العدالة المؤجلة في الساحل السوري.. جرائم متواصلة والحكومة تعد بالمحاسبة مجدداً

العدالة المؤجلة في الساحل السوري.. جرائم متواصلة والحكومة تعد بالمحاسبة مجدداً

تقارير وتحقيقات | 5 04 2025

روزنة

في الوقت الذي يستمر فيه سقوط الضحايا المدنيين في مناطق متعددة من الساحل بدوافع طائفية وانتقامية، تُصدر منظمة العفو الدولية تقريراً يُدين الانتهاكات الأخيرة، محذراً من تفاقم العنف. الحكومة السورية تعلن استعدادها للتعاون، مع التأكيد على توضيح سياق الأحداث بالإشارة إلى "الاعتداءات على قواتها" فيما يبقى المدنيون عالقين بين روايتين، يدفعون وحدهم ثمن الحقيقة الغائبة.

منظمة "هيومن رايتس ووتش" أكدت في تقريرها الصادر في العاشر من آذار الفائت، أنّ "إعدامات ميدانية وفظائع أخرى وقعت في الساحل السوري في أعقاب هجمات متمردين على قوات الأمن وأثناء العمليات الأمنية اللاحقة للحكومة، مع تحمّل المجتمع العلوي وطأة العنف".

وأمس الجمعة، عثر على جثث 5 أشخاص من عائلة واحدة من "الطائفة العلوية" بينهم طفل، في مشفى الوعر بمدينة حمص، كانوا قد اختطفوا من قبل مسلحين مجهولين اقتحموا منزل العائلة الواقع بين حي السبيل وحي البياضية في مدينة حمص، وفق "المرصد السوري لحقوق الإنسان".

وتداول ناشطون عبر منصات التواصل الاجتماعي خبر اختطاف العائلة من منزلهم قبل الإعلان عن كشف مقتلهم، أمس الجمعة.

ملاحظات منهجية للمنظمات الحقوقية!

أصدرت الحكومة السورية بياناً مساء أمس الجمعة، نقلته وكالة "سانا"، أعربت فيه عن اهتمامها للتقرير الصادر عن "منظمة العفو الدولية" الذي تناول أحداث الساحل السوري التي وقعت في آذار الماضي.

وأكدت الحكومة أن ما ورد في التقرير من خلاصات أولية هو من اختصاص "اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق" المكلّفة بتقييمها وفق التفويض الواسع والاستقلالية التي تتمتع بها بموجب قرار رئاسي.

وانتقدت الحكومة ما وصفته بـ"ملاحظات منهجية" في بعض التقارير الحقوقية، أبرزها تجاهل السياق الذي وقعت فيه الأحداث، ما يؤدي إلى نتائج غير دقيقة، على حدّ تعبيرها.

وبحسب البيان الحكومي، بدأت الأحداث بـ"اعتداء منظم" شنّته مجموعات تابعة للنظام السابق ضد قوات الأمن، وارتكبت خلال ذلك "انتهاكات بحق أهالي المنطقة بدوافع طائفية أحياناً، وقد نجم عن ذلك غياب مؤقت للسلطة بعد استشهاد مئات العناصر، ما أدى إلى فوضى أمنية تلتها انتقامات وتجاوزات وانتهاكات".

وشدد البيان، أنّ "اللجنة الوطنية" تحقق في تلك الانتهاكات التي ستصدر نتائجها خلال ثلاثين يوماً.

اقرأ أيضاً: الشرع يصدر قرار بتشكيل لجنة تحقيق في أحداث الساحل السوري

من جهتها لم تغفل "منظمة العفو الدولية" سياق أحداث الساحل، وذكرت في تقريرها أنّ "جماعات مسلحة تابعة للحكومة السابقة" شنت هجمات منسقة على مواقع أمنية وعسكرية في محافظتي اللاذقية وطرطوس في السادس من آذار. ورداً على ذلك شنت وزارتي الدفاع والداخلية بدعم من "الميليشيات المساندة لها" هجوماً مضاداً، أدى إلى تصعيد كبير في العنف. وبحلول 8 آذار أعلنت السلطة استعادتها السيطرة على جميع المناطق المتضررة.

