تشي عوامل التصعيد المتزايدة في شمال شرقي سوريا إلى أن بوصلة التوتر في سوريا ستكون موجهة صوب تلك المناطق، وذلك في ظل تجييش عشائري تعمل عليه كل من دمشق والنفوذ الإيراني، وإطلاق روسيا لحملة عسكرية لمواجهة عناصر داعش في محيط المنطقة، إضافة إلى تعزيزات عسكرية جديدة وصلت إلى هناك أرسلتها كل من روسيا والولايات المتحدة.
مصادر أهلية في المنطقة، أكدت لـ "روزنة" صحة التقارير التي أشارت إلى وجود مساعي إيرانية لتشكيل جيش عشائر في الشرق السوري ينطلق من الرقة لمقاتلة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وقوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في سوريا، وذلك بدعم إيراني وتنسيق من النظام السوري.
وأشارت المصادر إلى أن الجهود الإيرانية تأتي في إطار تثبيت نفوذ طهران في منطقة شرق الفرات، إضافة إلى سعي النظام للتغلغل أكثر في المنطقة في ظل رفض عشائري متزايد لتواجد قوات سوريا الديمقراطية في مناطق مختلفة من الشرق السوري؛ وذلك إثر تدهور الحالة الأمنية وتزايد حالات الاغتيال لوجهاء تلك العشائر.
اقرأ أيضاً: حسابات روسيّة جديدة في مواجهة إيران بسوريا؟
وتعمل إيران على فتح باب التطوع لتشكيل "جيش العشائر"، بهدف إنهاء وجود قوات "قسد" من كامل مناطق ريف دير الزور الشرقي "كخطوة أولى".
هذا ويحاول كل من النظام السوري وعناصر النفوذ الإيراني السيطرة على بعض العشائر هناك من خلال إغرائها بالمال والسلاح، وفق ما قاله لـ "روزنة" رئيس الهيئة السياسية في محافظة الحسكة، مضر حماد الأسعد.
وأضاف أن "النظام يسعى إلى سحب البساط من العشائر العربية الموجودة ضمن مجلس القبائل و العشائر السورية الذي تم تشكيله في مدينة اعزاز… بعد الثورة للعشائر في وادي الفرات على "قسد" أراد النظام أن يدخل على الخط، و أن يركب على جسم العشائر من أجل أن يسيطر على المنطقة".
وتابع بالقول "النظام يريد كسب دير الزور لأسباب كثيرة، أولها أن العشائر هي القوة الضاربة في المنطقة، فضلا عن سيطرتها على الجغرافيا والأرض المليئة بالثروات الباطنية وكذلك الثروات الزراعية والحيوانية، والنظام يفتقد لكل ذلك".
نسخة سورية من "حزب الله" في الشرق؟
من جانبه رأى الباحث السياسي، صدام الجاسر بأن إيران ومنذ سيطرتها على مناطق في شرق سوريا كانت لديها خطة واضحة في العمل على استثمار الوضع المتردي هناك؛ بسبب ماحصل فيها من سيطرة تنظيم داعش وجرائمه، و أيضا رغبة الأهالي في الإفلات من عقاب النظام في حال عودته إلى المنطقة.
وتابع خلال حديثه لـ "روزنة" أن "إيران استغلت هذا الخوف وبدأت العمل على التقرب من العشائر واستقطاب أشخاص معينين من أهالي المنطقة لتشكيل نواة مليشيات عشائرية في ظاهرها جيش للعشائر، ولكن الحقيقة هي أن إيران تسعى بشكل حثيث إلى إنشاء حزب الله السوري كما حزب الله اللبناني؛ بحيث تكون كوادره من أبناء عشائر المنطقة وقياداته من ضمن العشائر، ويكون ولاؤه الكامل للمشروع الإيراني ومرجعيته ولاية الفقيه، والغاية من هذا الأمر هو تحقيق السيطرة على الطريق الممتد من إيران إلى لبنان".
