العودة إلى مخيم اليرموك والحجر الأسود.. بين الندم المغلّف بالأمل وصدمة الواقع القاسي!

العودة إلى مخيم اليرموك والحجر الأسود.. بين الندم المغلّف بالأمل وصدمة الواقع القاسي!

مخيم اليرموك في دمشق بعد سقوط النظام السابق - يوسف غريبي لروزنة

تقارير وتحقيقات | 4 04 2025

محمد سليمان

ركام وأبنية مدمرة وبنى تحتية متهالكة، تحيط بك أينما تجولت في أحياء مخيم اليرموك والحجر الأسود والتضامن وغيرها في العاصمة دمشق، لكنها تشهد ومنذ سقوط النظام السوري السابق، عودة تدريجية للنازحين والمهجرين رغم صعوبة الحياة فيها.

ويواجه العائدون تحديات تتمثل بنقص نقص المياه والكهرباء وخدمات البنية التحتية، إضافة إلى المخاطر الصحية الناجمة عن المياه الملوثة والضرر البيئي، لكن بعضهم حسم قراره بالعودة رغم الظروف الصعبة والدمار الكبير، في محاولة كما يقولون "لإعادة بناء الحياة" .

تجولنا بين الأحياء والشوارع المدمرة في مخيم اليرموك وحي الحجر الأسود، والتقت روزنة عدداً من المدنيين العائدين، لتقف على معاناتهم والأسباب التي دفعتهم للعودة وهو الخيار الذي لم يتخذه كثر من نازحي ومهجري الحيين في مخيمات شمالي البلاد أو مناطق أخرى.

مخيم اليرموك في دمشق بعد سقوط النظام السابق - يوسف غريبي لروزنة

الخلاص من حياة الخيمة

مع سقوط النظام السابق في كانون الأول الماضي، حزم أبو باسل وعائلته الأمتعة من مخيم دير بلوط بريف عفرين وقرروا العودة إلى حيهم في مخيم اليرموك، ليتفاجئ بمنزله متصدع الجدران، المحاط بالركام، بلا أي نوافذ وأبواب "لكن لا خيار آخر أمامي"، يقول.

وأوضح الرجل الخمسيني أن السبب الذي دفعه للبقاء رغم الدمار الذي لحق بمنزله، أنه أراد فقط "ترك حياة النزوح والتخلص من العيش في الخيمة"، مؤكداً في الوقت ذاته أن الوضع الحالي "أسوء من الخيمة التي كنا نعيش بها، نحن نعاني من كل شيء باليرموك".

"شبكة الاتصال ضعيفة ولا يوجد إنترنت (...) هل مصيرنا البقاء تحت رحمة توفر الخدمات والبحث عن الخبز في حي لا يوجد فيه فرن أصلاً؟"، يتساءل أبو باسل خلال حديثه مع روزنة من أمام الركام المحيط بمنزله.

واشتكى من التقيناهم في اليرموك والحجر الأسود، من معاناة تأمين الخبز عبر التنقل إلى أماكن بعيدة كحي الزاهرة أو بلدة يلدا جنوب العاصمة، كما يضطر من لا يوجد بئر ماء في شارعه أو عند جيرانه، إلى تأمين المياه بعربات يجرونها لمسافات طويلة لمناطق أخرى.

وتقاطعت شكاوى الذين قابلتهم روزنة في جولتها، حول عدم ضمان بيعهم أو إعطائهم المياه عند وصولهم لمناطق بعيدة ، إضافة إلى أنهم مجبرين على الدفع لحافلتي نقل صغيرة أو ثلاث (تعرف محلياً باسم السرفيس)، إن قرروا استخدام وسائل النقل.

مخيم اليرموك في دمشق بعد سقوط النظام السابق - يوسف غريبي لروزنة

ولا تتوفر إحصاءات رسمية أو شبه رسمية عن عدد العائدين إلى مخيم اليرموك، بينما أفاد مدنيون في الحجر الأسود، أن السكان والقاطنين فيه حالياً يصل عددهم إلى نحو 3 آلاف عائلة، دون إمكانية تحققنا من دقة الرقم عبر مصادر مستقلة أو إحصاء رسمي.

وسيطرت قوات النظام السابق بشكل كامل على منطقة الحجر الأسود ومخيم اليرموك في 2018، بعد عملية عسكرية استهدفت تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ونقل عناصره من المخيم إلى بادية السويداء، بموجب اتفاق رسمي.

وبدأ النزوح من اليرموك، منذ نهاية عام 2012 حين قصفه النظام السابق بالطائرات وأسلحة متنوعة، لتفرض عليه بعد ذلك حصاراً خانقاً مات خلاله نحو 130 جوعاً، استمر لحين اقتحام المخيم  والسيطرة عليه، فيما تشير إحصاءات لمقتل نحو 1100 مدني على مدار سنوات .

