منذ انفجار المفخخة على الطريق الدولي "إم 4" وما تبعه من تصعيد روسي على الشمال السوري، كان أبرزه استهداف جوي "يرجح بأنه روسي" لمدينة الباب في منطقة "درع الفرات" (ذات النفوذ التركي)، دللت هذه التطورات على أن ملامح خلافات جديدة بين روسيا وتركيا، في طريقها للتشكّل شيئاً فشيئاً خلال الفترة المقبلة، ولوأن بداياتها قد تكون في ليبيا إلا أن الساحة السورية قد ترسم معالمها بشكل أوضح.
يوم أمس الخميس، أفادت تقارير إعلامية بأن طائرة مسيرة "يُعتقد بأنها تركية" هاجمت "نقطة تنسيق" للقوات الروسية في مدينة الدرباسية (شمال محافظة الحسكة)، أصيب على إثرها جنود روس، حيث جاء ذلك بعد يوم من قصف "طائرات حربية مجهولة" مدينة الباب، ورغم عدم اعتراف روسيا بمسؤوليتها عن الاستهداف، إلا إن المراصد الموجودة في المنطقة أكدت أن الطيران المهاجم هو "حربي روسي".
فيما اعتبر متابعون مقربون من تركيا أن قصف الروس في الدرباسية يأتي ردا على قصف مدينة الباب، رغم عدم صدور أي تعليق من وزارتي الدفاع الروسية أو التركية على الحوادث الأخيرة.
الملفات متشابكة
وحول التطورات الأخيرة الحاصلة في الشمال السوري، واحتمال اتساع هوة الخلافات بين الروس والأتراك؛ انطلاقا من الأحداث في ليبيا وامتدادا لاستعصاء ملف الشمال السوري، رأى الباحث السياسي، صدام الجاسر خلال حديث لـ "روزنة" أن الملفات المترابطة بين موسكو وأنقرة تنعكس التطورات فيها على بعضها البعض.
وتابع موضحاً "ماحصل من قصف في مدينة الباب هو نتيجة لتطور الملف في ليبيا، حيث كانت تركيا تتجهز لاستئناف العمليات العسكرية من أربع محاور باتجاه مدينة سرت والجفرة؛ لتتابع بعدها تقدمها نحو الهلال النفطي، و أيضا فإن تزويد تركيا لأذربيجان بطائرات بيرقدار، أدى إلى زيادة التوتر خصوصا في ظل الأوضاع المتوترة بين أذربيجان وأرمينيا".
قد يهمك: هذا مصير التعزيزات العسكرية التركية في إدلب
واعتبر الجاسر أن الضربة على مدينة الباب كان الهدف منها إحداث خلط أوراق على مستوى دولي، وليس فقط في الملف السوري، ويزيد بالقول أن "الروس يواجهون مأزق حالي في ملفاتهم، ويرغبون بتحريك الأمور قبل الانتخابات الأميركية، لذلك لم يجدوا بعد فشل جهودهم الدبلوماسية إلا خيار التصعيد العسكري ورفع حرارة الأجواء في هذه الفترة".
وأردف بالإشارة إلى أن "الرد التركي كان من خلال استهداف نقطة تنسيق هي بالأساس نقطة تنسيق بين قوات النظام السوري وقوات قسد، ومن المفترض عدم تواجد قوات روسية فيها؛ لأن الروس أبلغوا الأمريكان سابقا بكل مواقع تواجدهم في المنطقة من أجل تلافي استهداف نقاط تواجدهم، ولم تكن هذه النقطة من الأماكن التي تم الإبلاغ عنها من الناحية الرسمية، ولكن المعلومات التي توافرت لدى الأتراك والأمريكان كانت تؤكد تواجد هذه القوات باستمرار في هذه النقطة".
وزاد بالقول "طالما أن روسيا لم تبلغ الأتراك والأمريكان عن هذا التواجد بشكل رسمي، خصوصا أن النقطة تعتبر في مناطق النفوذ الأميركي؛ فقد اعتبرها الأتراك ومن خلفهم الأمريكان فرصة يجب اقتناصها لرد الضربة للروس على ماحصل في مدينة الباب، وأيضا لإعطاء تنبيه لهم بعدم تجاوز الحدود المتفق عليها في سوريا… الضربة كانت للتأكيد على رسم الحدود بين الروس والأمريكان".
أصدقاء وخصوم
من ناحيته لفت الكاتب و المحلل السياسي، أسامة بشير، أن موسكو تريد الروس يريدون تحريك الجمود السياسي للوضع السوري، بخاصة و أن "قانون قيصر" كان له تأثير كبير على النظام، وكذلك فإن الأخير بحاجة لعمل عسكري للخروج من الوضع الداخلي، وفق تعبيره، فالتظام يريد معركة يمكن أن يستعيد من خلالها لاستعادة مناطق في الشمال، من أجل أن يعتبره نصرا يمكن أن يغذي به حاضنته الشعبية التي بدأت تتذمر من النظام.
وتابع "تفجير المفخخة على الطريق الدولي "M4" هو ذريعة روسية لبدء عمل عسكري الذي يحتاجه كل من النظام، وروسيا التي تسعى للرد على تركيا في ليبيا على الأرض السورية... إن تصفية الحسابات ما بين تركيا وروسيا بشأن ليبيا تتم في سوريا، وما إلا الطائرة المسيرة التي قصفت تمركز الروس هو رد من قبل الأتراك على القصف الروسي الذي استهدف مدينة الباب".
و أكمل بالقول "هناك معركة تحضيرات لمعركة؛ فالروس لن يستطيعوا الصمود أكثر ضمن هذا الجمود السياسي، ويحتاجون لعمل عسكري وكل مرة يريدون فرض قرار سياسي فإنهم يخلقون ذريعة لشن معركة قبل فرض القرار ... مهما كان التصعيد لكن لن يصل إلى مرحلة المواجهة بين تركيا و روسيا لكن ربما يصل بين النظام من ناحية و تركيا و المعارضة من ناحية ثانية".
قد يهمك: تسييس الملف الإنساني بسوريا… رسائل روسيّة إلى واشنطن وأنقرة
فيما شبّه الباحث السياسي صدام الجاسر، العلاقات الروسية التركية بـ "علاقات الأصدقاء اللدودين، فكلاهما يعلم أن مصالحهم باتت مرتبطة ببعضها في سوريا، ولكنها تختلف في ليبيا، وقد يؤدي أي خطأ إلى حدوث صدام لا تحمد عقباه؛ خصوصا أن الروس يعلمون أن الأمريكان يرغبون بمثل هذا الصدام ويقفون خلف الاتراك و يدعمونهم".
وأشار إلى أن كلا الدولتين ستحاولان عدم التصعيد، والعمل على حل خلافاتهما من خلال لقاءات سياسية، مع عدم إغفال الخيار الصعب وهو الخيار العسكري والتحضير له بشكل دقيق، ليكون أي صدام بينهم قابل للتطويق إن حصل، والعمل على مبدأ "تمنى الأفضل واستعد للأسوء".
الكلمات المفتاحية