فازت مبادرة مسارات للتعليم عن بعد بجائزة "قلادة مؤسسة الأمير محمد بن فهد العالمية لأفضل الأعمال التطوعية" بنسختها الرابعة.

وجرى حفل تكريم الفرق الفائزة في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، بتنظيم من الاتحاد العربي للتطوع بالتعاون مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد، وبرعاية جامعة الدول العربية، وبالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة للمتطوعين وصندوق الأمم المتحدة للسكان، والاتحاد من أجل المتوسط، والمعهد العربي للتخطيط بدولة الكويت.

اقرأ أيضاً: ما قدرة السوريين على تعليم أبنائهم بالمدارس الخاصة؟

وتعنى مبادرة مسارات بالتعليم عن بعد "أونلاين"، عبر منصات إلكترونية مخصصة، لتقديم المناهج والدروس للطلاب بشكل مجاني، ما رشحها للقبول ضمن المبادرات والمشاريع التطوعية التي اعتمدتها لجنة التحكيم في جائزة "قلادة مؤسسة الأمير محمد بن فهد العالمية لأفضل الأعمال التطوعية"، مع 200 مبادرة تطوعية أخرى، تنافست للحصول على الجائزة الأولى، في عدة مجالات.

وبمناسبة الفوز بالجائزة " أقام فريق مبادرة مسارات للتعليم عن بعد حفلاً لفريقه العامل بالمبادرة في مدينة إدلب.

"الجائزة الأولى والأكبر كانت عندما نجح طلابنا وحققوا طموحاتهم"، بهذه الكلمات بدأ مدير المكتب الإعلامي في المبادرة عبد الرزاق ماضي حفل تكريم كادر المبادرة، يوم أمس، بمناسبة نيلها الجائزة، والذي جاء بالتزامن مع الذكرى الثالثة لانطلاقها. 

                  

                                                                                           
                                                                                    الأمين العام لمبادرة مسارات ياسر مدللة أثناء التكريم

واقع التعليم في إدلب

يعاني واقع التعليم في إدلب من صعوبات كبيرة، تتمحور في غالبيتها حول الدعم المالي للمعلمين والوسائل التعليمية في المدارس، ما تسبب بتغيير بعض المعلمين لمهنتهم، وتوجههم إلى مهن أخرى تضمن لهم المردود المادي الذي يعيلون به أسرهم، في ظل عمل الغالبية بشكل تطوعي، ودعم بعض المدارس من الحلقة الأولى للتعليم أساسي.

تتنوع أسباب التسرب المدرسي الذي يشمل أكثر من 36 ألف طالب في إدلب بين عمالة الأطفال وإعالة أسرهم نتيجة الحرب وفقدان المعيل، وبين أطفال آخرين يقيمون في مخيمات عشوائية لا توجد فيها مدارس، إضافة إلى التسرب الناتج عن النزوح المتكرر وخوف الأهل من إرسال أطفالهم إلى المدارس البعيدة، وأسباب أخرى لا يمكن تفصيلها في هذا التقرير.

ما هي مبادرة مسارات؟

مع استهداف المدارس بالقصف، وانقطاع عدد كبير من الطلاب عن مقاعد الدراسة، خصوصاً في الفترة التي شنت فيها قوات النظام السوري وروسيا العملية العسكرية الأخيرة عام 2019، وما نتج عنها من عمليات نزوح للأهالي، أصبحت النجاة بالحياة أولوية لدى العائلات النازحة. كل ذلك تسبب بانقطاع عدد كبير من الطلاب عن التعليم، وتسربهم.

توزعت العائلات في مخيمات النزوح العشوائية، إضافة إلى بلدات ومدن الشمال السوري، وكانت غالبية المخيمات تفتقر لوجود مدارس، إضافة إلى اكتظاظ وعدم قدرة مدارس بلدات ومدن الشمال على استيعاب الأعداد الكبيرة للطلاب الوافدين، فكان لا بد من البحث عن بدائل وحلول تضمن استمرار العملية التعليمية.

