"اعتدنا على الحرائق في جبال مصياف منذ سبع سنوات، حيث ساد الاعتداء على الغابات والمناطق الحراجية كـ روتين فصلي تتعرض له الأشجار والمساحات الخضراء في مناطقنا، و لتتحول المنطقة إلى كتل لهب مستعرة يطفئها من أشعلها بعد أن يكون وصل إلى هدفه". هكذا وصف أحمد رياض (إسم مستعار لمهندس أربعيني من مدينة مصياف) حال المنطقة في فصل الصيف منذ سبع سنوات من قبل جهات اعتبر بأنها عصابات مدعومة من جهات متنفذة لدى النظام السوري.
و شرح في حديثه لـ "روزنة" أن افتعال الحرائق في المنطقة لم يكن أمراً جديداً خلال هذا العام على الأهالي، وإنما تعود بداياته إلى عام 2013 حيث "غابت سلطة الدولة فتدخلت شخصيات مدعومة بدأت إشعال بالحرائق من أجل استغلالها لاحقاً في تفحيم الخشب المحروق وبيعه كفحم للأراكيل، وأما الخشب الذي يسلم نوعا ما من الحريق يتم تقطيعه وبيعه كحطب للتدفئة خلال فصل الشتاء".
وأضاف بأن الأمر يتخطى التحطيب والتفحيم ليصل إلى سيطرة العديد من المتنفذين على مساحات من الأراضي المحروقة وتحويلها لممتلكات خاصة لهم دون أي مساءلة من سلطات النظام، ويضيف حول ذلك "هناك من قام ببناء مساكن خاصة لعائلته دون أي رقيب، حتى أن الصراع بين مدراء المناطق العسكريين هناك كالصراع بين زعماء العصابات، ناهيك عن الصراع بين بعض تجار المخدرات للسيطرة على المساحات المحروقة".
قد يهمك: الحرائق تلتهم خيم النازحين والأراضي الزراعية في سوريا
ونشبت الحرائق من جديد مساء أمس الثلاثاء في مناطق من مصياف وسهل الغاب، بعد أن استمرت لمدة أسبوع ابتداء من الثاني من شهر أيلول، حيث امتدت وتوسعت في مناطق مختلفة من محافظتي اللاذقية وحماة، وقد تركزت بشكل أكبر في منطقة سهل الغاب وشمال مصياف بريف حماة وجنوبي محافظة اللاذقية.
الخسائر والأرباح؟
المحلل و الباحث الاقتصادي، يونس الكريم، قال خلال حديث لـ "روزنة"، اليوم الأربعاء، أن أصابع الاتهام في التسبب بالحرائق أيضاً إضافة إلى المتنفذين، يأتي دور الروس هنا كجهة مستفيدة من هذه الحرائق وفق تقديره من حيث أن "الحرائق ستؤدي إلى إنهاء الأحراج والغابات من المناطق المحيطة بنفوذ الروس و هذا الأمر يمنع الطائرات المسيرة من قصف قاعدة حميميم سواء تلك الطائرات المحسوبة على المعارضة أو المحسوبة على النفوذ الإيراني".
وتابع "الآن باتت المنطقة سهلة الرصد بالرادارات والأقمار الصناعية، العناصر المسلحة التي تقاتل في جبال الساحل باتت مكشوفة… الغابات وفق الدستور السوري غير قابلة لأن تمنح للاستثمار و الآن بعد هذه الحرائق يمكن للنظام تجاوز الدستور ولم تعد الغابات أملاك عامة ويمكن أن تتحول هذه المساحات لمناطق مستثمرة، فضلا عن إمكانية تأمين الساحة البحرية الروسية المتعلقة باستثمارات النفط والغاز هناك".
و نوه الكريم في معرض حديثه إلى قرب الإعلان عن أزمة غذائية كبيرة بعد الحرائق التي أكلت التربة الزراعية، مشيرا إلى أن ضعف الانتاج الزراعي في المنطقة الساحلية سيؤدي بالضرورة إلى الاعتماد أكثر على الاستيراد.
