تقارير وتحقيقات | 10 04 2025

"ما كان سهل عليّ أترك الجامعة، ما كنت جاهزة أترك حلمي"، تصف هيا طالبة جامعية من السويداء، حالها بعد أن أجبرتها الظروف على ترك الدراسة، في ظل مخاوف الطلبة وأهاليهم بعد أحداث الساحل الأخيرة، وخشية من مضايقات محتملة في جامعتي دمشق وحلب.
عدد كبير من طلاب السويداء عزفوا عن استكمال الفصل الدراسي الجاري، فيما العشرات أوقفوا تسجيلهم لمدة عام، بسبب ما يرونه تصاعد بخطاب التحريض الطائفي، بعد أحداث الساحل في آذار الماضي، في ظل دراسة طلاب من المحافظة في طرطوس واللاذقية.
الخوف انتصر
هيا، طالبة من السويداء، كانت تتابع دراستها الجامعية في دمشق. لكن بعد آذار، أصبح الطريق بين بيتها والجامعة شاقاً لا بسبب المسافة، بل بسبب الخوف.
تروي لروزنة: "بسبب الأوضاع الأمنية المتوترة وكل ما يقال عن احتمال تطور الأمور، شعرت بالخوف الحقيقي. كان هناك سؤال دائم يراودني: إن حدث شيء ما مصيرنا؟"
قررت هيا البحث عن بديل يضمن لها الاستمرار في التعليم دون تعريض حياتها للخطر، توضح: "قررت إكمال دراستي بالجامعة الافتراضية. لا أريد لمستقبلي أن يضيع بسبب الظروف الأمنية، ولا أستطيع انتظار أن تصبح الظروف أفضل، لكن لا أستطيع المخاطرة بحياتي أيضاً".
لم تكن العوائق فقط أمنية، بل اجتماعية ونفسية أيضاً، فمع تصاعد الخطاب الطائفي، شعرت هيا، كغيرها من الطلاب، بالإقصاء: "كنا نسمع كلاماً جارحاً، مثل أنتم خونة (لم تحدد الجهة)، هل لأننا من طائفة معينة؟!" تتساءل.
وتضيف: "هناك طلاب اضطروا لإيقاف دراستهم ومنهم من منعته عائلته، وهناك طلاب خافوا الخروج من المنزل، أنا من الطلاب الذين قرروا إكمال دراستهم بشكل افتراضي، لكنني تخلّيت عن حلمي بسبب الوضع الأمني".
قد يهمك: العدالة المؤجلة في الساحل السوري.. جرائم متواصلة والحكومة تعد بالمحاسبة مجدداً
"حافظت على حياتي وخسرت سنتي"
وما بين الواقع الأمني والمخاوف المجتمعية، علّق طلاب كثر دراستهم، بعضهم دون حتى أن يستطيعوا إيقاف تسجيلهم رسمياً.
في اللاذقية، حيث تدرس إيفلين، كانت بداية آذار بمثابة نهاية مؤقتة لحلمها الأكاديمي. تقول: "من يوم بدء الأحداث، لم أذهب إلى جامعتي. الذهاب إلى هناك مغامرة ومخاطرة كبيرة، خاصة بعد تعرّض بعض أصدقائي لخطاب طائفي وتهديدات، وحتى خطر الاعتقال".
ومنذ السادس من آذار لم تتوقف الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين، لأسباب "طائفية وانتقامية"، وفق تقارير إعلامية.
ومطلع نيسان الجاري، وثق "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" بالأسماء مقتل 1169 مدنياً في أحداث الساحل، بينها 103 نساء و52 طفلاً، في اللاذقية وطرطوس وحماة. كما وثق مقتل 218 فرداً من الأمن العام جراء الهجوم الذي نفذته "فلول النظام".
بعد اندلاع الأحداث في السادس من آذار الفائت في الساحل، بقي طلاب السويداء في السكن الجامعي بمدينة اللاذقية لأربعة أيام لحين نقلهم عبر 21 حافلة نقلتهم بالتنسيق مع الأمن العام التابع لوزارة الداخلية، إلى دمشق ومنها إلى السويداء، وفق مراسل روزنة.