"اجتمع عدد من الأشخاص في 26 كانون الأول 2019، لمناقشة فكرة المبادرة التي لم تكن متبلورة في أذهان أولئك الأفراد المهتمين بالشأن العام، من نشطاء في الثورة السورية، ليتفقوا لاحقاً على اسم وآلية عمل المبادرة، وبعد إجراء عدة استشارات تربوية وتعليمية وقانونية، إلى جانب استشارات في مجال التدريب، لينطلق أول درس تفاعلي عن بعد في مبادرة مسارات أون لاين 26 آذار 2020 متزامناً مع بداية انتشار جائحة كورونا"، يقول عمر حاج أحمد نائب الأمين العام لمبادرة مسارات.

 
ويضيف الحاج أحمد في حديثه لـ"روزنة" عن بدايات المبادرة، بأن المبادرة انطلقت بـ 20 مبادراً، بين مدرسين واستشاريين، عبر اشتراك بسيط على منصة التعلم الإلكتروني (Microsoft Teams)  لـ 500 طالب فقط، لتنتهي المبادرة من خطوتها الأولى في الانطلاق، وتدخل في مرحلة التأهيل والتدريب.

ويوضح تطور العمل بشكل متسارع عبر زيادة عدد الكادر من استشاريين ومدرسين ومدربين وتقنيين ومبرمجين ليصل إلى 110 متطوعين، كل واحد منهم يقدم جزئية لتطوير عمل المبادرة، إضافة إلى زيادة عدد مقاعد الطلاب على منصة التعلم الإلكتروني (Microsoft Teams) من 500 إلى 500 ألف مقعد مجاني، نهاية عام 2021، بينما وصل العدد النهائي للمتطوعين اليوم 153 متطوعاً، منهم 40% في الداخل السوري، و60% موزعين في مختلف دول العالم.

كسبت المبادرة ثقة شركة "Microsoft Teams"، بحسب الحاج أحمد، فوقعت مع مجلس إدارة المبادرة اتفاقاً لزيادة عدد المقاعد المجانية للطلاب على المنصة إلى مليوني طالب، "بعد أن تأكدت من أنها مبادرة تطوعية لا تهدف إلى الربح، ولا تتقاضى أي مبلغ مالي من الطلاب، كما أنها لا تستفيد مادياً من عائدات الدروس على منصات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة".

وحتى تكون الخيارات أوسع أمام كوادر المبادرة وطلابها، يبين نائب الأمين العام للمبادرة: "لم يكن الاعتماد فقط على منصة التعلم الإلكتروني (Microsoft Teams) التي تستخدم للدروس التفاعلية، وإنما كان الاعتماد الرئيس على المنصة الخاصة بالمبادرة "LMS"، وهي عبارة عن موقع تعليمي تضاف إليه جميع الدروس، حسب الدروس والشعب المتوفرة في المبادرة".

ومواكبة للتوسع وزيادة الإقبال، يعمل التقنيون والمبرمجون على تطوير العمل، فيضيف الحاج أحمد، "نحن الآن في طور إعادة البرمجة لمنصتنا (LMS) من جديد، حتى يكون لها واجهة تطبيقية خاصة بها، إضافة إلى تطبيق أندرويد خاص بالمبادرة بشكل عام، لأننا بحاجة إلى إعادة نشر الدروس التفاعلية، عبر إعادة تحريرها ونشرها على منصتنا، بدون تفاعل الطلاب ومشاركاتهم خلال الحصص الدرسية، مصورة في استوديوهات مخصصة".
 

عن مسار التعليم المدرسي

لا تقدم مبادرة مسارات نفسها على أنها بديل للمدرسة، وإنما هي رديف لها، إلا أن الظروف القاهرة في الشمال السوري جعلتها بديلاً لدى بعض المستفيدين، الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى مقاعد الدراسة، بينما استفاد منها طلاب آخرون لتعزيز معلوماتهم التي يحصلون عليها في مدارسهم.

وللوقوف على مسار التعليم المدرسي وإعطاء الدروس، حدثنا قائد مسار التعليم المدرسي، المدرس محمود السلوم، قائلاً: "يهدف هذا المسار إلى تيسير وصول التعليم المدرسي إلى الطلاب الذين وجدوا أنفسهم خارج المنظومة التعليمية، على ضوء النزوح والتهجير القسري في الداخل السوري".

