تقارير | 24 02 2022

تبحث أم محمد بقلق وخوف عن مكان لاحتضان ابنها الذي لم يتجاوز من العمر 21 يوماً، بعدما تفاجأت بخبر إغلاق قسم الأطفال في مستشفى "وسيم معاز" داخل معبر باب السلامة في اعزاز على الحدود السورية التركية.
"لا أعرف أين سأذهب بابني، أخاف أن يصيبه مكروه إن أخرجته من هنا" تقول أم محمد لـ"روزنة".
أم محمد، 25 عاماً، إحدى السيدات النازحات المستفيدات من الخدمات الطبية المجانية في مستشفى وسيم معاز داخل منطقة باب السلامة الحدودي بمنطقة اعزاز.
توقّف عمل المراكز الطبية في الشمال السوري لا يزال مستمراً ويهدّد حياة آلاف السوريين، آخرها توقف عمل مركزين طبيين مخصّصين للأطفال بريف حلب جراء توقف المنحة المخصصة لهما، بحسب ما أعلنت منظمة "الأطباء المستقلين" (ida)، ما قد يشكّل خطراً على حياة الأطفال ويزيد من انتشار الأمراض.
منظمة "ida" قالت عبر بيان لها، الثلاثاء، إنّ مستشفى الأمل التخصصي لطب الأطفال ببلدة الغندورة شمال شرقي حلب، وقسم الأطفال بمستشفى "وسيم معاز" في مدينة أعزاز، سيتوقفان عن استقبال المرضى ابتداء من أمس الأربعاء وحتى إشعار آخر.
المسؤول الإعلامي في المنظمة، ياسر علي، أوضح لـ"روزنة": أنّ المنظمة أعلنت إيقاف العمل ضمن المركزين بسبب نفاد المستهلكات الطبية والأمور التشغيلية، مع انقطاع الدعم وعدم استجابة أي جهة مانحة لنداءاتهم من أجل استمرار دعم المركزين.
وأبلغت المنظمة الجهات المانحة قبل 10 أيام بنيتهم إغلاق المركزين الطبيين في حال عدم تجديد الدعم، دون استجابة من أي جهة، وفق علي، الذي أوضح أنّ جميع الكوادر الطبية العاملة بالمركزين كانت تعمل بشكل تطوعي منذ مطلع العام الجاري لتأمين الخدمات الطبية للمرضى.
وتوقف الدعم عن 18 منشأة طبية ما يهدّد حياة مليون ونصف شخص في شمالي سوريا، بحسب ما أعلن فريق "منسقو استجابة سوريا"، شهر كانون الثاني الفائت، محذّراً من العواقب الكارثية المترتبة على إيقاف الدعم للمنشآت الطبية وازدياد المخاوف من انتشار الأوبئة شمالي سوريا.
اقرأ أيضاً: كارثة صحية تهدّد حياة مليون ونصف شخص شمالي سوريا
ومنذ مطلع العام الحالي ارتفع عدد قبولات المرضى في المركزين الطبيين بمنطقتي الغندورة وأعزاز بسبب الأمراض الموسمية والانتشار الكبير لمرض التهاب القصبات الشعرية، إضافة إلى وجود موجة جديدة لفيروس كورونا، وفق المنظمة، لافتةً إلى أنّ نسبة إشغال الأسرة 100 في المئة.
وسيقتصر العمل فقط على التدابير الإسعافية في قسمي الأطفال دون وجود إمكانية للاستشفاء.
أطفال معرّضون لمخاطر صحية!
رئيس التمريض في مستشفى وسيم معاز، محمد حنورة، يقول لـ"روزنة": إن العديد من الأطفال في المستشفى سوف يعانون من إغلاق القسم، هناك أطفال يعانون من الآفات القلبية والآفات التنفسية ويستدعي استشفاؤهم وقتاً طويلاً.
وبتابع أن أولئك سوف نعتذر منهم ونخرّجهم إلى مستشفيات، هي الأخرى تغص بالمرضى، أو سوف نرسلهم إلى منازلهم تحت عامل الخطورة، وفي حال تدهور وضعهم الصحي سيضطرون لمراجعة مستشفيات أخرى.
خبر إيقاف عمل قسم الأطفال بالمستشفى في اعزاز كان مؤلماً كما كان صادماً لأم محمد: "الكثير مثلي ممن أعرفهم وضعهم المادي تحت الصفر، وفي حال لم يستطيعوا الوصول إلى مستشفيات تقدمات الخدمات مجاناً ربما يفُجعوا بوفاة أطفالهم".
300 موظف بلا عمل
الآن 300 موظّف عاطل عن العمل بسبب انقطاع الدعم عن مستشفى الأمل وقسم الأطفال بمستشفى "وسيم معاز"، بحسب علي.