اقرأ أيضاً: لماذا يرفض النظام عودة أهالي مخيم اليرموك لمنازلهم؟

مخيم اليرموك في دمشق بعد سقوط النظام السابق - يوسف غريبي لروزنة

"أكثر قسوة مما تخيلناه"

يقيم أبو حسين في شارع قريب من مدخل المخيم، وعاد منذ ستة أشهر تقريباً بعد أن أقام لعدة سنوات في بلدة صهيا بريف دمشق، وأكد لروزنة أن "الوضع أكثر قسوة مما يتخيله البعض، إذ يعيش الناس في منازل بلا نوافذ أو أبواب، ودون فرش أو حتى أساسيات الحياة".

وتابع شرحه: "السكان هنا فقراء، عادوا فقط لأنهم لم يستطيعوا تحمّل تكاليف الإيجارات، وليس لأن الحياة هنا ممكنة".

بدوره يقول أبو باسل إنه استغرق أبو باسل وقتاً طويلاً حتى أعاد التعرف على الحي، مضيفاً: "كل شيء تغيّر! بعض البيوت لم يبق منها سوى الركام، والشوارع ممتلئة بالحجار"، لكنه أصر على إصلاح جزئي لمنزله "هذا بيتي، ولا بدّ أن أعيش فيه وأعيد بناءه شيئاً فشيئاً".

صادفنا أبو أحمد (اسم مستعار) وهو يعمل على ترميم منزله، عبر تركيب أبواب ونوافذ، إذ يؤكد أنه اشتراها قبل نحو سبعة أشهر، أي قبل سقوط النظام، لكنه كان يتخوف من سرقتها قبل السكن "أما الآن فباشرت بالعمل، فأصبحت قادراً على البدء بلا تأخير".

ونقل موقع "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا" عن محامي من مخيم اليرموك، أن نحو 80 بالمئة من المنازل والشقق تحتاج لترميم (دمار جزئي)، أما نسبة المهدمة بشكل كامل فتصل نسبتها لنحو 20 بالمئة، حسب تقديره الذي لم يتسن لنا مقاطعته.

ويعرف مخيم اليرموك باسم "عاصمة الشتات الفلسطيني"، حيث أنشأ سنة 1957 على مساحة نحو 2 كيلومتر مربع جنوبي مركز العاصمة بـ8 كيلومترات، حسب "الأونروا"، التي تقدر عدد سكانه سابقاً بنحو 1.2 مليون شخص، بينهم حوالي 160 ألف فلسطيني.

مخيم اليرموك في دمشق بعد سقوط النظام السابق - يوسف غريبي لروزنة

مياه ملوثة

في حي الحجر الأسود المجاور لمخيم اليرموك، لا تبدو الظروف أفضل حالاً وفقاً لسكان الحي الذين تحدثت معهم روزنة، فالمياه شحيحة، والشوارع مليئة بالركام، ولا توجد أي خدمات للصرف الصحي أو تنظيف الشوارع.

يقول محمد علي، أحد سكان المنطقة: "وضع المياه سيء جداً"، إذ يحتاج أسبوعياً إلى تعبئة خزان المياه بـ 100 ألف ليرة سورية (نحو 7.6 دولار أمريكي)، فضلاً عن اتساخ الشوارع، وانعدام الكهرباء.

وتفاقمت مشكلة المياه الملوثة مع انهيار شبكات الصرف الصحي، التي نتج عنها انبعاث روائح كريهة تملأ الأحياء، وتؤدّي إلى انتشار الأمراض خاصةً مع عدم وجود أغطية لحفر الصرف الصحي في معظم هذه المناطق، بحسب عدد من سكان الحي.

هذا الواقع اضطر السكان ومنهم، أبو محمود، أحد العائدين إلى حي الحجر الأسود، لشراء عبوات المياه للشرب (كل 20 لتر بـ ثلاثة آلاف ليرة)، خوفاً على صحتهم وانتشار الأمراض بين أطفالهم، ما زاد تكاليف المعيشة عليهم.

وفي تشرين الأول 2018، أجرت وكالة الأونروا الأممية تقييم احتياجات لـ23 منشأة في مخيم اليرموك والحجر الأسود، كشفت عن ثلاثة مراكز صحية، اثنان دمرا بشكل كامل والثالث جزئياً، فضلاً عن 16 مبنى مدرسي، جميعها بحاجة لـ"إصلاحات كبيرة/إعادة بناء".

