تبدو حزم العقوبات الأميركية الأربعة حتى الآن، والتي تأتي ضمن قانون "قيصر"، أنها تُركز على النفوذ الاقتصادي لأسماء الأسد، زوجة رئيس النظام السوري. وهو تصرف يدفع للتساؤل حول معاني تثبيت استهداف الكيانات والأشخاص التابعين لنفوذ زوجة الأسد الاقتصادي، مقابل تجاهل شخصيات ذات صيت أكبر في الهيمنة الاقتصادية بسوريا مثل رامي مخلوف (ابن خال رئيس النظام).
العقوبات التي أعلنت عنها واشنطن يوم أمس الأربعاء، طالت في معظمها شخصيات مقربة من تيار زوجة الأسد، فضلًا عن حجم عقوبات كبير استهدف شركات تعمل لصالح الزوجة، كانت أبرزها في قطاع الاتصالات.
الخبير والباحث الاقتصادي، يونس الكريم، اعتبر خلال حديث لـ "روزنة" اليوم الخميس، أن عقوبات "قيصر" الحالية تُظهر مسعى أميركي لتحييد رامي مخلوف، وكأن تجاهل إنزال العقوبات عليه كما يحصل ضد تيار زوجة الأسد، يبين الرغبة بحمايته ومنع الاستحواذ على أمواله، وتابع حول ذلك بالقول "لعل الأمريكان يجدون بمخلوف شخصية مناسبة؛ تُمثل جزء من الحل السياسي الشامل في سوريا".
و أشار الكريم إلى أن شركات الاتصالات لها أهمية بالغة في الخريطة الاقتصادية لأنها تشكل مركز ثقل الدعم المالي، وتتحكم بمقدار السيولة في السوق، إضافة إلى أنها تستطيع الاستحواذ على كمية ضخمة جدا من السيولة النقدية، وبالتالي التحكم بالتجار وتوفير السيولة والتلاعب بالحركة الاقتصادية.
وهذا ما وصفه بالهاجس الحقيقي لدى الأمريكان، على اعتبار أن قطاع الاتصالات سيؤمن لبشار الأسد و إيران مصدر تمويل جيد يساهم في عرقلة أي حل سياسي في المنطقة، بخاصة وأنهم يقولون في القانون أنهم يحاولون تجفيف مصادر الأموال، بحسب تعبيره.
عقوبات طالت أذرع قوية لأسماء الأسد!
ووفق بيان وصل إلى "روزنة" من المكتب الإعلامي لوزارة الخارجية الأميركية، فإن العقوبات شملت رجل الأعمال خضر طاهر و عدة شركات يملكها و تدور في فلك نفوذ أسماء الأسد، حيث شملت العقوبات الشركات التالية؛ شركة "إيما" وشركة "إيما تيل" للاتصالات، وشركة "إيما تيل بلاس"، و شركة "القلعة للحماية والحراسة والخدمات"، وشركة "إيلا للخدمات الإعلامية"، وشركة "إيلا للسياحة"، وشركة "الياسمين للتعهدات"، وشركة "النجم الذهبي التجارية"، وشركة "السورية للمعادن والاستثمار"، و "الشركة السورية للإدارة الفندقية، وشركة "العلي والحمزة".
قد يهمك: واشنطن تكشف أسباب فرضها عقوبات على قادة قوات النظام السوري
كذلك طالت قائمة العقوبات، إضافة إلى ذراع أسماء الأسد، خضر طاهر وشركاته، كل من نسرين إبراهيم ورنا إبراهيم (تملكان حصص في شركة تلي انفست المؤسسة لشركة ام تي إن)، وحازم قرفول (حاكم مصرف سوريا المركزي) الذي شن حملة ضد مكاتب الصرافة التابع لرامي مخلوف نهاية العام الفائت بتوجيهات من أسماء الأسد وفق ما أفادت به مصادر محلية لـ "روزنة"، كما استهدفت عقوبات يوم أمس شخصيتين عسكريتين و كيانات تتبع مؤسسات الدولة في القطاع السياحي.
