الليرة السورية تترنح صعوداً وهبوطاً: لعبة الصرافين تتفاقم والبنك المركزي غائب

الليرة السورية تترنح صعوداً وهبوطاً: لعبة الصرافين تتفاقم والبنك المركزي غائب

تقارير وتحقيقات | 6 02 2025

حبيب شحادة

عادت الليرة السورية للانخفاض أمام الدولار الأمريكي بعد فترة قصيرة من التحسن الذي شهدته جراء سقوط النظام السابق، في ظل أسئلة كثيرة تطرح من السوريين في الشارع وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، حول التغيرات المفاجئة والكبيرة بسعر الصرف.

ويعزى التحسن حسب خبراء إلى ما تلى سقوط النظام السابق من زيارات عربية ودولية إلى سوريا، والجولات الخارجية لرئيس سوريا في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، إضافةً إلى تعليق العقوبات الغربية جزئياً لمدة 6 أشهر.

وبينما يثبت المصرف المركزي السوري في نشرته الرسمية سعر صرف الليرة مقابل الدولار بـ 13 ألف ليرة للشراء و 13.130 للمبيع، شهد الدولار انخفاضًا قياسيًا في السوق الموازية إذ وصل إلى 9300 ليرة للشراء، و9500 ليرة للمبيع، وفق موقع "الليرة اليوم" الاقتصادي.

فما السر وراء ذلك التحسن ومن ثم الانخفاض؟ وكيف يمكن تفسير هذا التذبذب في قيمة الليرة أمام الدولار؟ وهل ما يجري لعبة صرافين وتجار؟ وما دور البنك المركزي؟ وهل السوق الموازية هي المحرك الرئيس لتحديد سعر الصرف؟

حبس الليرة وتقييد سحبها

يمر الاقتصاد السوري بحالة شلل نتيجة توقف أغلب المصانع والمعامل وتوقف الاستيراد، إلى جانب تأكيد خبراء اقتصاديين بأن تحسن الليرة أمام الدولار مرده ليس قوة الاقتصاد وتحسن الوضع الاقتصادي، وإنما "العامل النفسي" المسيطر على سعر صرف الليرة.

وشهدت اللّيرة السورية ارتفاعاً ملحوظاً مقابل الدولار الأمريكي بنسبة لا تقل عن 20% خلال الأسابيع الماضية، وفقًا لما ذكرته وكالة "رويترز".

وبحسب مصادر اقتصادية في العاصمة دمشق، سعت السلطة النقدية في سوريا (البنك المركزي المتحكم في المعروض النقدي من العملة) بعد سقوط النظام السابق إلى تحسين سعر صرف الليرة بشكل عام.

واتبعت السلطة النقدية إجراءات نقدية منها تجفيف السيولة وعدم صرف رواتب الموظفين وتقييد السحوبات من المصارف في حدودها الدنيا.

كذلك، لجأت السلطة النقدية إلى الحجز على أموال منصة تمويل المستوردات (تقدر تلك الأموال بـ 5 تريليون ليرة وفق كلام وزير التجارة الأسبق عمرو سالم)، إضافةً إلى العامل النفسي الإيجابي في الشارع بعد سقوط النظام السابق.

وكل هذه العوامل ساهمت في تحسن سعر صرف الليرة أمام الدولار الأمريكي.

لكن هذا التحسن "غير الصحي" حسب وصف الخبير المصرفي علي محمد، فهو جيد على المدى القصير، لكن له مضار كثيرة على المدى الطويل، كما قال في حديث مع روزنة.

وأضاف الخبير المصرفي، بأنّ سعر الصرف هو محصلة عوامل عدة منها الاقتصادي والمالي والاستثماري، إضافةً إلى السياسة النقدية.

وبحسب محمد، فأنّ السياسة المالية معطّلة والنشاط الاستثماري معطل منذ عام 2011، ما يعني أنّ الإجراءات النقدية لوحدها غير قادرة على تحسين سعر صرف الليرة، إنما تحتاج إلى سياسة اقتصادية تتضمن إنتاج صناعي وزراعي وتقديم خدمات وغيرها.

ما الذي حدث لليرة؟

في حديثه مع "روزنة" يشرح الخبير المصرفي محمد، أنه مع سقوط النظام السابق، ازداد الطلب على الليرة السورية مقابل انخفاض عرضها نتيجة حبس السيولة والرواتب، وترافق ذلك مع توفر الدولار في السوق سواء من الشمال السوري أو من القادمين إلى سوريا.

كل هذا، أدى إلى زيادة العرض في الدولار، إلى جانب الانفتاح العربي والغربي على دمشق والرفع الجزئي للعقوبات الغربية والسماح بالتداول بالدولار، وتأثير كل هذه العوامل في تحسن سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وفق رأي الخبير.

وتشير تقديرات اقتصادية إلى أنّ "زيارة أمير قطر أدت لتحسن الليرة بنسبة 9%، وزيارة الرئيس الانتقالي الشرع إلى السعودية رفعت قيمتها بنسبة 8%".