وأعربت الحكومة عن استعدادها للتعاون مع المنظمات الحقوقية والسماح لها بالوصول إلى جميع أنحاء البلاد، مشددة على مسؤوليتها في حماية جميع المواطنين دون تمييز، في إطار دولة تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية.

وفي التاسع من آذار الفائت، أصدر الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، قراراً بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لتقصي الحقائق حول أحداث الساحل السوري، بهدف الكشف عن ملابساتها، والتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون، وتحديد المسؤولين عنها. كما ستتولى اللجنة التحقيق في الاعتداءات على المؤسسات العامة ورجال الأمن.

اقرأ أيضاً:المجزرة تسرق العيد من السوريين.. طرطوس بين الحزن والخوف

منظمة العفو الدولية تطالب بخطوات فورية

أصدرت "منظمة العفو الدولية" تقريرها حول أحداث الساحل قبل يومين، وطالبت فيه الحكومة السورية بضمان محاسبة مرتكبي "موجة عمليات القتل الجماعي التي استهدفت المدنيين العلويين في المنطقة الساحلية"، كما طالبت باتخاذها خطوات فورية لضمان عدم استهداف أي شخص أو جماعة على أساس طائفتهم.

واتهم التقرير "ميليشيات تابعة للحكومة" بقتل أكثر من مئة شخص في مدينة بانياس بمحافظة طرطوس، يومي 8 و9 آذار الفائت، إضافة إلى مقتل مدنيين علويين في البلدات والمدن الواقعة على طول الساحل.

وقالت إنها حققت في 32 عملية قتل غير مشروعة وخلصت إلى أنها كانت متعمدة وموجهة ضد الأقلية العلوية.وتوضح المنظمة، أنّ الأدلة تشير إلى أنّ "الميليشيات التابعة للحكومة" استهدفت عمداً مدنيين من الأقلية العلوية في هجمات انتقامية، وأطلقت النار على الأفراد من مسافة قريبة "بدم بارد".

ونقلت المنظمة عن شهود عيان قولهم، إن رجالاً مسلحين سألوا الناس عما إذا كانوا علويين قبل تهديدهم أو قتلهم، وأجبرت السلطات عائلات الضحايا على دفن أحبائهم في مواقع دفن جماعية دون شعائر دينية أو مراسم دفن علنية، وفق التقرير.

واتهمت المنظمة الحكومة بتقاعسها لمدة يومين عن التدخل لوقف عمليات القتل المتعمدة والتي تصنف على أنها "جرائم حرب"، وفق تقريرها.

وحذّرت "منظمة العفو الدولية" أنه في غياب العدالة تخاطر سوريا بالوقوع مرة أخرى في دوامة من الفظائع وإراقة الدماء، وأكدت على ضرورة منح ضحايا تلك الجرائم العدالة والحقيقة، للبرهان عن طيّها لصفحة الماضي وعدم التسامح مطلقاً مع الهجمات على الأقليات.

قد يهمك: 15 ألف نازح سوري نحو شمال لبنان... ظروف إنسانية صعبة ومأساة

تقارير حقوقية توثّق الانتهاكات

ومطلع نيسان الجاري، وثق "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" بالأسماء مقتل 1169 مدنياً في أحداث الساحل، بينها 103 نساء و52 طفلاً، في اللاذقية وطرطوس وحماة. كما وثق مقتل 218 فرداً من الأمن العام جراء الهجوم الذي نفذته "فلول النظام".

