تقارير وتحقيقات | 12 02 2025

إيمان حمراوي

أصدرت وزارة الصحة لدى حكومة تصريف الأعمال السورية، قراراً يقضي بتخفيض أجور الخدمات الطبية لمرضى القطاع العام والمؤسسات العامة والمراجعين للمستشفيات العامة إلى نصف ما كان عليه قبل سقوط النظام السوري السابق.

وفي أيلول 2024 أصدرت وزارة الصحة لدى حكومة النظام السابق، قراراً ينص على تثبت الأجور الطبية في المشافي العامة، في وقت كانت فيه معظم الخدمات الطبية مقدمة مجاناً لتصبح بكلف مالية لا يتحملها غالبية المرضى.

خدمة التخطيط السمعي في مستشفى المواساة الجامعي بدمشق كانت قبل شهر أيلول الماضي لا تتجاوز تعرفتها 5 آلاف ليرة سورية، لتصبح بعد القرار 76 ألف ليرة سورية (5.5 دولار).

القرار الجديد

مدير المكتب الإعلامي في وزارة الصحة، أحمد العبد الله، أوضح لوكالة "سانا" أنّ القرار يشمل المنشآت الصحية التي كانت تتقاضى نصف الحد الأعلى من أجور الخدمات الطبية من المرضى، حيث أصبحت بعد القرار تتقاضى ‏الربع فقط.‏

وأشار العبد الله إلى أنّ "هذه الأجور ستتقاضاها المستشفيات العامة لفترة مؤقتة، وبعد تحسن ‏الأوضاع ستكون الخدمات الطبية مجانية بالكامل".‏

ويأتي قرار تخفيض الأجور، وفق وزارة الصحة،  في إطار تعديل المادة (17) من القرار رقم (5) للعام 2024، والتي تصبح على الشكل التالي: "يخضع مرضى القطاع العام والمؤسسات العامة والمرضى المراجعين للمشافي العامة إلى ربع الحد الأعلى لسعر الوحدات المذكورة في القرار التنظيمي رقم (5) للعام 2024، وتعتبر الحد الأدنى من الأجور في كل ما يقدم لهم من خدمات طبية في المنشآت الصحية".

اقرأ أيضاً: "رويترز": إصلاحات جذرية للاقتصاد السوري وإزالة عدد كبير من "الموظفين الأشباح"

ماذا يعني تخفيض الأجور وسعر الوحدات؟

أحد الأطباء، فضّل عدم ذكر اسمه، عمل في مستشفيات حكومية، قال لروزنة، إنّه منذ شهر أيلول عام 2024 أصبحت الخدمات الطبية في المستشفيات العامة الحكومية مأجورة بعد أن كانت قبل ذلك مجانية بشكل كامل، وسط انهيار في القطاع الصحي بشكل عام.

ويضيف: "كمثال أصبحت المعاينة في العيادة الخارجية للمستشفى الحكومي بقيمة 10 آلاف ليرة سورية، وعملية الفتق للأطفال بقيمة 400 ألف ليرة سورية (حوالي 30 دولاراً) آنذاك وفق سعر صرف الدولار في أيلول الماضي (13600 ليرة سورية)".

وتابع: "هذه الأرقام تعادل متوسط راتب موظف حكومي، لافتاً إلى أن الحد الأعلى للعملية وفق حسابات وزارة الصحة سابقاً تعادل 800 ألف.

أما في المستشفى الخاص تبلغ تكلفة عملية "فتق الأطفال" أكثر من 7 مليون ليرة سورية (540 دولاراً)، وفق الطبيب.

قد يهمك: دمشق.. نقص المواد الطبية بمستشفى المجتهد يهدّد حياة مرضى الكلى

وبعد سقوط النظام السابق في الثامن من كانون الأول، أصبحت الخدمات مجانية لفترة وجيزة.

يوضح الطبيب: "قبل أسبوعين قررت وزارة الصحة العودة إلى الخدمات المأجورة، وأصبح المريض يدفع تكلفة عملية فتق لطفل 200 ألف ليرة سورية بدل 400 ألف أي 15 دولاراً".