وبحسب بيان للحكومة السورية، السبت الفائت، بدأت الأحداث بـ"اعتداء منظم" لمجموعات تابعة للنظام السابق ضد قوات الأمن، وارتكبت خلالها "انتهاكات بحق أهالي المنطقة بدوافع طائفية أحياناً، وقد نجم عن ذلك غياب مؤقت للسلطة بعد استشهاد مئات العناصر، ما أدى إلى فوضى أمنية تلتها انتقامات وتجاوزات وانتهاكات".
عزوف جماعي ومخاوف يومية
بحسب سليمان كنعان، مشرف المنظمة الطلابية في السويداء، التي تأسست بعد سقوط النظام السابق، وصلت نسبة الطلاب الجامعيين المنقطعين عن الدراسة خارج المحافظة إلى نحو ثلاثة أرباع العدد الكلي للمنظمة و البالغ 2750 طالباً وطالبة.
ويعزو كنعان ذلك إلى عدة أسباب: "تصاعد النعرات الطائفية بعد أحداث الساحل حيث يتعرض الطلاب لمضايقات من طلاب وأشخاص من طوائف أخرى، إضافة إلى غياب الأمان على طرق السفر بين المحافظات".
الأسباب الأخرى التي ساهمت أيضاً في عزوف الطلاب عن الدراسة في جامعاتهم، وفق كنعان، "أجور النقل المرتفعة، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية وبخاصة بعد فصل الكثير من وظائفهم الحكومية".
يقول لروزنة: "بعض الطلاب أوقفوا تسجيلهم في الجامعة خوفاً من خسارة سنة من الحياة، لعدم معرفته متى ستنتهي فترة انعدام الأمن والأمان، فقد يطول ذلك".
ويضيف: "منهم لم يستطع الذهاب إلى الجامعات ليوقف تسجيله، والبعض الآخر لا يريد ذلك آملاً أن يعم الأمان ويكمل دراسته".
سمر لم توقف تسجيلها في اللاذقية، لأنها لم تتمكن من التوجه إلى الجامعة أساساً، تقول لروزنة: "الطريق غير آمن، وحتى طلاب من اللاذقية أنفسهم يتغيّبون عن الدوام. نريد حلاً، إما تأمين الطريق، أو تأمين بديل عن الجامعة".
"لوين بدي ابعثهم! ما بيكفي الرعب يلي عشته لبين ما وصلوا أول مرة". تتحدث والدة طالبين لروزنة عن إجبار ابنها وابنتها على إيقاف تسجيلهما في جامعة اللاذقية، بعد الخوف الذي عاينته خلال وصول مقاطع توثق جرائم وانتهاكات بالساحل.
منظمة "هيومن رايتس ووتش" أكدت في تقريرها الصادر في آذار الفائت، أنّ "إعدامات ميدانية وفظائع أخرى وقعت في الساحل السوري في أعقاب هجمات متمردين على قوات الأمن وأثناء العمليات الأمنية اللاحقة للحكومة، مع تحمّل المجتمع العلوي وطأة العنف".
انخفاض أعداد الرحلات
إحدى شركات النقل في السويداء التي تعمل على نقل الطلاب إلى محافظتي حلب واللاذقية قالت لروزنة: إنها وبعد أحداث الساحل السوري، عملت على نقل جميع طلاب السويداء من اللاذقية وحلب وإعادتهم إلى محافظتهم.
يوضح موظف بالشركة: "قسم كبير من الطلاب بنسبة تصل إلى 70 بالمئة عاد إلى الدوام الجامعي في مدينة حلب، أما طلاب اللاذقية لا يزالون يتخوفون من العودة إلى الدوام، نسبة 80 بالمئة لم يعودوا بعد إلى الجامعة، رغم أنه لا يوجد أي مخاطر على الطرقات".
ويبيّن أن عدد طلاب جامعة اللاذقية من السويداء الذين يقومون بنقلهم، يصل إلى نحو ألفي طالب لم يعد منهم إلى الدوام سوى حوالي 200 طالب، فيما طلاب جامعة حلب يصل عددهم إلى 800، هؤلاء عاد معظمهم إلى الدوام، وفق قوله.
ويشير الموظف الذي عرف عن نفسه كمتحدث باسم الشركة التي فضل عدم الإشارة لاسمها، إلى أنّ رحلاتهم من السويداء إلى اللاذقية قبل سقوط النظام شهرياً تصل إلى 120 رحلة، أما اليوم انخفضت إلى 30 رحلة شهرياً.
وتعرّض 22 ناشطاً سياسياً من محافظة السويداء، السبت الفائت، إلى الاحتجاز والضرب والإهانات، من قبل عناصر على حاجز أمني في حمص، كانوا متوجهين إلى الرقة للمشاركة في فعالية تنظمها "الإدارة الذاتية"، وفق "السويداء 24".
وأفرج عنهم لاحقاً، حيث تحدثوا خلال اجتماع مع محافظ السويداء، حول تعرضهم لـ"الضرب والشتم والإهانات اللفظية، بما في ذلك عبارات ذات طابع طائفي" وفقاً لشهاداتهم التي وثقتها كاميرات متعددة حضرت اللقاء.
اقرأ أيضاً: ناشطون في السويداء: هذه آثار اعتداء "الأمن العام" علينا.. وجدل بعد لقائهم المحافظ
مخاوف وقلق
في حلب، تقول إحدى الطالبات من السويداء إن معظم زميلاتها توقفن عن الدوام خوفاً من الأوضاع الأمنية، رغم عدم تعرضها لمضايقات أثناء الطريق. لكنها أشارت إلى تعرض أحد شباب السويداء للطعن في أحد المرات، وفق روايتها.
كما أعربت هنادي، طالبة في دمشق عن قلقها من تدهور الوضع الأمني بين السويداء والعاصمة، قائلة: "نخاف من حدوث مشاكل أمنية ومن عدم قدرتنا على العودة للدراسة، الخوف من الطريق ما بين السويداء ودمشق".
ومطلع آذار الماضي، تعرّض طلاب من السويداء في كلية "الهمك" بدمشق لتهم وشتائم بخلفية طائفية من قبل طلاب آخرين، ليتدخل الأمن العام ويفض ما جرى، وفق مراسل روزنة.
واندلعت مشاجرة في السكن الجامعي بمدينة حلب نهاية شباط الماضي، من بين المشاركين بها طلاب من محافظة السويداء، حسب شبكة "السويداء 24" المحلية.
مطالبات بإعادة الأمان
يتخوف طلاب السويداء من فصلهم من جامعاتهم خارج المحافظة جراء تغيّبهم عن الدوام، ويطالبون الحكومة بقرارات تنصفهم وتراعي ظروفهم، يقول كنعان، مشرف المنظمة الطلابية في السويداء.
وطالب كنعان الحكومة السورية، تعميم الأمن والأمان على طرقات السفر لبث الطمأنينة، ومحاسبة كل من يثير النعرات الطائفية بين الطلاب.
وأكد: "طلاب سوريا شريحة واحدة متكاملة مترابطة لا تتجزأ أبداً فهي تسعى لهدف واحد، وكل من يحاول التفريق بين الطلاب من خلال الديانات يجب إيقافه فوراً واتخاذ الإجراءات المناسبة بحقه".
كذلك طالب كنعان بإصدار قرار ينصف الطلاب الذين أوقفوا دراستهم بسبب الأحداث الأخيرة في الساحل، لكي لا يتسبب ذلك بحرمانهم من عام كامل.
ودعا أيضاً لتخفيف أجور النقل بما يتناسب مع الأوضاع المعيشية: "أهالي الطلاب بعضهم لم يستلم مرتبّه الحكومي ومنهم من فصل من وظيفته والبعض الآخر لا يوجد لديه ما يكفي ليسد تكاليف النقل عدا عن تكاليف المعيشة في محافظات أخرى".
وفي ظل المخاوف التي يعيشها الطلاب يطالبون بحلول منصفة لدعمهم دراسياً. قصة هيا وإيفلين وسمر وأمهاتهن، ليست حالات فردية، بل صورة مصغّرة عن أزمة تمس طلاب الجامعات من السويداء، وتكشف عن جانب من مخاوفهم اليومية والمستقبلية.