تقارير وتحقيقات | 18 04 2025

في مشهد فوضوي في دائرة الامتحانات لمديرية التربي ببلدة السبخة في ريف الرقة الشرقي، يتجمع مئات من الطلاب وذويهم في مركز صغير بالكاد يتسع لهم، للتسجيل على امتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوي.
حمزة المربد "طالب بكالوريا"، يتردد منذ ثلاثة أيام على المركز لاستكمال إجراءات التسجيل، ما شكل معاناة بالنسبة له، يصفها قائلاً: "يعني أريد أبكي والله، من الصبح جايين وما قدرت أدفع رسوم المالية، زحمة! ناس فوق بعضها، يعني والله حرام، لازم يشوفون حل للعالم".
وتشير تقديرات غير رسمية أن عدد طلاب الرقة المتقدمين لامتحاني شهادتي التعليم الأساسي والثانوي لـ"حكومة دمشق"، بين 15 إلى 20 ألف، إذ وصلت أعداد الطلاب المسجلين في مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" سنة 2022، لـ 18 ألف طالب وطالبة.
طلاب وأهاليهم ينتقلون لريف الرقة الشرقي في أيار 2024 لتقديم امتحانات الشهادة الثانوية - "مديرية التربية والتعليم في الرقة" فايسبوك (تعديل قياس روزنة)
"محشر في الدائرة"
تتبع دائرة الامتحانات لوزارة التربية بالحكومة السورية الانتقالية في دمشق، لكن "قوات سوريا الديمقراطية" هي من تسيطر على البلدة التي كانت تحت سيطرة النظام السابق حتى سقوطه في الثامن من كانون الأول الفائت.
بالكاد يدخل ويخرج الطلاب وذووهم من الدائرة، مع تواجد لدورية قوى الأمن الداخلي "أسايش" لتنظيم الدور والحد من الفوضى، لكن يبدو أنها لم تنجح في هذه المهمة الصعبة، فالفوضى جلية في باحة المركز وعلى نوافذه وأبوابه.
يقول علي العيسى الذي أتى للمركز برفقة ابنتيه لتسجيلهما لامتحانات "التاسع والبكالوريا"، إنه لا يعرف كيف يخرج من هذه الدوامة كما يصفها.
يقول غاضباً: "من الصبح ندور بالساحة وما قام نعرف نسجل، ونحن جايين من الجرنية (قرية غربي الرقة)، الروحة والجية تكلفنا 500 ألف ليرة، وصار لنا يومين على هالحالة، عيب لازم يحترمون الناس ويسهلون التسجيل".
نتيجة لهذا الازدحام قررت وزارة التربية والتعليم في الحكومة الانتقالية تمديد التسجيل حتى الأول من أيار المقبل، للتخفيف من معاناة الطلبة وتأمين الفرصة لكل من يرغب في متابعة دراسته، وفقاً للتعميم الصادر عن الوزارة.
بيان لوزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية الانتقالية - معرفات إلكترونية رسمية
ولا تقتصر المعاناة على طلاب الرقة، إذ يظهر منشور وزارة التربية لقرار التمديد في فايسبوك، تعليقات من محافظة الحسكة تطالب بتوضيح فوري لمصير الطلاب وفتح باب التسجيل لهم.
أين سنقدم الامتحانات؟
هذا السؤال لم يجد طلاب الرقة إجابته بعد، رغم نص البند الرابع في اتفاق رئيس سوريا في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، في آذار الماضي، على "دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية".
وفي الـ 20 من آذار الماضي ظهر خلف المطر الرئيس المشترك لـ"هيئة التربية والتعليم" في "الإدارة الذاتية"، في مقطع مصور يؤكد فيه انطلاق حوار مع وزارة التربية بدمشق برعاية منظمة اليونيسيف.
وقال إنهم ركزوا على مسألة الامتحانات، وكيفية تقديم الامتحانات في شمال شرق سوريا، وكان من المفترض أن يصدر خلال الأسبوع الماضي بيان من الجانبين بهذا الخصوص، ولكن إلى الآن لم تصدر أي توضيحات حول مكان إقامة الامتحانات لطلاب الرقة والجزيرة السورية.
تواصلنا مع "هيئة التربية" في "الإدارة الذاتية"، و"لجنة التربية" بالرقة لمعرفة مستجدات المباحثات مع دمشق، حيث اكتفى المكتب الإعلامي لـ"هيئة التربية" بالقول إنه لم يتم التوصل لقرار بعد، وعند التوصل له سيتم نشره عبر المعرفات الرسمية للهيئة.