اقرأ أيضاً: رغم الحرائق.. الفلاحون يواصلون توريد محاصيلهم لمراكز الاستقبال في الرقة
وزارة الزراعة في حكومة النظام السوري، ادعت اليوم بأنها خلصت في تحقيقاتها حول ملابسات الحرائق إلى أن الحريق الذي انطلق من محمية الشوح في اللاذقية وانتقل إلى المناطق الحراجية من جهة الغاب ووصل إلى قرى جورين و الفريكة وعين سليمو ونبل الخطيب وعين بدرية وشطحة في شمال غرب سهل الغاب، كان قد تسبب به إهمال "أحد المواطنين في منتزه المحمية"، والذي قام بإشعال نار لم يستطع السيطرة عليها ما أدى إلى انتقالها للحراج، فيما كان الحريق الذي حدث في موقع الشيخ زيتون وامتد إلى بيرة الجرد و المجوي والمشرفة في منطقة مصياف، فقد أظهرت التحقيقات أن سبب الحريق هو قيام أحد المواطنين بحرق بقايا مخلفات زراعية في أرضه مما تسبب بانتقال النار إلى الحراج.
يذكر أن حرائق مماثلة اندلعت، في تشرين الأول الماضي، في غابات منطقة وادي النصارى بريف حمص الغربي، تضررت على إثرها آلاف الدونمات مِن الغابات والأراضي الحراجية.
الأضرار على البيئة
من جهته قال الصحفي المهتم بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، مدير موقع أخبار البيئة، زاهر هاشم، أن عوامل الطقس والمناخ تساعد على انتشار حرائق الغابات، سواء بالمساهمة في انتشار الحرائق الحالية، أو جعل المناطق الحراجية جافة وقابلة للاشتعال لاحقًا في حال تعرضها لعوامل خارجية ناتجة عن أسباب طبيعية مثل الصواعق أو الانفجارات البركانية أو الشرارة الكهربائية في حال كانت الغابات قريبة على خطوط نقل التيار الكهربائي.
وتابع مشيراً خلال حديثه لـ "روزنة" إلى وجود أسباب بشرية بفعل نشاطات الإنسان مثل الحرق المتعمد بقصد تحويل الغابات لأراض زراعية أو استثمارات صناعية، أو الإهمال وحرق الأعشاب خصوصًا في مواسم الاصطياف والتنزه.
وأضاف بالقول "يتسبب ارتفاع درجة الحرارة في تجفيف التربة وأغصان الأشجار والشجيرات والأعشاب، الأمر الذي يؤدي إلى اشتعالها ذاتياً، كما يساعد على انتشار الحرائق بسرعة كبيرة إلى مناطق واسعة وفقدان السيطرة عليها، كما يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة تحلل المركبات العضوية النباتية في الغابات، وينتج عن هذا التحلل إطلاق غازات قابلة للاشتعال مثل غاز الميثان".
قد يهمك: استمرار حرق محاصيل القمح... من الفاعل وما الأهداف الخفية؟
وزاد بأن سرعة الرياح واتجاهها تساعد على نقل كتل الهواء الساخن إلى مناطق جديدة؛ ما يؤدي إلى تجفيف الأعشاب والشجيرات وتحويلها إلى مكونات قابلة للاشتعال، كما تساعد الرياح على تزويد الحرائق بالأكسجين الذي يعد عنصراً مهماً في عملية الاحتراق.
و عن أضرار حرائق الغابات على البيئة، أكد هاشم تأثير الحرائق على المناخ، فكما يؤثر المناخ على زيادة معدل حرائق الغابات، فهو يتأثر أيضاً بحرائق الغابات، بحسب تعبيره. فضلًا عن أن حرائق الغابات تؤدي إلى إطلاق كميات هائلة من الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري، من أهمها غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكاسيد النتروجين وأول أكسيد الكربون. بينما تتسبب الغازات الناتجة عن حرائق الغابات والغبار الكربوني في انخفاض جودة الهواء، وتساهم الرياح في حمل هذه الملوثات إلى مسافات بعيدة، وهذا بحسب حديثه يؤثر على الصحة العامة و يسبب أنواع مختلفة من الأمراض الصدرية والتحسسية والسرطانات.
وختم بالقول "الحرائق تقضي على مساحات واسعة من الأشجار والشجيرات في الغابات، والتي تعد ضرورية لتأمين الأوكسجين في الطبيعة، كما تؤدي حرائق الغابات إلى زيادة حامضية التربة، وفقدان تماسكها، كما تسرع حرائق الغابات من زيادة الزحف الصحراوي إلى المناطق الخضراء".
الكلمات المفتاحية