وفي الـ 11 من آذار الفائت أصدرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" تقريراً أولياً، وثقت فيه مقتل 803 أشخاص خارج نطاق القانون ما بين 6 و10 آذار الفائت، "إثر هجمات شنتها مجموعات مسلحة خارجة عن إطار الدولة مرتبطة بالنظام السابق، في اللاذقية وطرطوس وحماة،

ووصفت الشبكة تلك الفترة بأنها شهدت "أسوأ موجات عنف" بعد سقوط بشار الأسد في 8 كانون الأول الفائت.

ولم تغفل "الشبكة السورية" سياق أحداث الساحل، وذكرت أنّ العمليات الأمنية التي شنتها الحكومة جاءت رداً على استهداف مواقع أمنية وعسكرية تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية نفذتها "مجموعات مسلحة مرتبطة بالنظام السابق".

وقالت الشبكة إن تلك العمليات الأمنية "لم تقتصر على ملاحقة المتورطين مباشرة في الهجمات، بل سرعان ما تحولت إلى مواجهات عنيفة ارتكبت خلالها انتهاكات جسيمة واسعة النطاق، اتّسم معظمها بطابع انتقامي وطائفي، وكان للفصائل المحلية والتنظيمات الإسلامية الأجنبية التابعة شكلياً لوزارة الدفاع الدور الأبرز في ارتكابها".

وشملت الانتهاكات "إعدامات ميدانية وعمليات قتل جماعي ممنهجة، بدوافع انتقامية وطائفية، إضافة إلى استهداف المدنيين، بمن فيهم أفراد الطواقم الطبية والإعلامية والعاملون في المجال الإنساني" وفق تقرير الشبكة.

رغم الوعود الانتهاكات مستمرة

رغم تشكيل لجنتي السلم الأهلي ولجان التحقيق في الجرائم التي حصلت في الاسبوع الأول من شهر آذار الماضي، لكن لا تزال ترتكب جرائم بحق المدنيين حتى الآن، وفق تقارير إعلامية.

وكان الشرع وعد بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات وأكد أنّ "سوريا دولة قانون، القانون سيأخذ مجراه على الجميع" وفق قوله الشهر الفائت على خلفية وقوع الانتهاكات، خلال مقابلة مع وكالة "رويترز".

وأقر الشرع بأنّ أعمال قتل انتقامية حدثت في الساحل على خلفية هجمات شنتها "جماعات موالية للنظام السابق يدعمها أجانب".

المتحدث باسم "لجنة تقصي الحقائق" المكلفة بالتحقيق في أحداث الساحل السوري، ياسر فرحان قال خلال مؤتمر صحفي في الـ 25 من آذار، إن اللجنة وثقت 95 شهادة، وتلقت أكثر من 30 بلاغاً صوتياً ومكتوباً، ولمح إلى احتمال وقوع "جرائم ضد الإنسانية"، مؤكدة أن بعض المتورطين لا يزالون خارج المساءلة.

انتهاكات جديدة

في ريف بانياس، قتل شقيقان من قرية حريصون، رمياً بالرصاص المباشر من قبل مسلحين مجهولين يستقلان دراجة نارية على أحد الطرق، وفق تقرير لـ"المرصد السوري" اليوم السبت.

وفي أول أيام عيد الفطر، الإثنين الفائت، ارتكبت جريمة في قرية حفر بنمرة بريف بانياس، راح ضحيتها خمسة مدنيين قتلوا برصاص ملثمين اثنين، وكشف قيادي في الأمن العام إلقاء القبض عليهما دون تأكيد رسمي حول الجهة التي يتبعان لها.

وأفاد شهود عيان أن المسلحين دخلا القرية في وقت مبكر، وطلبا التحدث مع المختار جودت فارس، وبمجرد وصوله، قاما بإطلاق النار عليه وعلى من كان برفقته، ليقتل مع خمسة آخرين بينهم طفل.

وأثارت الجريمة موجة تضامن وغضب واسعة عبر مواقع التواصل، وسط مطالبات بمحاسبة فورية للجناة ومحاكمتهم "علنياً"، إضافة لأصوات نقد لاذعة تجاه التدابير الأمنية التي تتخذها السلطة في دمشق، وسط مطالبة الحكومة الجديدة للتحرك الفوري على الأرض.

اقرأ أيضاً: جريمة حفر بنمرة في بانياس.. إليك المستجدات وأبرز الإدانات بعد 24 ساعة

شهادات مصورة

وبعد أحداث الساحل التي بدأت في السادس من آذار الفائت، بدأ تنتشر شهادات مصورة لأهالي الضحايا عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل إعلامية.

وفي أحد المقاطع المصورة، يروي رجل مسن وإلى جانبه زوجته، تفاصيل مقتل أبنائه الثلاثة في قرية الرصافة غربي حماة، يوم 7 آذار الفائت، بعدما دخل عليهم مسلحون يرتدون زياً عسكرياً، حيث أقدموا على قتل اثنين من أبنائه رمياً بالرصاص أمامه عينيه، وقتل الثالث بعد يومين من اختطافه وتعذيبه.

الأولاد الثلاثة يعملون في "الهجرة والجوازات والثاني في شرطة السير والثالث في المحاسبة" في إشارة إلى عدم تورطهم في أي أعمال مسلحة سابقاً، وفق رواية والدهم.

وفي ذات القرية أيضاً تحدث أبو سليمان عن كيفية مقتل ابنه بوحشية بعدما دخل مسلحون على منزله، وأخذوا ولديه، عاد أحدهما، فيما الآخر قتل، ووجده قرب منزله وقد انتزع قلبه، بحسب روايته.

وشهدت الحدود اللبنانية حركة نزوح كثيفة، بعد انتهاكات الساحل السوري، حيث هرب المئات إلى لبنان بحثاً عن الأمان. ووفق تقرير للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، اطلعت عليه "روزنة" في الـ 21 من آذار، فقد وصل عدد الوافدين بعد أحداث الساحل إلى 15,798 نازحاً من سوريا (3,587 عائلة، بما فيهم 73 عائلة لبنانية).

النائب اللبناني سجيع عطية، قال لـ"الشرق الأوسط" في الثامن من آذار، إن "الآلاف يصلون إلى 5 أو 6 قرى علوية في عكار، بحيث بات المنزل الواحد يعيش فيه العشرات (...) عدد الوافدين في يوم واحد بلغ 10 آلاف، حيث يصل النازحون من الساحل السوري وفوداً عبر الحدود غير الشرعية".

واليوم السبت ضبطت "خفر السواحل السورية" قارباً على متنه أكثر من 30 مدنياً أثناء محاولتهم مغادرة البلاد بطريقة غير شرعية إلى إحدى الدول المجاورة، وفق وكالة "سانا".

وفي تقرير سابق رصدت فيه روزنة تحضيرات يعمل عليها مواطنون من مدينة طرطوس للسفر، ما ينذر بموجة لجوء ثانية.

قد يهمك: في الساحل السوري.. لا صوت يعلو على صوت الهجرة

محافظ اللاذقية زار عدداً من الأهالي، وفي آخر مؤتمر صحفي لرئيس لجنة التحقيق المشكلة بخصوص أحداث الساحل أكد على متابعة التحقيق، فيما ينتظر السوريون نتائج التحقيق ومحاسبة مرتكبي الجرائم.

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

بودكاست

شباب كاست

بودكاست مجتمعي حواري، يُعدّه ويُقدّمه الصحفي محمود أبو راس، ويُعتبر منصة حيوية تُعطي صوتًا للشباب والشابات الذين يعيشون في شمال غرب سوريا. ويوفر مساحة حرّة لمناقشة القضايا والمشاكل التي يواجهها الشباب في حياتهم اليومية، بعيدًا عن الأجواء القاسية للحرب.

شباب كاست

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط “الكوكيز” لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة.

أوافق أرفض