تقارير وتحقيقات | 6 03 2025

يتعرض الأطباء المقيمون في مشافي طرطوس غربي سوريا لما يصفونه بـ"الاستغلال" نتيجة حاجتهم للتخصص في مشافي الدولة، من خلال عملهم لساعات طويلة مقابل أجر ضئيل دون حصولهم على وجبات طعام وسكن ملائم.
ويعتمد النظام الصحي في سوريا على الأطباء المقيمين بنسبة كبيرة، وهم أطباء تخرجوا من كليات الطب البشري ويجب أن يتعاقدوا مع المشافي الحكومية بهدف التخصص الذي تختلف مدته حسب الاختصاص، وتتراوح بين 4 و7 سنوات.
وكان النظام السوري السابق، قد أصدر قراراً عبر الهيئة السورية للاختصاصات الطبية في عام 2019 ألزم الطبيب المقيم بعد إنهائه سنوات الاختصاص المذكورة أعلاه بالخدمة سنة إضافية في أحد المشافي الحكومية على أن هذا القرار قد تم إلغائه بعد سقوط النظام.
وتستعرض "روزنة" في هذا التقرير معاناة الأطباء المقيمين وكيف يتم ما يصفونه بـ"استغلالهم" عبر العمل لساعات طويلة بأجور متدنية مع نقص في التدريب المناسب والإهمال من قبل الأطباء الاختصاصيين، وكل ذلك، في سبيل حصولهم على الاختصاص.
وطلب جميع من تحدّثت إليهم "روزنة" عدم الكشف عن هوياتهم لمخاوف ترتبط بسلامتهم، لذلك جميع الأسماء الواردة تم استبدالها بأسماء مستعارة.
دوام طويل
يتواجد الأطباء المقيمين في المشافي أربعاً وعشرين ساعة، على عكس الأطباء الاختصاصيين الذين قد لا تتجاوز فترة بقائهم الساعة أو اثنتين.
ويضطر كثير من "المقيمين" إلى نقل المريض إلى غرفة العمليات بسبب عدم توفر من يقوم بتلك المهمة من الممرضين، كما أفاد عدد منهم لروزنة.
يصف علاء (27 عاماً) وهو طبيب مقيم في اختصاص الجراحة بمشفى طرطوس الوطني، لروزنة، أن "ظروفهم مأساوية"، إذ يبلغ عدد العاملين في المشفى الوطني بطرطوس 2224 من كافة التخصصات، منهم الأطباء المقيمين.
"الراتب لا يكفي مواصلات، نظرًا لأن معظمنا يأتي من مناطق ريفية بعيدة (...) يضاف لها مصاريف أخرى خلال المناوبة في المشفى منها فواتير اتصالات وإنترنت للتواصل بين الأطباء في مختلف الأقسام"، يضيف الطبيب.
ورغم وجود محاولات لتحسين جودة الطعام في المشفى، لكن، علاء وزملائه، "يضطرون لشراء الطعام من خارج المشفى"، ويشير إلى دخوله لغرفة العمليات من التاسعة صباحاً حتى السادسة مساءاً، وعند خروجه يكون الإطعام (وجبات للكوادر الطبية) قد نفذت.
ويقارن الطبيب مرتبه بسعر وجبات الطعام "الجنوني" التي يضطر لشرائها، قائلاً إن ما يتقاضاه شهرياً يعادل سعر ست وجبات فقط.
وما يفاقم من الضغط النفسي والجسدي للأطباء، النقص في المواد الطبية مثل الأدوات الجراحية الضرورية لتقييم الجروح، إذ ليس هناك شاشات عقيمة، وجهاز الأشعة يتعطل من وقت لآخر.
وما يجري في المشفى الوطني ينسحب على غيره من مشافي طرطوس بحسب شهادات لأطباء من تلك المشافي حصلت عليها "روزنة".
فجوة تعليمية وتدريبية
سميح، طبيب آخر مقيم في المشفى الوطني بطرطوس، أكد أنّ المسؤولية في تشغيل المشافي الحكومية تقع على عاتق الأطباء المقيمين، مقابل راتب زهيد، فضلاً عن الاعتداءات التي يتعرض لها هؤلاء الأطباء من قبل مرافقي المرضى.
وخرج جهاز التنظير الهضمي العلوي والسفلي عن الخدمة في المشفى منذ أكثر من عام، ولم يصلح بحجج متعددة، ما سبب فجوة تعليمية لأطباء الاختصاص، الذين يحصل بعضهم على عروض تدريب في مشاف خاصة بدمشق وغيرها مقابل 1500 دولار أمريكي، وفق سميح.
كذلك، يرى الطبيب المقيم أنّ مشكلة نقص الاهتمام العلمي بالأطباء، ناجمة عن عدم اهتمام الطبيب المختص بنقل خبراته للطبيب المقيم، إذ "يكتفي الأخصائي بإعطاء التوصيات فقط (...) هذا استغلال لحاجتنا كمقيمين للتدريب الأكاديمي، وتربّح من اهتمامنا بالمرضى".
ونقلت صفحة "سماعة حكيم" أمس، صوراً قالت إنها لاعتصام عدد من أطباء الدراسات العليا في مشفى الأطفال الجامعي بدمشق "بعد القرارات المجحفة بحقهم في لقائهم مع المشرفين وإدارة المشفى".
احتجاجات أطباء الدراسات العليا في مشفى الأطفال الجامعي بدمشق - سماعة حكيم (فايسبوك)
نقص في الإطعام
تقول الطبيبة أروى أن الأطباء المقيمين أبلغوا بعد سقوط النظام السابق بضرورة استهلاك ما هو موجود من إطعام، على أنه بعد ذلك لن يكون هناك إطعام، مضيفةً أنّ الإطعام اقتصر على وجبة واحدة فقط في اليوم.
وفي ظل نقص الطعام المقدم في المشفى، يلجأ الأطباء المقيمون (حوالي تسعين طبيباً وطبيبة) إلى إعداد الطعام ضمن غرفهم، لأنّ ثمن الأطعمة الجاهزة مكلف، بحسب أروى، التي قالت: "بتنا نخجل أننا أصبحنا أطباء ولا زلنا نعتمد على أهلنا في المصروف".
إضافةً لذلك، فإنّ "فترة التدفئة المسموحة هي ساعتين خلال اليوم بسبب نقص مادة المازوت، ولا تتوافر المياه الساخنة إلا نادراً، وهي ضرورية جداً لطبيب يقضي خمسة أيام متواصلة في المشفى". كما قالت أروى لـ "روزنة".
اقرأ أيضاً: "لا أخجل من طلب الإكرامية".. ممرضون سوريون يعانون: حقوقنا ضائعة!
عقامة بالحد الأدنى
بعد فصل عدد كبير من عمال النظافة، أصبحت نظافة المشافي سيئة نتيجة تراكم الأوساخ، بحسب بركات وهو طبيب مقيم في إحدى مشافي طرطوس الحكومية، مشدداً على ضرورة توافر النظافة الطبية في مشافي مسؤولة عن أرواح الناس.
وحذر بركات من أنّ هذه الأوساخ تصبح بؤرة لنمو الجراثيم وانتقال الانتانات، وهي بذلك خطرة على المريض والطبيب أيضاً.
وأكد، بأنّ تسريح الممرضين وعمال النظافة فرض عليهم أعباءً ومهام جديدة، وفاقم أزمة النظافة في أغلب المشافي.
أين نقابة الأطباء؟
حاولت "روزنة" نقل ما يحدث من استغلال لأطباء الإقامة إلى نقابة أطباء طرطوس، ليشير أمين سر النقابة مازن عبد الكريم إلى أنّ رواتب الأطباء المقيمين تخضع لقانون العاملين الأساسي رقم 50 لعام 2004، وكذلك طبيعة عملهم ودوامهم في المشافي، وليس للنقابة علاقةً بها.
واستمع وزير الصحة ماهر الشرع خلال زيارته للمشفى الوطني في العشرين من شباط الفائت، لشكاوى الأطباء حول الرواتب القليلة، ووعدهم بأنّ "الرواتب ستزيد 4 – 5 أضعاف".
يضاف لذلك، حسب وعد الوزير "الشرع"، أن يكون هناك بدل سفر واختصاص وتصنيف للأطباء وفق تراتبية من مقيم إلى ممارس ثم اختصاصي واختصاصي أول ثم استشاري، استشاري أول، وسيعطي كل ترتيب راتباً وفقاً لذلك، كما قال بركات لـ "روزنة".
وزير الصحة ماهر الشرع في اجتماع مع كوادر مشفى طرطوس الوطني - إنترنت
وفيما يخص التدريب والتأهيل لهؤلاء الأطباء، اعترف أمين السر بوجود تقصير في هذا الجانب يتم العمل على تفاديه عبر محاضرات أسبوعية للأطباء.
وبيّن أمين سر النقابة أن موضوع الإطعام توقف نتيجة إلغاء حكومة تصريف الأعمال لمؤسسة السورية للتجارة التي كانت تؤمن تلك الوجبات، وأنّ هناك توجه لحل هذه المشكلة.
إلى ذلك، يرى الطبيب بركات أن النقابة لا تستطيع اتخاذ قرارات حقيقية وربما لا تريد ذلك، كونها مشكّلة حديثاً ولا يمكن تحميلها أي مسؤولية حالياً، مشيراً إلى أن فعاليتها في تحسين واقع الأطباء مستقبلاً تتوقف على درجة الاستقلالية الممنوحة لها.
اقرأ أيضاً: تسريح الموظفين في مشافي طرطوس.. بين اتهامات "المحسوبية" وشعور "الإنصاف"
وبينما يعاني الأطباء المقيمين من ضعف الرواتب وقلة النظافة والطعام والسكن السيىء، تستمر وزارة الصحة ضمن سياستها الرامية لإعادة هيكلة القطاع الصحي بفصل أطباء وممرضين وإداريين من مختلف الاختصاصات بذرائع متعددة دون وجود معايير واضحة.
بينما، اعتبر أمين سر النقابة أن موضوع صرف الممرضين والأطباء تتم ضمن إعادة هيكلة وزارة الصحة، مؤكداً أن من تم صرفه أعطي إجازة مأجورة لثلاثة أشهر ريثما يتم إعادة توزيع العمالة بما يتناسب مع احتياجات المشافي.