تقارير | 25 05 2020
شفق كوجكلم يتخيل رأفت وهو على متن قوارب الموت مهاجراً إلى أوروبا، أنه سيعاود المخاطرة من جديد بعد عام ونصف من اللجوء إلى ألمانيا، سالكاً طريق تهريب آخر، عائداً إلى سوريا.
يؤكد رأفت أنه فضل الموت بقذائف الحرب على الاستمرار بعيداً عن زوجته وأولاده المتواجدين في مدينة دمشق، وخصوصاً بعد تأخر إجراءات لم شملهم.
يقول: "كنت أحلم باللحظة التي أستقبل فيها عائلتي من المطار و أجتمع بهم، لكن بعد طول انتظار حسمت أمري، تخليت عن إقامتي وقررت العودة، توجهت إلى اليونان، ثم سلكت طريق تهريب بري إلى تركيا، بما أن السفارة التركية رفضت منحي الفيزا لدخول أراضيها، عانيت الكثير للعودة إلا أن ذلك كله يهون فعائلتي بأمس الحاجة إلي".
ويضيف رأفت بأنه تابع رحلة العودة من تركيا إلى لبنان ثم إلى سوريا، بشكل نظامي عبر جواز سفره السوري، والذي مكنه من دخول البلاد بلا أية مشاكل تذكر حسب تعبيره.
عدم التأقلم
اقرأ أيضاً: محكمة هولندية.. إدانة في قضية غرق طفلة سورية
في الوقت الذي باتت فيه أوروبا وجهة مغرية للعديد من السوريين الفارين من الحرب، اتخذ البعض الآخر قرار العودة منها إلى سوريا أو تركيا، مدفوعين بأسباب مختلفة، فمع مطلع العام الحالي أشارت الحكومة الألمانية في بيان رسمي لها، إلى أن أكثر من 20 ألف لاجئ عادوا طوعاً إلى بلادهم خلال الفترة بين شهري كانون الثاني ونيسان الماضيين، وتحدثت عن حوالي 22 ألف لاجئ عادوا في عام 2015، ونحو 14 ألف لاجئ في عام 2014.
أبو عمار، لاجئ سوري في هولندا منذ حوالي العامين، تخلى عن إقامته الأوروبية برفقة عائلته، وفضل الرحيل عن "أرض الأحلام"، متوجهاً إلى تركيا وراجياً بداية حياة جديدة هناك.
"بعد خوضنا رحلة بحرية خطيرة للوصول إلى هولندا، لم ننجح مع مرور الأيام في التعايش مع مجتمعهم و عاداتهم فهم مختلفون تماماً عن المجتمع الذي قدمنا منه، وأنا كوالد شعرت بالخوف على بناتي من الانفتاح الحاصل في أوروبا، وبما أن واجبي يقتضي حماية أسرتي حسمت أمري بالتخلي عن حق اللجوء" يقول أبو عمار.
ويضيف أبو عمار بأن زوجته وبناته، تعرضن لمضايقات في هولندا بسبب الحجاب، وهذا أحد الأسباب التي دفعته للعودة، وخصوصاً بعد توتر الأوضاع في أوروبا عموماً وعدم تقبل بعضهم للعرب والمسلمين، وبما أن خيار العودة إلى سوريا ملغى بالنسبة إليه نتيجة استمرار الحرب، استقر في تركيا، فعلى حد قوله "يمكن للسوريين أن يعيشوا فيها، دون أن يتعرضوا للعنصرية بسبب دينهم".
رغم تميز بعض الدول الغربية في استقبال اللاجئين والترحيب بهم في أراضيها، كألمانيا والسويد وكندا، فإن زياد نفوذ الأحزاب اليمينية في أوروبا عموماً، وسلوكها المعادي ضد اللاجئين، بات يثير القلق في نفوس العديد منهم ويجعلهم يفكرون بالعودة، ففي ألمانيا مثلاً يرتفع صوت اليمين القومي المتشدد، حاشداً ضد وصول اللاجئين إلى البلاد، بظل ارتفاع نسبة مؤيديه، وفقاً لآخر الاستطلاعات.
ليست جنة
لم تخف دانة وهي إحدى اللاجئات السوريات في ألمانيا، رغبتها الملحة في الرجوع إلى بلادها، رغم مرور أكثر من عام على لجوئها برفقة والديها، فانتظارها المرير بغية الحصول على أوراق الإقامة أصابها بإحباط واكتئاب مزمنين.
توضح دانة: "فررت وعائلتي من الحرب في سوريا معتقدين أن أوروبا هي الجنة، إلا أن حياتنا توقفت مذ دخولنا وعيشنا في الكامب فنحن كالسجناء تماماً والظروف صعبة للغاية، ولم نحصل على الإقامة حتى الآن، وإن طال الأمر بنا أكثر، فقد نجد طريقة للعودة من حيث أتينا".
ولا يستطيع السوري الراغب بالتخلي عن حق اللجوء في أوروبا عموماً، السفر إلا بعد حصوله على أوراق الإقامة ووثيقة السفر، وإن كان يملك جواز سفر فإنه يستطيع العودة إلى سوريا أو إلى بلد لا يفرض فيزا على السوريين.
خيبة أمل
استقبلت أوروبا الكثير من السوريين، بعضهم استطاع التأقلم والبدء بحياة جديدة، والاندماج بالمجتمعات.
اقرأ أيضاً: قيود أوروبية على التأشيرات للدول التي لا تستعيد مهاجريها
تشير سابين موسى وهي خبيرة بشؤون اللاجئين، وعاملة في إحدى مراكز اللجوء في مدينة إيسين الألمانية، إلى أن العديد من السوريين صدموا بمجرد وصولهم إلى أوروبا، ظانين أن الأوروبيين سيقدمون لهم المنازل والمال والسيارات، ولم يعتقدوا أن انتظارهم في مراكز إيواء اللاجئين قد يدوم شهوراً طويلة.
تتابع: "لاشك أن تزايد أعداد اللاجئين إلى أوروبا، ووضعهم في مراكز إيواء قد تكون ظروفها سيئة، بالإضافة إلى بطء إجراءات سير الإقامة، كلها مجموعة من الأسباب التي تدفع البعض منهم للعودة إلى بلاده".
وتنوه بدورها إلى أهمية العامل النفسي والاجتماعي لدى اللاجئين الذين يفكرون بالتخلي عن حق اللجوء، فالقارة العجوز مختلفة تماماً بعاداتها وثقافاتها عن المجتمعات التي جاءوا منها، ما عدا اختلاف اللغة والذي يعد مشكلة كبيرة لدى اللاجئين الذين لا يتمتعون بتحصيل علمي كاف.
حتى الآن لا توجد معلومات دقيقة، عن أعداد اللاجئين السوريين الذين تخلوا عن حق اللجوء في أوروبا وعادوا إلى بلادهم، إلا أن قصص وشهادات البعض منهم تشير إلى أن الأمر بات في ازدياد ملحوظ.