هذا وتكشف الأسماء الواردة أعلاه حجم عقوبات ثقيل طال نفوذ زوجة الأسد، بخاصة وأن الأخيرة سعت في الفترة الأخيرة إلى السيطرة على كامل قطاع الاتصالات، فزادت من إجراءات التضييق على رامي مخلوف، مقابل دعم غير محدود لشركات خضر طاهر المحسوب على تيار زوجة الأسد، وليس تيار شقيقه (ماهر).
كذلك فإن الشقيقتان إبراهيم تتواجدان في إدارة شركة "إم تي إن سوريا" (ثاني شركات الاتصالات السورية)، ولكنهما يمثلان نفوذ زوجة الأسد التي كانت عبر شركة "إيماتيل" المملوكة للأخيرة ويديرها طاهر، كانت تقترب من السيطرة على الشركة، في الوقت الذي تقترب فيه أيضًا من السيطرة على شركة رامي مخلوف (سيريتل) بعد تعيين حارسًا قضائيًا عليها.
العقوبات موجهة ضد قطاع الاتصالات؟
الخبير الاقتصادي أشار في حديثه إلى أن المتتبع لحيثيات عقوبات "قيصر" -حتى الآن- توضح بأن واشنطن لا تريد أن تتجه ملكيات شركات الاتصالات لمصلحة إيران، وهذا مرده لكثير من الاعتبارات وفق الكريم، أولها الخوف من إيجاد شبكة اتصالات لإيران تمتد من طهران باتجاه العراق وسوريا فلبنان.
وتابع "نحن نعلم أن هناك شركة اتصالات بإدارة حزب الله في لبنان، وفيما لو تم سيطرة الإيرانيين على شركات الاتصالات في سوريا؛ فإن ذلك سيزيد من صعوبة تعقب المكالمات للنفوذ الإيراني من قبل الأميركيين، وبذلك يزداد قوة الإيرانيين".
ولفت الكريم إلى أن استمرار واشنطن في إنزال العقوبات على نفوذ أسماء الأسد وبالأخص في قطاع الاتصالات يعود إلى أن الأخيرة بدأت تعطي العديد من الامتيازات والاستثمارات للجانب الإيراني، ويتصل بذلك ما كانت قد بدأته عام 2017، عندما زار عماد خميس (رئيس الوزراء الأسبق) مطلع ذلك العام؛ إيران، ووقَّع مذكرة تفاهم مع طهران، مانحاً رخصة التشغيل الثالثة لشركة الاتصالات الخلوية الإيرانية (والمعروفة باسم علامتها التجارية "Hamrahe Aval").
اقرأ أيضاً: تعاون روسي أميركي لإخراج إيران من سوريا… ما هي الاحتمالات؟
وختم الكريم بقوله أن "قانون سيزر كان متخصص إلى حد كبير بملف الاتصالات في سوريا، وهذا الأمر شكل ضغط على أسماء الأسد التي كانت تطمح في هذا المجال إلى أحد خيارين، إما تأسيس مشغل ثالث أو تقاسم النفوذ في شركتي الاتصالات الحاليتين مع إيران لكن حتى ذلك لم ينجح، كذلك فقد سعت لأن تستحوذ على الخدمات اللوجستية المتعلقة بالاتصالات، وهذا يزيد من نفوذها في قطاع الاتصالات، لكن مع هذه العقوبات سيحد من قدرتها على ذلك و يمنعها من جلب أجهزة المراقبة".
يذكر أن الإدارة الأميركية فرضت ثلاثة حزم عقوبات سابقة على النظام السوري بموجب عقوبات "قيصر" وشملت شخصيات عسكرية واقتصادية داعمة للنظام السوري.
الكلمات المفتاحية