 ويضيف موضحاً الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، بأنه يهدف أيضاً إلى: "مساعدة طلاب التعليم بجميع مراحله، مع التركيز على طلاب الشهادتين الأساسية (الصف التاسع) والتعليمِ الثانويّ بفرعيه العلميّ والأدبيّ، على إكمال المقررات المدرسية، واجتياز الامتحانات النهائية".

وعن الآلية، تحدث قائلاً: "يتم في هذا المسار شرح المقررات المدرسية من قبل الكادر التدريسي بطريقة مباشرة وتفاعلية، عبر منصة التعلم الإلكتروني (Microsoft Teams). كما يقوم فريق تكنولوجيا التعليم باستخدام الدروس التفاعلية في صناعة كورسات تعليمية للمواد، ترفع على منصة إدارة التعلم، ما يتيح للطلاب متابعة الدروس بشكل غير متزامن، ودون الحاجة لتواجد المعلم، ما يتيح إيصال المعرفة والتعليم إلى أعداد أكبر من المتعلمين".

 ووعد السلوم بأن فريق المبادرة يسعى إلى تغطية جميع المراحل التعليمية، وتوسيع القدرة الاستيعابية والتوزع الجغرافي للطلاب المستفيدين من مسار التعليم المدرسي.

نجاحات بعض المستفيدين

بما أن نجاح العمل يرتبط بنتائجه، فإن نتائج غالبية الطلاب في مبادرة مسارات كانت مبهجة، ربما يعود السبب إلى أنهم سجلوا فيها بدافع كبير ورغبة في تحقيق أهدافهم، مع الإشارة إلى أن المبادرة تركز على شرائح محددة، من بينها النازحون وذوو الاحتياجات الخاصة غير القادرين على الذهاب إلى المدرسة، والأطفال المنخرطون في المهن وأسواق العمل المتسربون من التعليم، إضافة إلى كبار السن من الراغبين في متابعة تعليمهم.
 

تعبّر الطالبة فائزة، وهي مهجرة من قرية الشيخ مصطفى بريف إدلب الجنوبي، وأم لثلاثة أطفال، عن امتنانها لمبادرة مسارات التي تمكنت عبرها من تحقيق حلمها، بمتابعة دراستها وحصولها على الشهادة الثانوية التي أهلتها للتسجيل في كلية الآداب بجامعة إدلب، قسم الجغرافيا.

تقول: "سجلت في المبادرة، وتابعت، وشعرت بالأمل، بعد أن أصابني الإحباط، والحمد لله تابعت جميع الدروس، واستفدت بشكل كبير. وحققت حلمي الذي كاد أن يتبدد".

وفي الوقت الذي فقدت فيه الطالبة آية كعيد مدرستها في مدينة معرة النعمان، نتيجة التهجير، واستقرار عائلتها بمدينة إدلب، كاد الإحساس بالغربة ومرارة النزوح أن يفقدها الأمل، في ظل عدم قدرة عائلتها على تسجيلها في المدارس الخاصة بسبب الوضع المادي الصعب، والأقساط المرتفعة، لولا بارقة الأمل التي أشعلتها مبادرة مسارات في طريقها نحو تحقيق الهدف.

تقول آية متحدثة عن تجربتها: "سمعت بمبادرة مسارات عن طريق الإنترنت. فتواصلت معهم وسجلت. أشرفوا على تقديم المناهج لنا بشكل مفصل واهتمام كبير، راجعت تسجيلات اليوتيوب، وتابعت معهم البث المباشر، وتمكنت من النجاح في الشهادة الثانوية، وأدرس اليوم في جامعة الحياة، قسم القبالة". مضيفةً: "أتوجه لمسارات وكوادرها بأحر الشكر والتقدير، أدعو لهم من كل قلبي".

زميلتها رهام تناري، كانت من الطالبات المتفوقات بمدرستها في مدينة معرة النعمان قبل التهجير إلى مدينة إدلب. تروي سعيها في طريق النجاح، فتقول: "كان اليأس مسيطراً عليّ. حتى كتبي لم أتمكن من حملها معي أثناء النزوح، من شدة القصف والرعب الذي عشناه، كما أنني لم أتمكن من العودة للدراسة بسبب صدمة النزوح وبيئة الحياة الجديدة".