ويخدم مستشفى الأمل التخصصي للأطفال 3700 ألف نسمة شهرياً، و45 ألف نسمة سنوياً، وبعد توقفه سيضطر المرضى للذهاب إلى مستشفى جرابلس الذي يبعد 35 كيلو متراً أو إلى مستشفى الراعي الذي يبعد 40 كيلو متراً أو إلى مدينة الباب التي تبعد 90 كيلو متراً ما قد يشكّل إرهاقاً مادياً وجسدياً للأهالي والمرضى.
"مستشفى الأمل" مخصص لرعاية الأطفال والنساء، ووفق علي، إن قسم النساء لم يتوقف عنه الدعم، ما يعني أن النساء تستطيع الولادة داخل المستشفى لكن إن احتاج الوليد إلى حضّانة فإنهم غير قادرين على تقديم تلك الخدمة والخدمات الأخرى الخاصة بالأطفال.
وخلال عام 2021 بلغ عدد الولادات في مستشفى الأمل 2600 ولادة.
قد يهمك: حملة لدعم 1000 مريض سوري بحاجة للعلاج في تركيا
كارثة صحية
مستشفى "وسيم معاز" الذي يخدم 650 ألف شخص شهرياً في المنطقة، من كافة الاختصاصات، يقع ضمن منطقة حيوية في اعزاز، ويخدم عشرات المخيمات الحدودية، وفق علي، الذي لفت إلى أنّ 80 بالمئة من خدمات المستشفى مقدّمة لأهالي المخيمات.
وحذّر علي أنّ انقطاع الدعم وإيقاف عمل المركزين قد يؤثّر على حياة الكثير من الأطفال وقد يؤدي إلى وفيات وبخاصة لدى الولادات الحديثة، ما عدا انتشار الأمراض مثل سوء التغذية والأمراض الموسمية والأمراض المعدية مثل التهاب القصبات الشعرية.
ولا يسمح تردي الوضع المعيشي للسوريين بالذهاب إلى المستشفيات الخاصة مدفوعة الأجر ولا سيما أهالي المخيمات.
أم محمد توجّه رسالة لجميع الجهات المانحة: "هي المستشفيات مهمة إلنا وما لازم توقف عملها، بيوتنا راحت ونحن مهجرين ووضع معظم النازحين تحت الصفر".
ويعيش 90 في المئة من السوريين في "فقر" و60 في المئة منهم يعانون "انعدام الأمن الغذائي"،بينما " 7.78 مليوناً لم يكن لديهم عدد أطباء أو مرافقة طبية مستوفية للمعايير الدنيا المقبولة عالمياً"، بحسب تقرير قدّمه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لمجلس الأمن الدولي الشهر الفائت.
مركزان صحيان خارج الدعم
إلى جانب توقف الدعم عن مستشفى الأمل وقسم الأطفال في "وسيم معاز" توقف الدعم أيضاً عن مركز صحي "مستوصف" بمخيم "زوغرة" قرب جرابلس شمالي حلب، والذي يقدّم الخدمات الصحية لنحو 15 ألف نسمة في المنطقة، وبحدود 3 آلاف خدمة شهرياً، وعن "مركز الباب الصحي" في مدينة الباب شرقي حلب، بسحب المسؤول الإعلامي لمنظمة "الأطباء المستقلين".
وتدعم منظمة "الأطباء المستقلين" حالياً مستشفى "وسيم معاز" ما عدا قسم الأطفال، و25 مركزاً صحياً (مستوصف) في حلب وإدلب، إضافة إلى 9 مراكز لقاح وبنكي دم وعيادتي أسنان متنقلتين.
وفي مدينة عفرين شمالي حلب، التي تستضيف نصف مليون نازح، توقّف مستشفيان مجانيان عن العمل (المحبة والسلام) بسبب توقف الدعم، بحسب ما قال لـ"روزنة" الشهر الفائت، عضو مجلس عفرين المحلي، آزاد عثمان.
وسبق أن توقف الدعم عن مستشفى الإخاء للنسائية والأطفال في أطمة بريف إدلب، وخرجت الطبيبة منال زهران رئيسة قسم الأطفال في تسجيل مصور نشرته مديرية صحة إدلب أواخر الشهر الفائت، وحذّرت من خطورة إيقاف الدعم.
وكانت منظمة الصحة العالمية، قالت في الثامن من الشهر الجاري إنها تسعى لإيجاد تمويل لـ 18 مستشفى شمال غربي سوريا، بعد قطع منظمات دولية دعمها عنها.
ووجهت منظمة الصحة العالمية مطلع الشهر الفائت نداءً طارئاًَ لتوفير 257.6 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الصحية الحرجة في سوريا والحفاظ على الرعاية الصحية الأساسية، وتقديم الخدمات المنقذة للحياة وبناء نظام صحي مرن، وفق موقع "الأمم المتحدة".
ووفق المنظمة إنّ هناك 3.1 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة الصحية، من بين 4.4 مليون في شمال غربي سوريا، وترتبط التحديات الحرجة بزيادة انعدام الأمن والنزوح وارتفاع مستويات الفقر.