تقارير وتحقيقات | 28 02 2024

تجددت المظاهرات المناهضة لـ"هيئة تحرير الشام" في إدلب، والمنددة بسياساتها القمعية على الأهالي في مناطق سيطرتها، ليرتفع سقف المطالب إلى المطالبة بإسقاط زعيمها "أبو محمد الجولاني".
وجابت مظاهرة نظمها ناشطون شوارع مدينة إدلب، مساء أمس الثلاثاء، هتف خلالها المتظاهرون بإسقاط "الجولاني"، وإنهاء قبضته الأمنية التي يدير بها المناطق الخاضعة لسيطرته.
مطالب بسقف مرتفع
رفع المتظاهرون سقف الهتافات في مظاهرة إدلب، بعد يومين من مظاهرة مشابهة نظمها العشرات في مدينة سرمدا، طالبت بإطلاق سراح المختفين قسرياً في سجون "الهيئة"، وإعادة هيكلة الجهاز القضائي التابع لها.
وتضمنت الهتافات، أمس، "الشعب يريد إسقاط الجولاني" و"تبييض السجون" إضافة إلى محاسبة المسؤولين عن الاعتقالات العشوائية وممارسة التعذيب داخل السجون.
وطالب المتظاهرون "تحرير الشام" بفك قبضتها عن موارد عيشهم بعد احتكارها مختلف الموارد الاقتصادية، وفرض الضرائب والإتاوات على السلع الأساسية عن طريق المعابر التي تديرها، ما تسبب بغلاء الأسعار، وزيادة الوضع المعيشي سوءاً.
قصص مرعبة
بعد سنوات من إحكام "هيئة تحرير الشام" قبضتها الأمنية على الأهالي في مناطق إدلب وريف حلب الغربي، جاء الحراك الأخير ضدها بعد تسريب قصص عن تعذيب الموقوفين من عناصرها في قضية "الخلية الأمنية".
وتساءل أبو محمد (اسم مستعار) خلال حديث لـ"روزنة" عن الممارسات التي يطبقها أمنيو الهيئة وسجانوها ضد المعتقلين غير المنتمين لها، "إذا كانت ممارستهم بذلك الشكل المرعب ضد زملائهم من عناصر الهيئة!".
اقرأ أيضاً: "مسالخ بشرية وليست سجوناً"... احتجاجات ضد الجولاني في سرمدا واستنفار أمني
وأضاف أبو محمد: "لولا خروج الموقوفين من الأمنيين والعسكريين الذين لاقوا شتى صنوف التعذيب، ما كان أحد ليتحدث عن تعذيب المدنيين والناشطين الذين اعتقلتهم الهيئة خلال السنوات الماضية".
حراك مهم
قال لـ"روزنة" خالد (اسم مستعار) وهو أحد المشاركين في مظاهرة أمس بمدينة إدلب، إن هذا الحراك مهم، ومن الضروري استمراره، بشرط السيطرة عليه من قبل الناشطين المدنيين.
وأوضح خالد بأنه "يجب عدم السماح لشخصيات محسوبة على الهيئة بالانخراط في المظاهرات، حتى لا تحرفها عن مسارها المدني والثوري الصحيح، وجرفها إلى حيث تريد هيئة تحرير الشام".
بنفس الفكرة، أبدى الناشط المدني عمر (اسم مستعار)، تخوفه من انخراط جهات وأشخاص تابعين للهيئة سراً، بينما يدعون العمل المدني ويعلنون استقلاليتهم.
وأشار في حديثه لروزنة، إلى احتمالية أن يدخل هؤلاء لقيادة وتسيير المظاهرات، وتغيير المطالب بما لا يتعارض مع سياسة "الهيئة"، أو بما لا يشكل خطراً عليها.
ورجح الناشط أن لا يكون هناك نتائج ملموسة على المدى القريب، بسبب إدارة "الهيئة" للمنطقة بقبضة أمنية وعسكرية خانقة، "ربما تدفعها لاحقاً للالتفاف على المطالب بتمثيليات لا تحقق الهدف الحقيقي والمنشود من الحراك".
لا صدامات حتى الآن
أبدى بعض المتابعين لما يجري في إدلب استغرابهم من عدم قمع تلك المظاهرات من قبل "الأمن العام" التابع لـ"تحرير الشام"، مستبعدين أن يكون ذلك من مبدأ "ديمقراطي يحترم الرأي الآخر".
وعن إمكانية مواجهة عناصر الأمن العام للمتظاهرين، قال علي (اسم مستعار)، وهو ناشط مدني يعيش في إدلب: "الأمن العام لا يتعرض لجموع المتظاهرين ولا يصطدم معهم، إلا أنه قد يتعرض للأفراد"، مرجحاً أن يستدعي بعض المشاركين في المظاهرات لاحقاً بعد أيام، ويواجههم بتهم بعيدة عن التظاهر.
واعتبر أن سياسة "تحرير الشام" باتت معروفة في محاسبة منتقديها والانتقام منهم، "فتلقي التهم جزافاً، والتي تكون في غالبها بعيدة عن أسباب الاعتقال الأساسي، مثل اتهام الشخص بإقامة علاقات مع نساء وتهديدهن بفضائح، أو العمالة للنظام، أو روسيا، أو التحالف (أمريكا)، أو غيرها من التهم".
"الذباب الإلكتروني يتحرك"
مع تداول مقاطع المظاهرات بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، بدأت حسابات وهمية، يرجح تبعيتها لـ"تحرير الشام" بإلقاء الاتهامات على المتظاهرين وتخوينهم.
بعض تلك التعليقات اتهمتهم بأن نيتهم إضعاف "الهيئة" بهدف تسليم مناطق إدلب للنظام السوري "إما نتيجة جهل، أو عن قصد".
حول هذه النقطة أخبرنا أبو أدهم، وهو داعم للحراك الأخير وأحد المشاركين في المظاهرات ضد النظام السوري، بأن تلك التعليقات التي لاحقت معظم مقاطع الفيديو للمظاهرة، أعادته إلى عام 2011، حين عمد مؤيدو النظام لاتهام المتظاهرين بـ"الإرهاب والتخريب والتبعية لإسرائيل، بينما كان في بداياته مدنياً بامتياز"، وفق تعبيره.
وخلال السنوات الماضية مارست هيئة تحرير الشام التقييد والتضييق على الأهالي المقيمين في مناطق سيطرتها، عبر سن قوانين اقتصادية واجتماعية وصفت بـ"الجائرة"، إضافة إلى الانتهاكات بحق الناشطين المدنيين، والاستحواذ على السلطة في المنطقة.
وتسيطر "هيئة تحرير الشام" التي يتزعمها أبو محمد الجولاني (الزعيم السابق لجبهة النصرة ثم جبهة فتح الشام) على مناطق واسعة من إدلب وريفي حلب الغربي وحماة الشمالي الغربي، وتصنفها الولايات المتحدة الأمريكية كـ"جماعة إرهابية"، وتدير المنطقة عبر "حكومة الإنقاذ السورية" التي أعلنت تأسيسها عام 2017.