ووفق القرار الصادر أمس الثلاثاء "يخضع مرضى القطاع العام والمؤسسات العامة والمرضى المراجعين للمشافي العامة إلى ربع الحد الأعلى لسعر الوحدات المذكورة في القرار التنظيمي رقم (5) للعام 2024" بدل نصف الحد الأعلى.

وحول ماهية "سعر الوحدة الجراحية"، يوضح الطبيب، أنّه تحدد تكلفة كل عملية بناء على عدد "الوحدات الجراحية" التي تحتاجها، مع تحديد قيمة الوحدة الواحدة بـ 5 آلاف ليرة سورية.

على سبيل المثال، إذا كانت العملية تتطلب 20 وحدة، فإن التكلفة الإجمالية للعملية ستكون 100 ألف ليرة (20 وحدة × 5 آلاف ليرة). وهذه الطريقة تشمل كافة الإجراءات الطبية في المستشفى.

وكان القرار الصادر في أيلول العام الفائت، حدّد سعر الوحدة الجراحية بقيمة 5 آلاف ليرة سورية بعد أن كانت 700 ليرة.

ومطلع تشرين الأول الفائت، بدأ مستشفى حلب الجامعي بتقاضي أجور خدمات الرعاية الطبية، لزيادة الإيرادات المالية للمستشفى،  وفق تقرير لصحيفة "الجماهير" المحلية. واعتبر مدير المستشفى أنّ أجور الخدمات الطبية "رمزية".

وتقدم الخدمات مجاناً لعدة فئات، وفق الصحيفة، مثل الحالات الإسعافية، العاملين في المشفى وأطباء الدراسات العليا وأقاربهم من الدرجة الأولى، وذوي الشهداء وذوي الإعاقة وجريحو الوطن وبعض الحالات الإنسانية التي يقررها وزير التعليم العالي.

قد يهمك: المتقاعدون العسكريون.. بانتظار راتب شحيح لم يصل بعد

تدهور القطاع الصحي

ويأتي ذلك القرار في وقت تعاني فيه المستشفيات الحكومية من "وضع كارثي" وفق الطبيب، مشيراً إلى أنّ المستشفى الذي يعمل فيه حالياً بطرطوس، لا يملك أي مستلزمات طبية، وفي حال استمرار نقص المستلزمات قريباً قد يتوقف المستشفى عن العمل.

وفصلت وزارة الصحة نصف الكادر التمريضي في الآونة الأخيرة، حوالي مئة ممرض وممرضة، من أصل 200، يقول الطبيب: "تسريح الموظفين شلّ كل القطاع الصحي".

ويعاني القطاع الصحي في سوريا على مدار السنوات الماضية، من ترهل ودمار في البنى التحتية وهجرة الكوادر الطبية، إلى جانب نقص حاد في المستلزمات الطبية والأدوية في أغلب المستشفيات الحكومية، ما أدى لعجز المرضى عن التداوي وتلقي العلاج المناسب.

ومطلع الشهر الفائت قالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، مارغريت هاريس، إن هناك حالياً أكثر من 15 مليون شخص بحاجة ماسة إلى الرعاية الصحية في سوريا، بينهم ملايين السوريين النازحين داخلياً، وفق وكالة "الأناضول".

وبيّنت أنّ هناك حاجة إلى شراء كميات كبيرة من المعدات والمواد الطبية، في ظل وجود فجوة كبيرة في التمويل، لافتة إلى أنّ نظام الرعاية الصحية بسوريا تدهور منذ مدة طويلة، وأن العديد من مرافق الرعاية الصحية تعمل دون المستوى.

وتعمل حكومة تصريف الأعمال السورية منذ مطلع العام الجاري على فصل عدد كبير من الموظفين في القطاع الحكومي، بما في ذلك القطاع الصحي.

وكانت وكالة "رويترز" نقلت في وقت سابق عن وزراء في الحكومة الانتقالية السورية، أن الخطط التي ستعتمد عليها سوريا خلال المرحلة المقبلة تتضمن إصلاحات جذرية للاقتصاد السوري المتهالك.

ويتضمن ذلك إزالة عدد كبير من "الموظفين الأشباح" الذين كانوا يتقاضون رواتب مقابل عمل قليل، أو لا شيء على الإطلاق خلال حكم النظام السوري السابق.