تقارير | 2 05 2023

"تعودتُ كل يوم قبل الاستغراق في النوم، أن أسرح بخيالي في العثور على مبلغ مالي كبير، أو جرة من الذهب، أشتري بها منزلاً وسيارة، وأعوض أسرتي كل الحاجيات التي تنقصها"، قال عبد الله الذي يعاني من واقع معيشي قاسٍ، حول "أحلام اليقظة" التي يستمتع بها، وهو ما يعرف في علم النفس بمتلازمة "الميتومونيا".
تعرف متلازمة "الميتومونيا" بأنها نشاط من التخيل الواسع الذي يحل محل التفاعل البشري، أو يتداخل مع العلاقات الشخصية أو الجانب المهني. قد يكون مرتبطاً بعدة أمور تشجع الضحايا الذين يعانون منها على الانفصال من عالمهم الواقعي والغوص في الخيال.
"أحلم بحقيبة دولارات"
ضغوط اقتصادية كبيرة يواجهها عبد الله الذي يعيش في مدينة إدلب، ويعمل بائعاً متجولاً على عربة، ولديه ثلاثة أطفال.
اقرأ أيضاً: في اليوم العالمي للصحة النفسية .. هل أنت "صحيح نفسياً"؟
قال عبد الله لـ"روزنة" إنه كلما ضاقت به الحال لجأ إلى أحلام اليقظة، قبل النوم مباشرة، ليحلم بأنه عثر على حقيبة مليئة بالدولارات، ليشتري بيتاً بدلاً من الذي يقيم فيه بالأجرة، إضافة إلى أمور أخرى يشاهدها ويتمنى أن يحصل عليها، لكن ليس بإمكانه الحصول عليها في الواقع.
وبابتسامة ساخرة، أضاف: "ربما هو نوع من الجنون، لا أعلم ما هو تحديداً، لكن ماذا أفعل؟ فأنا عاجز عن تأمين معظم متطلبات أطفالي، فأنا أعمل طيلة النهار لأحصل على مبلغ يتراوح بين 75 و 100 ليرة تركية، يذهب ربعها لأجرة المنزل، بينما يتوجب عليّ أن أتعامل مع ما تبقى ليكفي العائلة حتى نهاية الشهر، ولا يكفي".
وقبل أن يغادر، قال: "على فكرة، ما أقوله عن أحلام اليقظة ربما يبدو مضحكاً للبعض، إلا أنه بالنسبة لي نوع من التخفيف عن النفس".
أسبابها وتشخصيها
يقول فرويد عن أحلام اليقظة بأنها "أداة لتجربة رغبات مكبوتة، أو غرائز غير مقبول تنفيذها في عالم اليقظة".
وغالباً ما يلجأ الأشخاص إلى "أحلام اليقظة" في حالة من الابتعاد عن الواقع، خصوصاً في أوقات ما قبل النوم.
وفي حديث خاص لـ"روزنة" أكد الخبير النفسي الدكتور خالد الخليل أن أسباب "متلازمة الميتومونيا" تتعلق بالحالة النفسية للفرد، وبعدم قدرته النفسية على التكيف مع الواقع، وبالتالي يجنح إلى الخيال ويعوض عن الواقع الذي يعيشه.
وأوضح الخليل أن لكل مرحلة من مراحل النمو حاجات ومتطلبات، "فإذا تم تأمين متطلبات النمو أشبعت هذه الحاجات، وإذا لم تشبع تلك الحاجات تبقى قائمة حتى إشباعها، وعندما لا نتمكن من تحقيقها في الواقع، نجنح إلى الخيال للتعويض عن الواقع الذي نعيشه".
وحسب قوله، قد تكون تلك الأسباب اقتصادية كالفقر، أو نفسية، وقد تكون أسباباً اجتماعية، وهذه المتلازمة شبيهة بأحلام اليقظة التي يعيشها المراهقون، عندما لا يستطيعون التكيف مع الواقع يجنحون إلى أحلام اليقظة لتلبية حاجاتهم الدفينة، وقد تكون تلك الحاجات شعورية وقد تكون لا شعورية.
