تقارير وتحقيقات | 3 06 2025

يعيش حسين الحسن بقلق دائم نتيجة صعوبة العثور على متبرعين بالدم لأطفاله المصابين بمرض التلاسيميا، ما يجعله في رحلة بحث مستمرة وسط قلة مراكز علاج التلاسيميا وبنوك الدم في إدلب، في ظل معاناته المتفاقمة مع مئات العائلات الأخرى بعد توقف الدعم الدولي للمراكز الصحية المختصة.
يصف الرجل الأربعيني في حديثه مع روزنة عن واقعه الصعب الذي يعيشه، أنه يشعر "بالخجل" كلما اضطر لطلب المساعدة من الناس للتبرع بالدم، لكن الحاجة الملحة لعلاج أطفاله تدفعه لمواجهة هذا العبء الثقيل يوما بعد آخر.
وتوقف دعم العديد من المنظمات الدولية والمحلية للقطاع الطبي في إدلب والذي تفاقمت أزمته مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إغلاق الولايات المتحدة الأمريكية للوكالة الأميركية للتنمية الدولية "يو إس آيد" (USAID) ووقف نشاطها في الداخل والخارج بتاريخ 20 كانون الثاني الماضي.
قد يهمك: أسباب مرض "التلاسيميا" وعلاجه
بحث عن متبرعين
يعاني أهالي مرضى التلاسيميا من نقص حاد في العلاج منذ أشهر عدة نتيجة قلة المراكز المخصصة التي تستقبلهم وقلة الأدوية وزمر الدم النادرة، وغير المتوفرة في بنوك الدم بإدلب، ما يدفع أهالي مرضى التلاسيميا إلى خوض معارك يومية في البحث عن الرعاية اللازمة، وزاد العبء عليهم بعد توقف الدعم الطبي عنهم في جميع أنحاء المحافظة.
وتسبب توقف الدعم من المنظمات الإنسانية في إغلاق العديد من المراكز، ما أدى إلى تزايد أعداد المرضى الذين يحتاجون إلى نقل دم منتظم، لكنهم يواجهون صعوبة في تأمينه.
الحسن واحد من هؤلاء، وهو نازح يقيم في قرية قورقنيا بريف إدلب، ولديه ثلاثة أطفال مصابون بمرض التلاسيميا، تحدث لـ "روزنة"، عن التحديات التي تواجهه في تأمين العلاج والأدوية بعدما توقفت المنظمات عن الدعم.
وأوضح: "أنا عاجز تماما عن تأمين الأدوية لأطفالي إلى جانب تأمين زمر الدم، خاصة بعد توقف دعم المنظمات عن فئة مرضى التلاسيميا والتي كانت تسندنا كثيراً فاليوم أغلب الأدوية الضرورية لا أستطيع شرائها.
ما يحدث مع الحسن ينسحب على أغلب مرضى التلاسيميا الذين يعانون من مضاعفات تحصل معهم بشكل مستمر نتيجة نقل الدم المتكرر، ومنها تضخم الطحال، الذي في حال استئصاله تبدأ معاناة أخرى تتمثل في التهاب الكبد، إضافة الى عدم قدرة الأهالي على تأمين بعض الأدوية لأبنائهم.
ويتابع: "أطفالي الثلاثة يحملون زمرة دم سلبي، وهي زمرة نادرة جعلته يعاني صعوبات في إيجاد المتبرعين بالدم لأطفاله".
يتنقل الحسن في المشافي للبحث عن متبرع، إذ عليه تأمين الدم لأطفاله الثلاث في أوقات مختلفة وسط خشيته من "هبوط خضاب الدم لأحدهم"، ما يجبره عندها على إجراء عملية نقل الدم كل خمسة أيام.
ازدحام على التسجيل
فقدت إدلب في الآونة الأخيرة دعم المنظمات الإنسانية، ما أثر ذلك على القطاع الصحي بشكل عام، وعلى مرضى التلاسيميا بشكل خاص بعد إغلاق عدة مراكز كانت مخصصة لهم في أرياف المحافظة، ما دفع جميع المرضى للتوجه نحو مركز المدينة الوحيد لتلقي العلاج وسط عدم توفر زمر الدم في بنك الدم.
ويوجد في إدلب مركز واحد ضمن مستشفى المحافظة لنقل الدم لمرضى التلاسيميا، ويستقبل المرضى عبر التسجيل من خلال رابط إلكتروني يستقبل عدداً محدوداً خلال اليوم الواحد وفي وقت محدد، وفي حال عدم تمكن أهالي المرضى من التسجيل عليهم الانتظار لثلاثة أيام حتى يأتي دورهم.
وهذا الواقع جعل الأهالي يقعون تحت عبء مادي ونفسي كبير نتيجة البحث المستمر عن المتبرعين، مع تسلسل إجراءات إدارية طويلة وتكاليف مرتفعة، خاصة مع ارتفاع أعداد المرضى وزيادة من يحصلون على العلاج بشكل تطوعي من مركز واحد فقط.
مستشفى باب الهوى في إدلب - أرشيف روزنة
ويروي حسن المحمد 49 عاماً، تفاصيل معاناته التي يعيشها مع ابنته المريضة التي تحتاج الى نقل دم بشكل دوري كل خمسة عشر يوماً، قائلاً: "أضطر للتوقف عن العمل والبحث عن متبرع بمستشفيات إدلب".
وأشار في حديثه مع روزنة، إلى أن ابنته مصابة بمرض التلاسيميا من النوع المتوسط، حيث يجب عليه أن يجد متبرع لابنته كل خمسة عشر يوم لنقل الدم "أشعر وكأني متسول يبحث عن متبرع لابنته"، وفق وصفه.
تنقل المحمد بين أربع مستشفيات دون أن يتمكن من الحصول على كيس دم واحد، "كل مستشفى تحيلني إلى الأخرى، من مشفى المحافظة إلى الجامعة، ثم إلى المشفى الوطني، ثم إلى مشفى الزراعة، وفي النهاية، يقولون لي إن الحصول على الدم على مسؤوليتي، ورغم أنني قبلت ذلك، لكن لم أتمكن من الحصول على شيء"، شرح الرجل عن معاناته.
وكل رحلة يقوم بها المحمد من قريته إلى إدلب تكلّفه حوالي 400 ليرة تركية، إلى جانب تكاليف التحاليل الطبية وعلاج الحديد الذي يجب أن يُؤخذ بشكل يومي، إذ يبلغ سعر علبة الدواء 24 دولار لا يستطيع تأمينه بسهولة.
وبينما كان مركز التبرع في مشفى المحافظة يستقبل سابقاً حوالي 50 شخصاً، أضحى اليوم يستقبل 300 شخص، نتيجة توقف المراكز التي كانت في الأرياف، وبات المركز غير قادر على تغطية الأعداد المتزايدة، والتسجيل الإلكتروني شبه مستحيل، وفق ما قال عدد من أهالي المرضى لـ "روزنة".
اقرأ أيضاً: توقف الدعم عن مستشفى باب الهوى.. ما علاقة قرار الرئيس الأمريكي ترامب؟
مركز لأمراض الدم في إدلب - مديرية صحة إدلب - Idlib Health Directorate/فايسبوك
توقف الدعم
في إدلب، توجد خمسة مراكز تتوزع على جميع أنحاء المحافظة، بمركز المدينة وفي سلقين وبلدة كللي وبلدة قاح، إلا أن توقف الدعم في مطلع عام 2025، أغلق تلك المراكز، وشكل عبء كبير على أصحاب مرضى التلاسيميا، وعلى مديرية صحة إدلب التي باتت تشتكي من نقص التمويل، إضافة لوجود مركز واحد في مستشفى المحافظة يعمل بشكل تطوعي منذ توقف الدعم.
تعليقاً على ذلك، أوضح الطبيب حمود كدرو رئيس دائرة المختبرات وبنوك الدم في مديرية صحة إدلب لـ "روزنة"، أنّ توقف الدعم على القطاع الصحي زاد معاناة المرضى في تلقي العلاج، مؤكداً أن توقف عمل المراكز التي كانت تتوزع على أرياف المدينة جاء بعد توقف الدعم من قبل المنظمات الدولية.
وقال: "بقي في المدينة مركز وحيد بمستشفى المحافظة يعمل بشكل تطوعي وإمكانيات بسيطة"، مردفاً أن مركز علاج التلاسيميا مرتبط مع بنك الدم ارتباط وثيق، وذلك لتسهيل الحصول على الدم للمريض.
ويعترف كدرو بالصعوبات التي تواجه مرضى التلاسيميا خلال رحلة العلاج، ومنها صعوبة الحصول على الدم ومشتقاته وخاصة الكريات المركزة، وذلك بسبب ضعف إمكانيات بنك الدم وعدم وجود تبرع إلزامي، إضافة لعدم توفر الأدوية الضرورية ومنها خالب الحديد أو طارد الحديد الذي لم يدخل المدينة منذ أكثر من عام.
ويوضح "كدرو"، أنه في حال لم يعطى مريض التلاسيميا خالب الحديد سيؤدي ذلك إلى تراكم الحديد بالجسم ومن الممكن أن يسبب قصور أعضاء متعددة في جسم المريض قد تؤدي إلى الوفاة.
وختم حديثه قائلاً: "عدد مرضى التلاسيميا في إدلب يصل إلى 1200 مريض، والعدد قابل للزيادة بعد البدء بعودة المهجرين إلى مناطقهم في إدلب وريفها".
ويتمنى الحسن لو يستطيع التبرع لأولاده بالدم، لكن ذلك غير جائز طبياً لاختلاف الزمر، مطالباً حكومة دمشق بإيجاد حل لأزمة نقص زمر الدم في مدينته وتعويض فقدان الدعم الدولي بدعم حكومي ومحلي.