قد يهمك: حوار روسي-أميركي بشأن سوريا… هل يُنقذ الأسد؟
واعتبر الجاسر أن إيران لن تسعى لمحاربة "قسد"، وكذلك فإنها لن تسعى إلى الدخول في معارك مع الأمريكان في الوقت الحالي؛ فهي (إيران) تركز جهودها على خلق "حزب الله" السوري فقط، وفق تعبيره، وكذلك جعل "هذا الحزب" مستقل بشكل كامل من حيث التمويل والقرارات والتسليح والحركة عن النظام السوري.
وأردف متابعاً "بالأخص أن المنطقة ذات طبيعة عشائرية، وهذا الأمر يمنح إيران خزان كبير للموارد البشرية، وسيكون الدور الإيراني متمثلاً بتقديم مستشارين إيرانيين، و إجراء دورات سياسية وعسكرية وأمنية لشخصيات سيكون لها دور قيادي في المستقبل، ولن تعمل إيران لمصلحة النظام بل سيكون عملها لمصلحتها الخاصة فقط، وجعل وجودها أمر واقع حتى لو اضطرت إلى الإنسحاب من المنطقة، فسيكون حزب الله السوري هو المخلب الإيراني الموجود".
اللعب في الوقت الضائع
بينما رأى الأسعد أن النظام السوري وحليفه الإيراني يسعيان من خلال تشكيل "جيش العشائر" إلى اللعب على وتر العشائر من أجل تأكيد تواجدهم في المنطقة، رغم وجود رفض شبه كامل من القبائل العربية للوجود الروسي و للنظام والنفوذ الإيراني وعناصره، وكذلك لوجود "قسد".
وأضاف "إيران تعمل بكل جهدها ليكون لها أرضية عسكرية من خلال العشائر العربية، وتريد السيطرة على المنطقة من خلال تقديم الإغراءات إلى أبناء العشائر، واستطاعت أن تكسب بعض النفوس الضعيفة من أبناء العشائر… كما أن إيران تلعب على وتر الفتنة العشائرية والقومية لكنها لن تنجح لأن العشائر اكتشفت ما قامت به إيران في دول تمدد نفوذها و أيضاً في سوريا".
في سياق ذي صلة يوضح ارتفاع حرارة الأوضاع في تلك المنطقة، أعلن الجيش الروسي في سوريا، يوم أمس الثلاثاء، عن تنفيذ عملية عسكرية مشتركة مع قوات النظام السوري في البادية السورية، في الفترة من 18 إلى 24 آب الجاري، وقال إنها أسفرت عن مقتل 327 مسلحا وتدمير 134 ملجأ و17 نقطة مراقبة و7 مخازن عتاد و5 مخازن تحت الأرض للأسلحة والذخيرة، بحسب بيان لوزارة الدفاع الروسية.
اقرأ أيضاً: الحوار الكردي… تقسيم ومحاصصة أم إرساء للاستقرار في الشرق السوري؟
وقال المتحدث باسم القوات الروسية العاملة في سوريا، إن عملية "الصحراء البيضاء" وسط سوريا (البادية) ستستمر ضد ما أسماه "فلول العصابات حتى القضاء على الجماعات المسلحة التي تسيطر عليها الولايات المتحدة".
وقال "الإرهابيون يعطلون إقامة علاقات بين القبائل العربية المحلية والنظام السوري هذا وضع يعود بالفائدة على الولايات المتحدة أولا، وسيسمح لها بتبرير وجودها في شرقي سوريا". وأشار إلى أن "مسلحين ينضمون لداعش تدربوا في الأراضي التي تحتلها الولايات المتحدة في منطقة التنف والفرات السوري".
تصعيد روسي أميركي؟
في الأثناء أرسلت القوات الروسية تعزيزات عسكرية جديدة إلى قاعدة عين عيسى شمال محافظة الرقة، حيث أفادت مصادر بأن نحو 13 آلية عسكرية، وصلت قاعدة عين عيسى يوم الاثنين الفائت، قادمة من مناطق سيطرة النظام السوري، محمّلة بالمعدّات اللوجستية والأسلحة والذخائر.