يخشى طلاب الرقة أن تستمر معاناتهم التي بدأت منذ 12 سنة، عندما خرجت الرقة عن سيطرة النظام السابق عام 2013، حيث يقطع الطلاب مسافات طويلة لتقديم الامتحانات في محافظات أخرى، ولا تخلو هذه الرحلة من المشقات والتوتر الذي يؤثر على الطلبة، والأعباء المالية التي يتكبدها ذووهم في سبيل إتمام أبنائهم تعليمهم.
وبلغت نسبة النجاح العام الفائت في امتحانات الشهادة الثانوية بمحافظة الرقة، 16.4 بالمئة فقط بالفرع الأدبي، مقابل 41.8 بالمئة فقط بالفرع العلمي، حسب إحصائية نشرت في تموز الماضي في معرفات "مديرية تربية الرقة".
نسبة نجاح طلبة الرقة في امتحانات الشهادة العامة الثانوية موسم 23-24 - "مديرية التربية والتعليم في الرقة" (تعديل قياس روزنة)
يقول أحمد رشاد وهو معلم لغة إنكليزية إن إقامة الامتحانات خارج الرقة أدى إلى تدني في عملية التحصيل العلمي.
وأوضح: "هناك طلاب يأتون لتقديم الامتحانات من بلدة الجرنية أقصى غرب الرقة مثلاً، إلى السبخة ومعدان في الشرق، يضطر هؤلاء لقطع مسافة 250 كم ذهاباً وإياباً يومياً، ما يؤدي إلى بذل مزيد من الجهد والتوتر قبل الامتحانات ما يؤثر على أدائهم".
ويشير إلى أن التكاليف المالية الباهظة التي تصل إلى نحو مليون ليرة سورية للطالب الواحد للتنقل إلى مراكز الامتحان من منازلهم، ما يشكل عبئاً إضافياً على ذوي الطلاب، الذين يضطرون لدفع الكثير من المال طيلة العام الدراسي.
هنا.. التعليم ليس مجانياً!
منذ عام 2013 أغلقت المدارس الحكومية أبوابها في الرقة، ورغم افتتاح مدارس تابعة لـ"الإدارة الذاتية" إلا أن معظم الأهالي لا يرسلون أبناءهم من طلاب شهادتي التعليم الأساسي والثانوي إليها كون شهاداتها غير معترف بها.
وتعتمد النسبة الأكبر على معاهد التعليم الخاصة التي تدرس المناهج الحكومية، إذ تتراوح تكلفة تعليم الطالب بين 300 وصولاً إلى 1000 دولار أمريكي، تشمل رسوم الدورات التعليمية وتكاليف المواصلات وغير ذلك من المستلزمات.
ارتفاع تكاليف التسجيل في المعاهد الخاصة الذي لا يفوق قدرة نسبة كبيرة من سكان المحافظة، في بلد يعيش 90 بالمئة من سكانها تحت خط الفقر، أدى لعدم إكمال أبناء شريحة واسعة لتعليمهم بسبب تردي الوضع المعيشي.
تقول ناهد حسين وهي أم لطالبة ثانوية إنها تكلفت ما يقرب من 800 دولار منذ بداية الموسم الدراسي ولغاية كتابة التقرير، وما تزال هناك مصاريف إضافية، واصفة الحال: "قام نحرم حالنا من كثير أمور مشان نعلم ولدنا وبناتنا، وبي عالم ما تقدر تدفع الله يعين الناس".
وتتمنى ناهد لو تتفق وزارة التربية مع "الإدارة الذاتية" لإقامة الامتحانات في الرقة هذا العام.
وقالت في حديثها مع روزنة: "يعني والله الامتحانات لحالها تعب وتوتر، قبل كم سنة كانت بنتي طالبة تاسع، أقعدها الساعة 1 بالليل لتجهيز نفسها قبل وصول الباص الذي سيقلها مع الطلاب إلى السبخة. لا تعود حتى بعد الظهر بسبب الزحمة والحواجز، وما تلحق تنام ثلاث أربع ساعات، وعذاب وتعب علينا وعليهم".
ولغاية كتابة التقرير لا يعرف بعد ما إذا كانت الامتحانات ستقام في المناطق التي تديرها مؤسسات "الإدارة الذاتية"، أم إن معاناة الطلاب في الرقة ودير الزور والحسكة ستتجدد هذا العام أيضاً.