمة. ويؤدي تلوث الهواء المحمّل بالغازات السامة والجزيئات الدقيقة غير المرئية التي تتغلغل في جسم الإنسان، إلى وفاة 7 ملايين شخص بشكل مبكر سنوياً، وفقاً لتقديرات المنظمة العالمية.

توزع المولدات بكثافة وعشوائية

بالعودة إلى حي الشعلان، وبحسب جولة لـ "روزنة"، فأنّ مولدات الكهرباء تتوزع فيه بشكل كبير، إذ توجد هناك أكثر من 40 مولدة متوسطة وكبيرة الحجم. إضافةً لانتشار مولدات كبيرة وضعت بجانب أشجار تعرضت للاحتراق نتيجة الدخان الموجه نحوها بشكل مباشر.

وتكاد لا تخلو حارة من حارات الشعلان من وجود مولدة أو أكثر بذات الشارع.

وبالقرب من حي الشعلان، وفي شارع الحمرا التجاري هناك مولدات ضخمة بعضها يتبع لمحافظة دمشق وضعت في أماكن يتواجد بها أشجار خضراء تضررت واحترقت نتيجة الدخان المنبعث منها والموجه نحو تلك الأشجار دون أدنى اهتمام بالبيئة وبأهمية الحفاظ على الغطاء الأخضر.

مولدة في شارع الحمرا دخانها أحرق أغصان الشجر 

وتتحمل محافظة دمشق مسؤولية تلك الانبعاثات نتيجة عدم دراسة آليات وضع تلك المولدات ضمن الأحياء بما لا يخلق آثار بيئية ضارة بالحجر والبشر، وفق شهادات عدد من السكان لـ "روزنة".

أضرار صحية

تشكل انبعاثات الدخان الناتجة عن مولدات الكهرباء التي تعمل بالديزل خطراً على صحة الأطفال وكبار السن بنسبة كبيرة خصوصاً في ظل الاعتماد على تلك المولدات كمصدر رئيسي للكهرباء، وفق ما قال الطبيب محمد الحسين.، (طبيب أورام يعمل في عيادته الخاصة بدمشق).

وأضاف في حديثه لـ "روزنة" بأنّ منظمة الصحة العالمية شددت في تقرير لها عام 2013 على أنّ "ملوثات الهواء الطلق تعد مواد مسرطنة للإنسان". وتابع: كذلك تسبب أمراضاً في القلب ومشاكل تنفسية. مردفاً أن تلك المولدات تزيد نسبة التلوث بدمشق، لكن لا يوجد قياس دقيق لتلك النسبة.

ويؤكد، أنه حتى اليوم ليس هناك دراسات علمية طبية في سوريا تربط بين تزايد بعض الأمراض كالسرطان وكثافة انتشار عودام تلك المولدات في الهواء كما حدث في لبنان. مشيراً إلى أنّ استنشاق غازات أكسيد الكربون وأكسيد النيتروجين الناتجة عن عمل المولدات على مدار سنوات قد يفاقم مستوى الإصابات في السرطان.

وبين حاجة السكان للتيار الكهربائي وحاجة المحال للطاقة، يزداد استخدام المولدات بدمشق في ظل انقطاع الكهرباء الحكومية لساعات طويلة ومن دون اتخاذ تدابير للحد من تأثيراتها على البيئة والإنسان معاً، والمتضرر الوحيد هم القاطنين بالقرب من تلك المولدات.