ويشير إلى أن تلك الظاهرة تكثر في المجتمعات التي ينتشر فيها القهر والمعاناة والظلم، والتي تعاني من تفاوت طبقي كبير جداً، وتقل فيها فرص العمل، ويكثر الجشع.
"يحاول الشخص البحث عن نفسه في الآخرين، ولا يستطيع تحقيق ذاته في أرض الواقع فيجنح إلى الخيال، ويقوم بسلوك تعويضي عن طريق اللاوعي، وأحلام اليقظة، وليظهر بسلوك مهزوم بأنه هو المنتصر، بينما يشعر آخرون بأنهم مهزومون بحيث لا تكتمل معهم تلك الأحلام، وذلك لدى الأشخاص الاكتئابيين، والذين تسيطر عليهم النظرة السوداوية"، يشرح الدكتور خالد الخليل.
هل الميتومونيا اضطراب نفسي؟
في الاضطرابات النفسية لا يشعر المصاب بأنه يعاني من اضطراب ما، بينما يظهر ذلك على محيطه من خلال تصرفاته وسلوكياته اليومية.
وفي حالة "الميتومونيا" لا يمكن اعتبار الشخص مضطرباً، قال الدكتور الخليل، "فهي ليست مرضاً نفسياً في حدها البسيط العادي، لأنه يمكن اعتبار الشخص حينها مثل الجائع الذي يتخيل بأن لديه وليمة كبيرة، فذلك يعبر عن حاجته للطعام، أو قد تكون الحاجات جنسية، أو مادية، فيجنح لتعويض تلك الحاجات عبر الخيال، وهي في حدها الطبيعي أمر عادي جداً، لأنها وسيلة من وسائل التكيف مع الواقع، لكنها عندما تبعد الشخص عن الواقع وتجعله يعيش في الخيال تصبح مرضاً وتحتاج إلى علاج".
وتابع حديثه بأن من تبعاتها انفصال الإنسان عن الواقع، فيعيش في عالم الوهم ليصل إلى مرحلة تصديق ما يتخيله ويصبح لديه واقعاً، والوهم حقيقة.
قد يهمّك: الآثار النفسية لاستخدام الأطفال الأجهزة المحمولة.. تعرف إليها
وفي حين تشير الدراسات النفسية إلى أن نسبة الأشخاص الذين يعانون من "متلازمة الميتومونيا" تبلغ 80%، يعتقد الخليل أن النسبة أكبر، "لأن من مظاهر الميتومونيا ما تتركه المسلسلات والأعمال الفنية، وشخصية البطل الخارق على الشباب، كشخصية مراد علم دار في مسلسل "وادي الذئاب"، أو "الزير سالم"، حيث يحاول بعض الشباب تقليد تلك الحالات عبر الوهم".
أما بما يخص العلاج فإنه يخالف ما يقوله البعض بأنها ليس لها علاج، "لكن في الحقيقة أنه يوجد لها علاج".
ومن أنواع العلاج التي طرحها "جعل الشخص الذي يعاني منها مرتبطاً بالواقع، كتمارين الاسترخاء العضلي والتنفس العميق أو تقنية التأريض (5 – 4 – 3 – 2 – 1)، وهي التركيز على خمسة أشياء يراها أمامه، فيركز على أربعة أصوات يسمعها، ويلمس ثلاثة أشياء موجودة حوله، ويشم رائحتين مميزتين، ويتذوق شيء واحد، والهدف هو جعله يركز على الواقع ليتخلص من الخيال".
استيقظ الكثيرون من أحلامهم الوردية التي عاشوا خلالها حياة الثراء، ليتابعوا معركتهم مع الحياة لتحصيل لقمة عيشهم، دون أن يتمكنوا من العثور على تلك الحقيبة، أو الكنز المفقود.