عن طريق إحدى صديقاتها سمعت بالمبادرة، سجلت فيها، تابعت مع مدرسيها، وزاد حماسها بشكل كبير، وتتابع الحديث: "أصغيت إلى نصائح المدرسين الذين شجعوني، لم يتركوا شاردة وواردة إلا وشرحوها لنا، لم يبخلوا بأي شيء علينا، وبفضل الله درست واجتهدت وتعبت، وبفضل تلك المبادرة الرائعة حققت الحلم الذي كنت قد وضعته لنفسي منذ الصغر، فدخلت كلية الصيدلة بجامعة حلب الحرة، وأشجع كل المنقطعات عن التعليم بألا ييأسن".

الجائزة الأولى على مستوى الوطن العربي

جائزة "قلادة مؤسسة الأمير محمد بن فهد العالمية لأفضل الأعمال التطوعية" هي الجائزة الأولى عربياً في مجال التطوع، والثانية عالمياً باعتماد من مكتب الأمم المتحدة للمتطوعين، والذي يشارك في دراسة ملفات الفائزين فيها.

في إطار خطة فريق مبادرة مسارات الرامية لتطوير العمل في المبادرة، توصل الفريق إلى جائزة القلادة، والتي منحت لثلاث سنوات ماضية جوائزها لفرق تطوعية في الوطن العربي، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تخصيص جائزة للمبادرات التطوعية في مجال التعليم والقضاء على الجهل.

                       

                                                               
                                                                 ممثلو المبادرات التطوعية الفائزة بالجائزة من أمام مبنى جامعة الدول العربية بالقاهرة

يتحدث نائب الأمين العام لمبادرة مسارات عمر حاج أحمد عن مراحل الحصول على الجائزة، قائلاً: "بعد تقديم ملفنا إلى اللجنة المنظمة للجائزة، دُرس الملف كاملاً من قبل لجنة تحكيم مكونة من 13 عضواً، منهم أعضاء في المكتب العربي للتطوع، وآخرون من الخبراء في جامعة الدول العربية، إضافة إلى أعضاء من مكتب الأمم المتحدة للمتطوعين، وبعض المؤسسات الموجودة في الكويت وقطر وإندونيسيا".

قد يهمّك: تقرير: مئات المنشآت التعليمية استُهدفت في سوريا وأطفال بلا تعليم

اعتمدت لجنة التحكيم على أكثر من 30 معياراً للفوز بالجائزة، أهمها الاستدامة، واحترام كرامة الإنسان، والحوكمة، ومدى تحقيق الأهداف، إضافة إلى التواجد على الأرض، وبحسب الحاج أحمد، فإن "مبادرة مسارات حققت أعلى الدرجات في معيار احترام كرامة الإنسان، ما أهلها للفوز".

انعكاسات الجائزة على المبادرة

لم يكن الفوز بالجائزة هو الإنجاز الوحيد الذي تحقق للمبادرة، وليس أيضاً تكريم الكادر من المتطوعين في الداخل السوري، وإنما فتحت الجائزة آفاقاً جديدة للمبادرة، وأوصلتها إلى المستوى العربي، إضافة إلى إيجابيات ستنعكس لاحقاً على المستفيدين من المبادرة.

يؤكد عمر حاج أحمد أن حصولهم على الجائزة حقق للمبادرة نقلة نوعية، من حيث التشارك والتشبيك مع بعض الجهات الفائزة، والاتحاد العربي للتطوع، واتفاقيات ومذكرات، وأهمها دخول المبادرة إلى الاتحاد العربي للتطوع.

                       

                                                                               
                                                                                           تكريم كادر مبادرة مسارات في الداخل السوري

تأتي الجائزة التي حصلت عليها مبادرة مسارات لتزيد من مسؤولية كادر المبادرة، كما قال الأمين العام ياسر ياسين مدللة في كلمة افتتاح حفل التكريم الخاص بالكادر، والذي جرى مساء يوم أمس السبت، معتبراً أنهم سيحملون الجائزة بيدٍ وباليد الأخرى سيسعون لتحقيق نتائج أفضل، وهو المطلوب منهم في المرحلة المقبلة.