تقارير وتحقيقات | 13 03 2024

أطلق ناشطون سوريون حملة تضامنية مع الباحث السوري، جمعة لهيب، المعتقل السابق في سجون النظام السوري، ذلك بعد تلقيه قراراً من الأمن العام اللبناني ينص على ترحيله قريباً، وسط عدم تجاوب من مفوضية اللاجئين رغم التواصل معها من قبل العديد من الحقوقيين.
وطالب الناشطون بالتوقيع على عريضة لمنع تسليم "لهيب" وعائلته إلى النظام السوري من قبل الحكومة اللبنانية.
وأواخر العام الفائت أعلنت الحكومة اللبنانية تسلّمها قاعدة بيانات اللاجئين السوريين من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وسط وصف جهات حقوقية للخطوة بأنها "سابقة خطيرة تهدّد حياة اللاجئين السوريين وأمنهم"، متّهمين الأمن اللبناني بعدم حماية اللاجئين وارتكاب انتهاكات خطيرة بحقهم.
رفض الإقامة بعد الموافقة
"بينما كنت أجدد إقامتي وعائلتي لدى الأمن اللبناني، بعد صدور الموافقة بمنحنا إياها، تفاجأت برفض الإقامة الشرعية، وصدور قرار بوجوب مغادرتنا لبنان بعد نحو شهر"، يقول الباحث السوري في المكتب العلمي لـ"تيار المستقبل السوري"، جمعة محمد لهيب، المقيم في بيروت، لروزنة.
للشاب السوري زوجة وخمسة أطفال، بينهم توأم ثلاثي أعمارهم أقل من عامين، جميعهم حياتهم مهدّدة بالخطر ويواجهون مستقبلاً مجهولاً، على حد وصفه.
وقبل أسبوع تلقى لهيب أمراً بمغادرة لبنان إلى سوريا، من قبل الأمن العام اللبناني، رغم قوله أن أنه مستوفٍ لكل الشروط القانونية من أجل تثبيت الإقامة.
وأوضح أن الأمن اللبناني تجاهل بقراره كونه على "قوائم المطلوبين للمخابرات السياسية ولكونه معتقل رأي سابق، حيث خرج بإخلاء سبيل وطرد إلى لبنان دون السماح له بالحصول على جواز سفر منذ عام 2011".
"لهيب" يشير أنه مسجّل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين منذ عام 2012، ومع ذلك لم يشفع له ذلك بمنحه الإقامة في لبنان.
يكمل في حديثه مع روزنة: "تغير قرار الأمن العام اللبناني من موافقة على تجديد الإقامة، إلى رفض وترحيل، حيث حجز على أوراقي وأوراق زوجتي وأطفالي".
تبدّل في معاملة الملف السوري!
المحامي اللبناني، محمد صبلوح، مدير عام مركز سيدار للدراسات القانونية، يقول لروزنة إنّ الأمن اللبناني بدأ بترحيل السوريين قسرياً بشكل مكثّف قبل حوالي ستة أشهر، وتغيّرت سياسته "من ترحيل الموقوفين لديه، إلى رفض تجديد إقامات الراغبين بذلك وترحيلهم، واستدعاء آخرين وترحيلهم".
ويعتقد المحامي بأن "هناك سيناريو يجري التحضير له من أجل ترحيل أكبر عدد من اللاجئين في الأيام القادمة، في ظل تغير سياسة الأمن اللبناني في تعاملهم مع السوريين (...) وكأن هناك غطاء من الحكومة بأن يكون هناك تصعيد في ملف اللاجئين لترحيلهم".
"الحكومة اللبنانية غير ملتزمة بحماية اللاجئين، فهي تعمل على ترحيل اللاجئين رغم معرفتها بأنهم معارضين ومعرّضين لخطر الموت"، يقول صبلوح.
وخلال السنوات الماضية، عملت السلطات اللبنانية على اعتقال سوريين من خلال مداهمات المنازل أو في المخيمات و في الساحات والأماكن العامة، لأسباب مختلفة أبرزها عدم تمكن البعض من استخراج أوراق رسمية تبرر وجودهم في لبنان، وفق تقارير حقوقية وإعلامية.
"موقّع من اللواء"
وثّق "مركز وصول لحقوق الإنسان" اعتقال الأمن اللبناني لـ 1080 لاجئاً سورياً خلال عام 2023 بشكل تعسفي، وترحيل 763 قسريأ إلى سوريا.
ويوضح "لهيب" لروزنة أنه عندما طلب مقابلة رئيس مركز الأمن العام، وقت سماعه بخبر قرار الترحيل، أخبره الضابط بأن القرار موقّع من اللواء إلياس البيسري، ولا يستطيع رئيس المركز مساعدته.
وشدد الناشط بأنه كان سيقبل بالترحيل حصراً عن طريق المفوضية عبر إعادة التوطين، أو بالعبور للشمال السوري.
وكشف مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في تقرير نشره منذ يومين، عن تعرض السوريين العائدين إلى بلادهم بعد رحلة اللجوء إلى انتهاكات وصفها بأنها "جسيمة"، كما تطرق إلى معاناة اللاجئين السوريين في بلاد اللجوء، وتعرضهم لفرض العودة القسرية.
اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة: انتهاكات جسيمة للعائدين إلى سوريا.. ما تفاصيل تقريرها؟
لا تجاوب من قبل مفوّضية اللاجئين
يعمل "لهيب" مع عدد من المراكز الحقوقية والحقوقيين من أجل محاولة إيقاف أمر الترحيل الصادر بحقه.
يقول إن قرار الترحيل نهائي ولا يمكن تغييره إلا بتدخّل سريع من مفوضية اللاجئين، وفق استشارة قانونية، وهي التي رغم كل التوصيات والاتصالات معها (مفوضية اللاجئين) إلى الآن لم تتجاوب بخصوص أمر ترحيله، متوقّعاً أن يكون الترحيل من خلال تسليمه مباشرة إلى النظام السوري.
وتقول مفوضية اللاجئين عبر موقعها الرسمي، بأنه يمكنها تقديم الدعم للاجئين أو لطالبي اللجوء المعرضين للخطر المحتجزين في مراكز توقيف المهاجرين، والسجون، ومراكز الشرطة، وقصور العدل في لبنان اعتماداً على احتياجات الحالات الفرديّة، من خلال تزويدهم بمستلزمات حسب الاحتياجات، منها الحاجة القانونية.
وأشار المحامي صبلوح لروزنة في وقت سابق إلى تمكن الجهات الحقوقية من إبطال قرار ترحيل سوري منشق عن قوات النظام مع شخصين آخرين معارضين، بالتعاون مع الجهات الإعلامية ومفوضية اللاجئين، أواخر العام الفائت.
اقرأ أيضاَ: لبنان: لم يُبلغ السوريون العائدون خلال سنوات عن تعرّضهم للاضطهاد
استدعاء وترحيل
المحامي محمد صبلوح يشرح لروزنة، عن كيفية ترحيل السوريين أيضاً من خلال استدعائهم، حتى لو كانوا مسجلين لدى مفوضية اللاجئين، حيث يمنحهم ورقة ترحيل.
ويوضح: "بعد استدعائهم، لا يرحّل الأمن اللبناني الأشخاص مباشرة، لكن يعود بعد فترة لاستدعائهم مجدداً ومن ثم ترحيلهم، وهو وضع يستدعي الخوف على مستقبل اللاجئين"، مشيراً إلى وجود إجراءات وصفها بالتعجيزية من قبل الأمن العام اللبناني من أجل تثبيت إقامات السوريين في البلد.
وأمس الثلاثاء، داهمت دورية من الأمن اللبناني منزل أحد السوريين، وأعطوا الزوجة ورقة استدعاء، وسط تخوف من ترحيلها، يقول صبلوح.
ويشير المحامي إلى أنّ الاستدعاء هو أمر يشكّل خطراً أكبر من الاعتقال، ووفق حالات وثقها مركز الدراسات الذي يشغل منصب مديره، يمنح السوري ورقة ترحيل بعد استدعائه، وفجأة يستدعى مجدداً للأمن العام ويرحل، أو يداهم منزله ويرحل مباشرة.
ويشدد المحامي على ضرورة حماية السوريين ولا سيما المطلوبين للنظام السوري، حيث وثقوا بعض الحالات التي رحّلها الجيش اللبناني قسرياً خلال شهر كانون الثاني، وهم حالياً معتقلين في فرع "فلسطين" بدمشق سيء السمعة والمشهور بانتهاكات حقوق الإنسان، دون معرفة أي معلومات عنهم، فيما إذا كانوا أحياء أم لا، على حد قوله.
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" وثقت في تقريرها عام 2021 الانتهاكات التي واجهها اللاجئون العائدون من لبنان والأردن إلى سوريا بين عامي 2017 و2021 على يد النظام السوري والجهات الموالية له، وأكدت أنّ "سوريا ليست آمنة للعودة".
ووثقت المنظمة من بين 65 من العائدين أو أفراد عائلاتهم الذين قابلتهم، 21 حالة اعتقال واحتجاز تعسفي، و13 حالة تعذيب، و3 حالات اختطاف، و5 حالات قتل خارج نطاق القضاء، و17 حالة اختفاء قسري، وحالة عنف جنسي مزعوم.
وأصدرت 19 منظمة لبنانية ودولية في الـ 11 من أيار العام الفائت، تقريراً طالبت خلاله بوقف ترحيل اللاجئين السوريين، وقالت إنّ الجيش اللبناني رحّل مئات السوريين بموجب إجراءات موجزة إلى بلادهم، حيث يواجهون خطر الاضطهاد أو التعذيب، وأشار التقرير إلى أنّ عمليات الترحيل "تهدف إلى الضغط على اللاجئين كي يعودوا إلى بلادهم".
ويلتزم لبنان بصفته دولة طرفاً في "اتفاقية مناهضة التعذيب" بعدم إعادة أو تسليم أي شخص إلى مكان قد يتعرّض فيه لخطر الاضطهاد أو غيره من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وفق "منظمة العفو الدولية".
وكان رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، حذّر أواخر العام الفائت من أن لبنان بات "على شفير الانهيار الكلي" بسبب اللجوء السوري الذي تقدر تكلفته بعشرات مليارات الدولارات منذ عام 2011، وفق تقرير البنك الدولي.