تقارير وتحقيقات | 24 03 2025

يتزامن الاحتفال في 24 آذار هذه السنة، باليوم الدولي للحق بمعرفة الحقيقة بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وكرامة الضحايا، مع مرور أكثر من ثلاثة أشهر على سقوط النظام السوري السابق، ومطالبات ذوي الضحايا المستمرة بـ"كشف الحقيقة".
في هذه المادة نسلط الضوء على المقصود بحق الضحايا وذوي الضحايا بمعرفة الحقيقة حسب الأمم المتحدة، ولماذا اختير هذا اليوم، وما أبرز البيانات والإحصاءات التي وثقت انتهاكات فظيعة ارتكبت في سوريا، من حق السوريين "معرفة الحقيقة" حولها.
الحق في معرفة حقيقة ماذا؟
في المادة 49 من الإعلان الدستوري لسوريا الصادر في 13 آذار الجاري، وردت عبارة "الحق في معرفة الحقيقة" ضمن المادة 49 التي تنص على إحداث هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية مرتكزة على الضحايا.
واتخذت الأمم المتحدة قرار يحمل اسم "الحق بمعرفة الحقيقة" بتاريخ 18 كانون الأول 2013، مسترشدة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقيات جنيف 1949 وغيرها من صكوك القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ويطالب الضحايا أو ذوو الضحايا بمعرفة ما حصل لهم أو لذويهم وأقاربهم، من ضحايا الإعدام بلا محاكمة والاختفاء القسري، والأشخاص المفقودين، والأطفال المختطفين، وضحايا التعذيب.
ويعني "الحق في معرفة الحقيقة" حسب دراسة لللمفوضة السامية لحقوق الإنسان:
-معرفة الحقيقة كاملة ودون نقصان في ما يتعلق بالوقائع التي يكشف عنها.
-الظروف التي أحاطت بها، ومن شارك فيها.
-معرفة الظروف التي وقعت فيها الانتهاكات، وأسبابها.
وحق "معرفة الحقيقة" هو "حق غير قابل للتصرف ومستقل، ويرتبط بواجب وواجب الدولة لحماية وضمان حقوق الإنسان وإجراء تحقيقات فعالة وضمان الانتصاف والتعويض الفعالين"، حسب الدراسة ذاتها التي نشرت في 2006.
ما المطلوب من "الدولة الانتقالية"؟
يرجح مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، في تقرير حول "الحق في معرفة الحقيقة" سنة 2009، إن الأشخاص الذين عانوا في ظل النظام القديم سيطالبون بعد انتهاء حقبة موصومة بانتهاكات متفشية لحقوق الإنسان، بأربعة مطالب من الدولة الانتقالية.
وتتمحور المطالب حول "معرفة الحقيقة، وإحقاق العدالة، ووسائل الجبر، والإصلاحات المؤسسة الكفيلة بمنع اندلاع العنف من جديد، ويعتمد كل مطلب من هذه المطالب على توفر المحفوظات".
وركز التقرير على مسألة المحفوظات والوثائق الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان، وضرورة وصول لجان الحقيقة في مسار العدالة الانتقالية إلى السجلات لمكافحة الإفلات من العقاب والتدقيق في أمر المسؤولين واكتشاف الحقيقة وتقديم التعويضات.
كذلك، أفرد التقرير مساحة حول مسألة حماية الشهود وإدارة سجلات مؤسسات العدالة الانتقالية.
تقول الأمم المتحدة أن تخصيص يوم لـ"الحق في معرفة الحقيقة المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة"، يهدف إلى الاحتفاء بذكرى ضحايا الانتهاكات وأهمية الحق في معرفة الحقيقة وإقامة العدالة، إضافة للإشادة بمن كرسوا حياتهم لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها.
وقالت روابط "ميثاق الحقيقة والعدالة" في سوريا، أنها طالبت مع عائلات مفقودين ومعقتلين خلال لقاء رئيس سوريا في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، بكشف الحقيقة حول مصير عشرات آلاف المفقودين ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
وأكد الوفد للرئيس "الشرع" أن كشف المصير ومحاسبة الجناة "هو حقٌ غير قابل للمساومة وشرط أساسي لتحقيق العدالة"، وأن "الحقيقة حق أساسي للعائلات" عبر ضمان وصولهم إلى المعلومات المتوفرة حول أحبائهم المعتقلين والمختفين.
ماذا تقول الأرقام في سوريا؟
تبقى قضية المختفين قسراً في سوريا هي من الأكثر ارتباطاً بمطالبات "كشف الحقيقة" وحق ذوي المختفين والمغيبين قسراً بمعرفة مصيرهم وظروف اختفائهم ومن شارك بعملية تغييبهم واعتقالهم وأسباب ذلك.
ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في إحصائية لها حتى آب 2024، وجود ما لا يقل عن 113 ألف و218 سوري وسورية قيد الاختفاء القسري منذ آذار 2011، بينهم 96 ألف على يد قوات النظام السوري السابق، منهم أكثر من 2300 طفل و5700 سيدة (أنثى بالغة).