وبالنتيجة، هناك تحسن في قيمة الليرة، لكن الأهم من ذلك، وفقاً للخبير المصرفي، هو الحفاظ على التحسن في سعر الصرف والسيطرة عليه من خلال تكامل السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية.

وأكد: "يجب تحريك السيولة النقدية مع الحفاظ على سعر صرف جيد لليرة".

هل هناك مضاربة على الليرة؟

يشير بعض الاقتصاديين إلى أنّ تجفيف السيولة بالليرة من الأسواق هدفه تسهيل عمل الصرافين بتخفيض سعر الدولار إلى 7,000 ليرة لكل دولار أمريكي، وأن إدارة المصرف المركزي "متورطة" بتسهيل المضاربة على الليرة السورية، على حد وصفهم.

وفي السياق اعتبر الخبير الاقتصادي جورج خزام، أنّ إنخفاض سعر صرف الدولار من 14,000 ليرة إلى 7,000، ومن ثم ارتفاعه من 7000 ليرة إلى 10000 ليرة، خلال ساعات فقط، حقق أرباح بنسبة 75 بالمائة.

وهذه الأرباح، كما قال خزام في منشور له بموقع فيسبوك، حققها الصرافين بالداخل والخارج بالتعاون مع صفحات الفيسبوك المجهولة المصدر، وهي وفق رأيه "خسائر دفع ثمنها كل الشعب السوري لكل شخص بحسب إمكانياته وحجمه المالي".

وفي السياق، يؤكد الخبير المصرفي، بأنّ ما يحدث هو مضاربة على الليرة من قبل تجار وصرافين السوق الموازية.

هل تنهار الليرة مجدداً أمام الدولار؟

يعتقد اقتصاديون بأنّ الليرة معرضة للانهيار مجدداً، انطلاقاً من أنّ التحسن الذي شهدته خلال اليومين الماضيين غير ناتج عن مقومات اقتصادية حقيقية.

ويضيف الاقتصاديون أن إمكانية التدهور قد تكون كبيرة في حال فك احتباس السيولة عبر دفع الرواتب والأجور وتحرير أموال منصة المستوردات التي ستزيد من عرض الليرة وبالتالي ارتفاع الكتلة النقدية الموجهة نحو الاستهلاك.

وقال المصرفي علي محمد لـ "روزنة" إنّ خطة المركزي تجاه أموال منصة المستوردات تضمن سحبها خلال فترة 6 أشهر وعلى دفعات تحسباً لانهيار قيمة الليرة السورية.

وشدد في الوقت ذاته على أن المصرف المركزي غير قادر على الدفاع عن سعر صرف الليرة بدون سياسية اقتصادية متكاملة، وهذه تحتاج لوقت، وفق قوله.

أين البنك المركزي؟

لمواجهة التخبط في سعر صرف الليرة السورية صعوداً وهبوطاً، أعلن المصرف المركزي، أنه اتخذ عدة قرارات لدعم الليرة السورية، ومنها تسليم الحوالات الخارجية بالقطع الأجنبي، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية عن مصدر في المصرف دون ذكر اسمه.

وقال المصدر إنّ هذه الخطوة "تهدف إلى جذب المزيد من العملات الصعبة إلى السوق الرسمية وتقليل الاعتماد على السوق السوداء".

وكشف المصدر، أنّ المركزي بصدد إصدار قرارات جديدة خلال اليومين المقبلين، لتضييق الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازي، منها تخفيض السعر في النشرة الرسمية لجعله أقرب إلى السعر المتداول في السوق السوداء.

وإصدار هذه القرارات، يقلل من المضاربات، ويؤدي إلى ضخ المزيد من السيولة بالليرة السورية، لضمان استقرار المعروض النقدي وتحفيز النشاط الاقتصادي.

تعليقاً على ذلك، اعتبر الخبير الاقتصادي عامر شهدا، أن إجراءات البنك المركزي فيما يتعلق بالليرة وحبس السيولة "خطة غير ذكية".

ورأى في منشور على صفحته بموقع فيسبوك، بأنّ وضع سياسة نقدية بما يتناسب مع الوضع الاقتصادي والنقدي الحالي لا يلزمه أكثر من أسبوع.

وبحسب الخبير المصرفي، فأنّ ما يحدث اليوم من انتقال من نظام اقتصادي إلى آخر لا يمكن أن يمر من دون ما وصفه بـ "الآلام الاقتصادية".

وبذلك، يبقى السوريون الخاسر الأكبر من عدم استقرار سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأمريكي، إذ رغم انخفاض سعر صرفها إلا أن ذلك لم ينعكس إيجاباً عبر انخفاض أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية.

يضاف إلى ذلك، خسارة كثير من السوريين مدخراتهم من الدولار جراء نقص السيولة بالليرة السورية.

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض