تقارير وتحقيقات | 30 06 2025
روزنة
زار وفد من منظمة اليونسيف واللجنة الدولية للصليب الأحمر، قبل أيام، محطة علوك لضخ المياه في منطقة رأس العين بالحسكة، بغرض إجراء تقييم جديد وصولاً إلى إعادة تأهيل المحطة لضمان وصول للمياه لمئات آلاف المدنيين في المحافظة، يعانون منذ سنوات من انقطاعها.
وأوضحت "اليونسيف" إن المهمة بارزة بغرض تقييم جدوى ربط محطة مياه علوك بشبكة المياه التركية، في خطوة حيوية ومهمة هي الأولى من نوعها العابرة للحدود والخطوط من سوريا إلى تركيا وبدعم من جميع الجهات، وفق ما نشرت على حسابها الرسمي في فايسبوك.
وأشارت إلى ما وصفته الدور المحوري لـ"القيادة الثابتة" لوزارة الطاقة السورية في تحويل هذه الرؤية إلى واقع، مضيفة: "هذه المهمة التاريخية هي شهادة قوية على ما يمكن إنجازه عندما تقود القيم المشتركة الطريق، وعندما يصبح الماء قوة قوية للوحدة والكرامة والأمل، لكل طفل".
بدورها، قالت لجنة "الصليب الأحمر" عبر معرفاتها الإلكترونية الرسمية، إن الزيارة يوم الثلاثاء الماضي إن إعادة تشغيل المحطة وضمان عملها بشكل مستدام سيستغرق وقتاً، معبرة في الوقت ذاته عن التزامهم بإعادة ما وصفته بـ"الشريان الحيوي للحياة وضمان الاستقرار للمجتمعات المتأثرة بالنزاع".
وشملت الزيارة التي جرت بالتنسيق مع وزارة الطاقة في الحكومة السورية الانتقالية، بغرض تقييم جدوى ربط محطة مياه علوك مع شبكة الكهرباء التركية، ضمن "خطوة حيوية نحو استعادة المياه الآمنة لمئات الآلاف من الناس، والغالبية العظمى من الأطفال والنساء"، وفق المنظمة.
كيف استقبل الأهالي خبر الزيارة، وما انطباعاتهم حولها واحتمالية انعكاسها إيجاباً على الواقع الذي يصفونه بالمأساوي منذ سنوات في ظل انقطاع المياه والاعتماد على شراء مياه يقولون إنها غير صالحة للشرب. مراسل روزنة حسن حسين استطلع عدد من الآراء، نعرضها في السطور التالية.
محطة علوك في ريف الحسكة - يونسيف سوريا (تعديل حجم وقياس روزنة)
الحسكة شاحبة
وقال إدريس إبراهيم من سكان مدينة الحسكة في حديثه مع روزنة اليوم الاثني إن المعاناة في تأمين المياه توجد في كل بيت بالحسكة وعند كل معيل أسرة من مختلف الطبقات، مؤكداً: "الجميع يعاني هنا".
وتابع: "المياه توزع على الأهالي وتعبأ من البئر إلى المنازل مباشرة! وهي مكلفة للغاية (...) الأمر مرهق نفسياً ومتعب اقتصادياً على جميع الأصعدة بالنسبة للمعاناة في تأمين المياه (...) معاناة طويلة جداً جداً ونتمنى ينتهي هذا الأمر".
كما أشار "إبراهيم" إلى أن الاعتماد بعد انقطاع مياه علوك، أصبح على الآبار "والمصيبة إنهم يأتون بها من آبار لا تصلح للشرب وغير معالجة"، وفق قوله، كما حمل المسؤولية الرئيسية لتركيا في قطع الشريان المغذي للمياه ما جعل "وجه الحسكة شاحباً" في ظل المعاناة المستمرة منذ سنوات.
وللدلالة على المعاناة الكبيرة، قال إدريس إن صنابير المياه للخط الرئيسي في منزله، لم تنزل منها قطرة ماء واحدة أو يضطر لفتحها منذ سنتين، وهناك دوماً تنبيه ضمن العائلة لعدم صرف المياه، حتى أن رش المياه في الشرفة المعتاد لترطيب الأجواء في ظل درجات الحرارة القاسية، لم يعد متاحاً.
قد يهمك: درجات الحرارة المرتفعة تُرهق أهالي الحسكة
مبادرات في كل سنة
عمر اسماعيل، مدرس من الحسكة، يصف نفسه من "ذوي الدخل المحدود" عند التعريف عن نفسه لروزنة، تحدث عن شرائه مع الغالبية من السكان لمياه من الصهاريج، إضافة للعبئ المادي، إذ يدفع 400 ألف ليرة سورية شهرياً مقابل التعبئة لمياه "غير صالحة للشرب"، يقول.
وطالب الجهات المسؤولة عن محطة علوك "أن ينظروا بعين المسؤولية لمعاناة أهالي الحسكة، والإسراع بإصلاح المحطة وضخ المياه".