كذلك، يوجد حسب التقرير نحو 8600 مختف قسراً على يد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ونحو 3 آلاف على يد فصائل "الجيش الوطني السوري"، ونحو 3 آلاف أيضاً على يد "قوات سوريا الديمقراطية" وقرابة 2200 على يد "هيئة تحرير الشام".
وعن حق معرفة الحقيقة حول الأطفال المختطفين، فتظهر إحصائية لـ"الشبكة السورية" حتى آب 2024، أن 3698 طفل قيد الاعتقال والاختفاء القسري على يد النظام السابق، و319 على يد "داعش"، و842 لدى "قسد"، و368 على يد "الجيش الوطني"، و47 لدى "الهيئة".
أما ما يتعلق بحق ذوي ضحايا التعذيب، بمعرفة الحقيقة كاملة حول الانتهاكات والجرائم التي أدت لمقتلهم، فتظهر إحصائية لـ"الشبكة السورية لحقوق الإنسان" مقتل أكثر من 15 سوري وسورية بسبب التعذيب، نسبة 98.11 بالمئة منهم على يد قوات النظام السابق.
وحول الحق في معرفة الحقيقة لضحايا وذوي ضحايا الإعدامات دون محاكمة في سوريا، فتقول "الشبكة السورية" في تقرير صادر بشباط الماضي، أن النظام السابق قتل عشرات الآلاف بإعدام دون محاكمة، وحصلت على وثائق إعدام 50 طفلاً بين 2018 و2024.
واعتمد النظام السابق الإعدام دون محاكمة عادلة كأداة انتقامية، وفق "الشبكة"، عبر محكمة الميدان العسكرية ومحكمة الإرهاب ومحاكم الجنايات العسكرية والعادية.
كذلك، وثقت "الشبكة" خلال أحداث الساحل الأخيرة بين 6 و10 آذار الحالي، عمليات إعدامات ميدانية وقتل جماعي واستهداف المدنيين بمن فيهم الأطفال والنساء والطواقم الطبية والإعلامية، على يد "فلول النظام"و "فصائل غير منضبطة تتبع شكلياً لوزارة الدفاع".
وأصدر الرئيس "الشرع" قراراً بتشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في أحداث الساحل التي راح ضحيتها مئات المدنيين وعناصر الأمن العام.
لماذا اختير 24 آذار؟
تعتبر الأمم المتحدة أن المناسبات الدولية والعالمية فرصًا لتثقيف الجمهور بشأن القضايا ذات الاهتمام، ولحشد الإرادة السياسية والموارد اللازمة لمعالجة المشكلات العالمية، وللاحتفال بإنجازات الإنسانية ولتعزيزها.
واختارت يوماً لـ"حق معرفة الحقيقة فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ولاحترام كرامة الضحايا"، للإشادة بذكرى المونسنيور أوسكار روميرو، لذي قتل في 24 آذار 1980، بعد نشاط في إدانة انتهاكات حقوق الإنسان للأفراد الأكثر ضعفاً في السلفادور.
ولقب أوسكار أرنولفو روميرو بأنه "صوت من لا صوت له"،وكان كاهنًا كاثوليكيًا بارزًا في السلفادور خلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، وأصبح رئيس أساقفة سان سلفادور عام ١٩٧٧، بعد أن شهد انتهاكات حقوق الإنسان تحدث نيابة عن الفقراء وضحايا القمع.
عندما أطاح انقلاب عسكري بالحكومة السلفادورية في تشرين الأول 1979، أعرب روميرو عن دعمه الحذر للمجلس العسكري الإصلاحي الذي حل محله. ولكنه سرعان ما أصيب بخيبة أمل عندما استمر اضطهاد الفقراء والكنيسة.
وفي شباط 1980، أرسل رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، داعياً الولايات المتحدة إلى إنهاء المساعدات العسكرية للنظام، قائلاً بتوسل: "لقد سئمنا من البنادق والرصاص"، قال متوسلاً.
وتشير مصادر عدة إلى أن اغتيال رئيس الأساقفة روميرو أثار غضبًا بين الشعب السلفادوري وكان شرارة للحرب الأهلية التي استمرت بين عامي 1979 و1992، إذ قتل نحو 53 شخص في تشييعه الذي شارك به نحو 250 ألف شخص.
وقد أكسبته حملته من أجل حقوق الإنسان في السلفادور العديد من المعجبين على الصعيدين الوطني والدولي، كما نال ترشيحًا لجائزة نوبل للسلام، حسب موقع الأمم المتحدة.
وتبقى المطالبات مستمرة في سوريا لكشف الحقيقة، مع انتظار انطلاق مسار العدالة الانتقالية وآلياته و"الحق في معرفة الحقيقة" كما نص الإعلان الدستوري الذي أقر في 13 آذار الحالي.