وجاءت التعزيزات الروسية بعد يوم من إرسال القوات الأميركية تعزيزات عسكرية إلى قاعدة "تل بيدر" شمال الحسكة تضمنت 30 شاحنة تحمل معدّات ووقوداً وسيارات عسكرية، فضلاً عن آليات هندسية وعوارض إسمنتية وسيارات بيك آب دفعٍ رباعي. وتمنع القوات الأميركية القوات الروسية من التحرّك بحرية في المنطقة ومن الوصول إلى مناطق عدّة في الشرق السوري، في الوقت الذي قالت فيه مصادر في المنطقة الشرقية، إن احتكاك عسكري جديد جرى بين القوات الأميركية والجنود الروس، يوم أمس، لدى اعتراض دورية أميركية لأخرى روسية حاولت الاقتراب من الحدود العراقية بالريف الشرقي لمدينة القامشلي.
ولفتت المصادر إلى أن الاشتباك وقع على الطريق السريعة الواصلة بين القامشلي ومدينة المالكية المؤدية إلى المعبر الحدودي مع إقليم كردستان العراق، عندما قطعت الدورية الأميركية الطريق أمام الشرطة العسكرية الروسية التي كانت تنوي التوجه إلى منفذ "سيمالكا" الحدودي، لكن الأخيرة أُجبرت على العودة إلى مواقعها بالقامشلي.
وحول ذلك رجّح الجاسر خلال حديثه لـ "روزنة" أن يكون هناك صراع محدود بين الأمريكان والروس، إلا أنه لن يرقى إلى مرحلة الصدام، مشيراً إلى التنسيق الروسي الأميركي من أجل تفادي الصدامات المحتملة وعدم تطورها.
قد يهمك: تسييس الملف الإنساني بسوريا… رسائل روسيّة إلى واشنطن وأنقرة
وتابع بأن ما يحدث خلال الفترة الحالية هو حالة من تثبيت الحدود بين الروس والأمريكان، وترسيم مناطق نفوذ كل قوة منهم.
وأضاف بأن روسيا تركز حاليا جهودها من أجل تثبيت مناطقها في الساحل، و إنشاء مراكز كبيرة هناك تكون تابعة لها بشكل مباشر، ولكنها في بعض الأحيان تفتعل بعض الصدامات المحدودة مع الأمريكان في مناطق شرق سوريا لتقول أنها موجودة أيضا ويجب التنسيق معها في هذه المنطقة.
وختم بالقول أن "روسيا تحاول أيضاً تقديم نفسها لدى المجتمع الدولي بأنها جاءت إلى سوريا لمحاربة الإرهاب الداعشي، وبذلك تحاول كسب التأييد من أجل الحصول على استثمارات ومشاريع تعوضها عن التكلفة المادية التي قدمتها من خلال التدخل في سوريا، خصوصا أن النظام السوري غير قادر على تمويل أو تقديم أي مردود مادي للروس، حيث تسعى روسيا إلى جذب المساعدات الأوروبية في ظل الاختلاف الأوربي الأميركي الحالي على الملف السوري، وعدم وضوح رؤية أميركية للحل في سوريا".
وعلى مدار الأيام الماضية، تجوب دوريات أميركية بشكل دوري لتعقب الدوريات الروسية، وتقف عند مفترق الطرق الرئيسية والفرعية في أرياف القامشلي وديريك، حيث تحاول القوات الروسية الوصول إلى معبر "سيمالكا" والمثلث الحدودي للانتشار في المناطق المحاذية للحدود مع تركيا، لكن واشنطن تستخدم هذا المعبر منفذاً رئيسياً لعبور القوافل العسكرية من قواعدها في العراق المجاور لدعم قواتها المنتشرة شرقي الفرات.
الكلمات المفتاحية