بدوره، قال هجار معو إن الأهالي يلاحظون مبادرات دولية ومحلية في مثل هذه الفترة من كل سنة، موضحاً: "المبادرات إما تُنسى أو أن مشاريعها لا ترى النور وتستمر المعاناة، ويمكن هذا العام يكون مختلف نسبياً. نحن نتمنى أن يعاد الضخ وسيكون له آثار إيجابية ويخفف على الأهالي الكثير من الأعباء".
وتتبادل تركيا والإدارة الذاتية الاتهامات حول المسؤولية عن قطع المياه على الحسكة، في ظل اتهامات متبادلة أيضاً حول الأهداف التي يستهدفها الجيش التركي خاصة تلك التي نفذتها المسيرات التركية في أكتوبر 2023، واستهدفت منشآت لتوليد الكهرباء وإنتاج النفط في الحسكة.
اقرأ أيضاً.. الحسكة: قتلى وجرحى بقصف المسيرات التركية لمواقع عسكرية وخدمية
براك.. سنين من التوقف
قالت منظمة هيومن راتيس ووتش في تقرير لها سنة 2023، إن الأهالي في الحسكة بالمناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية يعانون منذ 2019 من انقطاعات طويلة للمياه، بعد سيطرة الجيش الوطني السوري (سابقاً) بدعم من الجيش التركي على منطقة رأس العين حيث تتواجد محطة علوك بما عرف حينها بعملية "نبع السلام".
وقالت المنظمة إن نقص إمدادات المياه الآمنة والكافية للشرب والطهي والنظافة والصرف الصحي دفع الأهالي إلى اللجوء لمصادر المياه غير الآمنة، ما أدى زيادة المخاطر الصحية التي تنقلها المياه مثل الكوليرا.
وقالت السلطات في تركيا للمنظمة إن "إهمال البنية التحتية للمياه من جانب الهيئات في سوريا وقطع الكهرباء من جانب السلطات التي يقودها الأكراد (الإدارة الذاتية) أدت إلى عمل محطة علوك بقدرة منخفضة"، بالمقابل تحمل الإدارة الذاتية تركيا "القطع المقصود" لإمدادات المياه للمحطة وسط استهداف متكرر لمنشآت الكهرباء والمياه في المنطقة.
اقرأ أيضاً: "من أهلنا لأهلنا".. "فزعة الرقة" حملة جديدة لإغاثة الحسكة العطشى
"وتحوي محطة علوك 34 بئرا و12 مضخة، ست منها على الأقل تحتاج إلى التشغيل في الوقت نفسه لضخ كمية كافية من المياه. لكن وفقا لمصادر الأمم المتحدة والسلطات المحلية والخبراء، لا تشغّل السلطات التركية أحيانا أكثر من مضختين إلى أربع مضخات في نفس الوقت"ـحسب التقرير.
وتجري المياه عبر خط أنابيب بطول 67 كيلومتراً من رأس العين إلى محطة الحمّة قرب مدينة الحسكة، إذ توفر محطة علوك عند تشغيلها بأقصى طاقتها، المياه لجميع أحياء مدينة الحسكة المتصلة بشبكة المياه، إضافة إلى أكثر من قرية وبلدة تل تمر، إضافة لمخيمات الهول والعريشة والهول.
وتغذي محطة كهرباء الدرباسية التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية، محطة علوك بالكهرباء اللازمة للتشغيل، وهي أقرب محطة لمنطقة رأس العين، لكن "الكهرباء التي تصل إلى علوك غالبا ما تكون "رديئة الجودة أو غير كافية" لتشغيل المصنع بشكل مناسب"، وفق خبير مطلع لـ"هيومن رايتس".
وقالت الأمم المتحدة حسب التقرير إن "الانخفاض غير المسبوق في منسوب المياه في سدّي تشرين والطبقة على نهر الفرات، وهو أهم مصدر للمياه والكهرباء لشمال شرق سوريا وأجزاء أخرى من البلاد، أثّر على إنتاج الكهرباء".
وأضافت: "رغم أن انخفاض مستويات المياه الجوفية وهطول الأمطار هو أحد الأسباب، إلا أن تركيا فرضت أيضا قيودا شديدة على تدفق المياه في اتجاه مجرى النهر إلى الجزء الذي يسيطر عليه السوريون من النهر إلى أقل بكثير من 500 متر مكعب المنصوص عليها في اتفاقية عام 1987 بين تركيا وسوريا".
بالمقابل، عزت تركيا انخفاض مستويات المياه في نهر الفرات إلى التغير المناخي والجفاف فقط، في رد على "هيومن رايتس"، في ظل مشاكل أخرى قال الخبراء إنها تتمثل بالتوصيلات غير القانونية المنتشرة على طول خطوط الكهرباء من علوك إلى الحمّة.
وتستمر معاناة الأهالي في الحسكة على مدار سنوات، رغم إطلاق حملات مناصرة إلكترونية تحت وسم "الحسكة عطشى"، تلتها قبل عامين ردات فعل أهلية تمثلت بإرسال صهاريج تحت مسمى "الفزعة" من أهالي الرقة ودير الزور، في ظل عمل منظمات دولية لتزويد عدد من الأحياء بالمياه.