قد يهمك.. منظمة الصحة العالمية: تفشي الكوليرا في سوريا ينذر بالخطر

مخيم اليرموك في دمشق بعد سقوط النظام السابق - يوسف غريبي لروزنة

محاولات فردية لكنها غير كافية

وسط هذا الواقع القاسي، يبذل السكان جهوداً فردية لمحاولة تحسين أوضاعهم، حيث يجمع البعض المال لترميم المنازل، بينما يتعاون آخرون لتنظيف الشوارع بمعدات بسيطة.

تعليقاً على ذلك، أشار أمجد قنو، أحد المتطوعين في حملة تنظيف الحجر الأسود، إلى أنهم  أطلقوا دعوة عبر تطبيقي "فيسبوك" و"واتساب"، لتنظيف بعض الشوارع، لكن عملهم توقف لعدم توفر المعدات.

وقال "قنو" لروزنة: "نحتاج إلى جرافة واحدة على الأقل لإزالة الركام، لأن العمل اليدوي غير كافي (...) هذه الجهود لا تستطيع تعويض غياب الخدمات الأساسية، إذ يشتكي السكان من انقطاع الكهرباء شبه التام، وضعف التغطية الهاتفية، وعدم توفر وسائل النقل".

ورفضت "محافظة دمشق" ومجلس بلدة الحجر الأسود التعليق على طلب "روزنة" للحديث حول واقع العائدين إلى تلك المناطق بعد سقوط النظام، ودور المحافظة في تأمين ظروف عودتهم، إلى جانب الخدمات الأخرى. 

مخيم اليرموك في دمشق بعد سقوط النظام السابق - يوسف غريبي لروزنة

خلال إعداد التقرير، عبّر عدد ممن قابلتهم روزنة عن ندمهم لأخذ قرار العودة من المخيمات إلى المخيم، في ظل الوضع المعيشي الصعب لصدمتهم بالواقع الحالي وعدم توفر المساعدات التي كانت متوفرة لحد ما في المخيمات.

أيضاً، اشتكى آخرون استطلعنا آراءهم، من غلاء آجار المنازل الذي يصل إلى نحو 50 دولار، بما لا يناسب الدخل الشهري لنسبة واسعة من سكّان المخيم والعائدين إليه، ودلّل أحد المتحدثين بتأجير محل تجاري في الحجر الأسود بمئة دولار، ما أدى لرفع الآجارات بالحي.

ولفت البعض إلى المعاناة من الضرر البيئي المتمثل بالروائح الكريهة من الصرف الصحي، وانتشار الغبار الكثيف داخل المنازل نتيجة الردم غير المرحّل من الأحياء، الذي يزداد مع كثافة الرياح في أغلب الأوقات.

وقالت شابة لروزنة، حول الركام إنها تزور الحي ومنزلهم في الحجر الأسود، قبل اتخاذ قرار العودة نهائياً، لكنها تضطر في ظل صعوبة المشي والتنقل وسط الركام "الهائل" المنتشر إلى ارتداء حذاء رياضي، يسهّل عليها التنقل بين الحجارة المتناثرة في الطرقات والأحياء.

ورغم كل الظروف الصعبة، تستمر العودة التدريجية للأهالي وبدء البعض بأعمال إعادة الإعمار "بحرية مع زوال موافقات الفرع الأمني المسؤول في عهد النظام السابق (...) الآن تستطيع فتح محل أو إعمار منزلك والتنقل بحرية"، وفق تعبير بعضهم.

مخيم اليرموك في دمشق بعد سقوط النظام السابق - يوسف غريبي لروزنة

وفي تشرين الأول من عام 2020، وضع النظام السابق ثلاثة شروط لعودة سكان المخيم، هي: "أن يكون البناء سليماً"، و"إثبات المالك ملكية المنزل العائد إليه"، و"حصول المالكين على الموافقات الأمنية اللازمة للعودة إلى منازلهم"، حسب تحقيق لموقع "المجلّة".

بموافقات أمنية.. تحقيق صحافي: 600 عائلة فقط عادت لمخيم اليرموك

عند مغادرته، رصدنا حركة خفيفة في سوق الحجر الأسود مع إعادة افتتاح عدد من المحلات لا تلبي حاجة السكان والعائدين، وسط ارتفاع في حجم الطلب على شراء المنازل والعقارات في المخيم والمنطقة.

ورغم الواقع الصادم والمأساوي، يكافح العائدون إلى المناطق المدمرة في دمشق وريفها من أجل التأقلم، على أمل إعادة إعمار مناطقهم قريباً، كما يتمنى أبو باسل، الذي يحاول مع البقية "إعادة الحياة إلى المخيم" رغم كل الصعاب والتحديات.

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض