تقارير وتحقيقات | 14 05 2025

تستعد الحكومة الانتقالية في سوريا لتنفيذ زيادة مرتقبة في رواتب موظفي القطاع العام بداية حزيران المقبل، بموجب منحة قطرية قيمتها 87 مليون دولار تمتد لثلاثة أشهر، في ظل تساؤلات عن إمكانية إسهاماها بتحسين واقع الموظفين المعيشي، وتخوف من آثار التضخم والانعكاس على القدرة الشرائية.
وتأتي الزيادة المتوقعة بعد إعلان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب، أمس الثلاثاء، عن قراره رفع العقوبات الأمريكية على سوريا، وبعد منح بلاده قبل إعلان القرار الضوء الأخضر للمبادرة القطرية الخاصة بتمويل القطاع العام.
ضوء أخضر
كشفت وكالة "رويترز" الأربعاء الفائت، أن الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر لمبادرة من قطر لتمويل رواتب موظفي القطاع العام السوري باستثناء وزارتي الداخلية والدفاع في الحكومة الانتقالية، بعد تردد قطر الدوحة في اتخاذ أي إجراء دون موافقة واشنطن، في ظل العقوبات الأمريكية المفروضة.
ويرى مراقبون أن المنحة القطرية قد تساهم في تحسين مستوى المعيشة لشريحة كبيرة من موظفي القطاع العام، عانت على مدار السنوات السابقة من ضعف الدخل جراء التضخم وانهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأمريكي.
بالمقابل، يتخوف موظفون في القطاع العام من انعكاس الزيادة في الرواتب سلباً على قدرتهم الشرائية جراء توقع ترافقها مع زيادة في الأسعار كما كان يحصل في الزيادات السابقة في عهد النظام السابق.
وكانت كتلة الرواتب الشهرية تصل إلى 30 تريليون ليرة سورية في موازنة عام 2025 التي قدمتها حكومة النظام السابق، والتي علّقت الحكومة المؤقتة بعد سقوط النظام العمل بها، وفي حال زيادة الرواتب بنسبة 400 بالمائة فإن كتلة الرواتب ستقفز إلى 120 تريليون ليرة شهرياً، وفق خبراء اقتصاد.
كم تبلغ قيمة تلك المنحة؟ وكم مدتها؟ ومن تشمل؟ وكم ستكون النسبة الفعلية للزيادة في الرواتب؟ وهل تساهم في تحسين الواقع المعيشي؟ وما أهميتها؟، نحاول الإجابة على الأسئلة في المادة التالية.
قيمة المنحة ومدتها
أعلنت الحكومة السورية الانتقالية تلقيها منحة مالية قطرية قيمتها 87 مليون دولار، موزعة على ثلاثة أشهر قابلة للتمديد، بمعدل نحو 29 مليون دولار شهرياً، وستُصرف للعاملين في قطاعات الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية، والمتقاعدين من غير العسكريين، حسب تصريح وزير المالية محمد برنية.
وقال "برنية" لوكالة "سانا"، إنّ "هذه المنحة ستغطي نحو خمس إجمالي فاتورة الرواتب الحالية، وستُدار من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، وسط تفاوت التصريحات الرسمية حول نسبة الزيادة بين 20 بالمائة إلى 400 بالمائة خلال فترة الثلاثة أشهر.
ولا يتجاوز متوسط راتب الموظف الحكومي 300 ألف ليرة سورية (أقل من 30 دولار أمريكي)، بينما تخطى وسطي تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد، 14.5 مليون ليرة سورية مع بداية 2025، وفقاً لـ "مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة".
اقرأ أيضاً: الليرة السورية تترنح صعوداً وهبوطاً: لعبة الصرافين تتفاقم والبنك المركزي غائب
ما أهمية المنحة؟
المنحة القطرية لها أهمية بغض النظر عن النسبة في زيادة الراتب وفق ما يقول الخبير المصرفي الدكتور علي محمد، لروزنة، باعتبارها أول ضخ مالي خارجي يدخل سوريا لتمويل متطلبات الحكومة السورية الجديدة في ظل الوضع الاقتصادي السيئ الذي تعاني منه البلاد على كافة المستويات.
المنحة أتت بضوء أخضر أمريكي، وهو ما يقرأ كـ"مرونة أمريكية في التعامل مع الحكومة السورية في ملف العقوبات الشائك"، والأهم أن المنحة تدار عبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ما يعني أن هناك رقابة دولية لكيفية توزيعها في الاتجاهات المخصصة لها، كما قال الخبير.
ومن الناحية الاقتصادية أي ورود مالي، حسب "محمد"، سيسهم في تدعيم بعض المؤشرات الاقتصادية الكاملة و"منحة الرواتب تعني زيادة القيمة الأسمية للرواتب وقد تدفع جزء منها نحو الاستهلاك وبالتالي تنشيط الدورة الاقتصادية"، وفق قوله.
تأثير زيادة الرواتب: "محدود"
تسهم المنحة القطرية في تحسين الواقع المعيشي، لكن الأثر سيكون "بالحدود الدنيا"، بحسب الخبير علي محمد، عازياً ذلك، للواقع الاقتصادي المتردي خلال السنوات السابقة.
وأوضح في حديثه مع روزنة: "المشكلة أننا نعاني من أزمة سيولة سواء بالليرة أو القطع الأجنبي، وتوفر هذه المنحة يدعم الاحتياطي الأجنبي، لكنه يتطلب ضخ سيولة بالليرة السورية، وفي حال عدم ضخ سيولة بالليرة السورية سنكون أمام مشكلة".
وأكد الخبير المصرفي أنّ المنحة القطرية تدعم موقف الدولار كرصيد وهو انعكاس إيجابي يتطلب استمرارية هذا المورد.
من جانبه يرى أستاذ كلية الاقتصاد بجامعة دمشق عابد فضلية، أن "الزيادة ضرورية"، مشدداً في تصريح لروزنة على أنه يجب أن يقابلها "زيادة في الإنتاج تغطي كتلة النقد التي ستضخ بالأسواق".
وبحسب "فضلية"، الزيادة الأولى سيتم امتصاصها، والثانية التي "تعتبر أكبر" تتطلب زيادة بالإنتاج، حتى لا "نقع بإحراج التضخم"، أي كتلة كبيرة من النقد مع كمية قليلة من السلع والخدمات.
لكن.. ما نسبة الزيادة؟
تتناقض التصريحات الرسمية حول نسبة الزيادة في الرواتب للموظفين بعد تلقي الحكومة للمنحة القطرية، إذ نقلت صحيفة الثورة تصريحات لوزارة المالية حول الزيادة بأنها "ستبلغ 100% خلال شهري تموز وآب القادمين، تليها زيادة أخرى بنسبة 200 بالمئة ثم 100 بالمئة بشكل تدريجي".
بينما، ذكرت الوزارة في تصريحات أخرى نقلتها وكالة "نورث برس" أنّ نسبة الزيادة ستكون 20 بالمئة لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد، اعتباراً من شهر حزيران القادم.
من جانبه أكد مدير المكتب الصحافي في وزارة المالية، إسماعيل ياقوت، في حديث لصحيفة "العربي الجديد"، أن المنحة ستُسهم في زيادة الكتلة الإجمالية للرواتب والأجور بنسبة 20% لمدة ثلاثة أشهر، مع إمكانية تمديدها.
وبحسب "رويترز"، قال مصدر مالي سوري إن التمويل سيسمح بزيادة الرواتب تدريجياً بنسبة تصل إلى 400 في المئة اعتباراً من شهر حزيران/يونيو المقبل، لأكثر من مليون موظف حكومي على مدى عدة أشهر.
الزيادة.. وارتفاع بالأسعار
المستشار في وزارة الاقتصاد جورج خزام، يرى أنّ "أي زيادة بالرواتب لا يقابلها زيادة بالإنتاج، سيؤدي إلى ارتفاع حتمي بأسعار البضائع وارتفاع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، وانخفاض أكبر بالقوة الشرائية للرواتب مع ارتفاع الأسعار".
وأوضح المستشار الاقتصادي في منشور له بموقع فيسبوك، أن زيادة الرواتب تعني "زيادة القوة الشرائية للدخل بشكل عام ومعه زيادة الاستهلاك والطلب". مشيراً إلى أن زيادة الرواتب خلال الـ 14 سنة الماضية لم يقابلها زيادة بالإنتاج والنتيجة كانت ارتفاع أسعار البضائع والدولار معاً.
ووفق خزام، لن يكون هناك زيادة حقيقية بالرواتب طالما أن تكاليف الاستيراد أرخص من تكاليف التصنيع مع تراجع الإنتاج، الذي يترافق مع تراجع بالطلب على اليد العاملة وانخفاض بالأجور.
من جهته، يستبعد عميد كلية الاقتصاد بدمشق علي كنعان، أن يكون للمنحة القطرية أي تأثير سلبي على المستوى العام للأسعار أو معدلات التضخم.
وأوضح في حديث صحفي، أن المنحة ستدخل إلى البنك المركزي على شكل قطع أجنبي وسيتم صرفها للموظفين بالليرة السورية، ما يوفر كتلة جيدة من القطع الأجنبي لدى المصرف المركزي، ويؤمن قيم الرواتب والأجور دون الحاجة إلى الاستدانة أو طباعة نقد جديد.
إلى ذلك، تملك وزارة المالية أعداد دقيقة للموظفين والمتقاعدين في ظل تضارب التصريحات حول عدد الموظفين في القطاع العام، وبحسب الخبير المصرفي فأنّه بوجود الأمم المتحدة في عملية الإشراف على تنفيذ المنحة سيكون الموضوع بسيط، لكن "العبرة بضخ السيولة بالليرة السورية"، كما قال.
وفور إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس، رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، شهدت مدن عدة احتفالات لسوريين، وسط أجواء تفاؤل في المدن وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن تسهم الخطوة التي وصفت بالتاريخية في تحسين ظروف السوريين بما فيهم الموظفين الاقتصادية والمعيشية.