تقارير وتحقيقات | 19 09 2024

في بلدة الهامة غربي دمشق، ينتظر أبو محمد صباحاً وسيلة نقل، ولمدة لا تقل عن ساعتين، من أجل الذهاب إلى عمله يومياً، وهو أمر بات مرهقاً للكثيرين في ظل تخفيض مخصصات المحروقات للمحافظات الواقعة تحت سيطرة النظام السوري قبل أيام.
يخرج أبو محمد منذ الساعة السادسة صباحاً، من أجل أن يحظى بوسيلة نقل لئلا يتأخر عن عمله، وهو ما حرمه من قهوته الصباحية مع زوجته التي اعتاد عليها لأكثر من 30 عاماً، وكذلك في العودة ينتظر لمدة لا تقل عن ساعتين "بدها رضا الله والوالدين" يقول لروزنة مازحاً.
ليس أبو محمد الوحيد الذي يشتكي من تردي خدمة المواصلات منذ أيام، الكثيرون يعانون أيضاً، والبعض امتنعوا عن الذهاب إلى أعمالهم، وذلك بسبب تخفيض حكومة النظام السوري مخصصات المحروقات لحدودها الدنيا، بما في ذلك مخصصات باصات النقل العام.
كذلك أوقفت حكومة النظام تزويد وسائل النقل الجماعي من سرافيس وباصات الشركات الخاصة بالمحروقات، ما أدى إلى توقفها عن العمل بشكل كامل، والتسبب بازدحامات كبيرة في المحافظات، وفق ما نقلت صحيفة "الوطن" المحلية.
غياب شبه كامل للمواصلات
وتحدثت صحيفة "الوطن" المحلية قبل أيام، عن غياب شبه كامل لباصات الشركات العامة والخاصة، قبل أربعة أيام، في جميع المحافظات الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، وبشكل خاص في العاصمة دمشق.
في وقت تستمر فيه بعض السرافيس وباصات الـ 24 راكباً بالعمل، وسط استغلال كبير لحاجة المواطنين عبر تقاضي ضعف التعرفة، بحجة عدم وجود مازوت و اضطرارهم إلى شراء المادة من السوق السوداء.
ما سبب أزمة المحروقات؟
أزمة المواصلات بسبب المحروقات ليست جديدة على السوريين، وعادت هذه المرة بقوة، بعد تخفيض عدد الطلبات المخصصة لمحافظة دمشق من 16 إلى 12 طلب يومياً، بينما تحتاج المحافظة إلى 20 طلباً، بحسب مصدر مسؤول في محافظة دمشق.
وخفضت حكومة النظام السوري عدد الطلبات، في محاولة منها لإدارة كميات المحروقات المتاحة بما يضمن استمرار عمل القطاعات الاستراتيجية لأطول فترة، إلى حين وصول توريدات نفطية جديدة، وفق صحيفة "الوطن".
اقرأ أيضاً: شهادات من "طوابير البنزين" شرقي سوريا: مبيت وانتظار لنصف يوم بلا نتيجة!
سائقو التكاسي استغلوا الأزمة
استغل سائقو التكاسي الخاصة أزمة المحروقات وباتوا يطلبون أسعاراً مضاعفة من المواطنين وطلاب الجامعة، الذين لم يجدوا بديلاً أمامهم سوى التكسي.
وفي مشهد متكرر يومياً في شارع الثورة أو تحت جسر الرئيس، تسمع المفاوضات ما بين الراكب وسائق التكسي حول السعر، حيث أصبح الأخير يطلب 20 ألف ليرة سورية بدلاً عن الـ10 آلاف التي كان يطلبها لذات المسافة المطلوبة قبل أيام، وفق مصادر محلية لروزنة.
ويعاني أكثر من 90 بالمئة من السوريين من الفقر، وهو ما يجعل تأثير أزمة المحروقات على حياتهم أسوأ، الكثيرون ليسوا قادرين على دفع تكلفة أجرة التكسي.
اضطرت إيلاف، وهي طبيبة في مستشفى المواساة بدمشق، للغياب عن مناوبتها لثلاث مرات هذا الأسبوع بسبب عدم قدرتها على دفع تكلفة الصعود في تكسي، في ظل غياب المواصلات العامة.
تقول إيلاف لروزنة: "أحتاج يومياً إلى دفع 50 ألف ليرة سورية بين ذهاب وإياب، للوصول إلى المستشفى ومن ثم العودة إلى البيت، لا قدرة لي على تلك التكاليف".
وتضيف: "ارتفعت أسعار المواصلات بنسبة مئة بالمئة منذ أسبوع إلى اليوم (...) من جسر الرئيس إلى قدسيا كانت التعرفة بـ 7 آلاف للشخص، واليوم أصبحت 15 ألف وقد تصل إلى 20 ألف ليلاً بسبب تأخر الوقت".
ويبلغ متوسط رواتب الأطباء 400 ألف ليرة سورية (29 دولاراً)، بحسب مصادر طبية لروزنة، حيث يبلغ سعر صرف الدولار الأميركي الواحد 13 ألف و668 ليرة سورية، بحسب "مصرف سورية المركزي".
أما وسام (35 عاماً) قرّر السير على الأقدام بدل طلب تكسي، من منطقة الفحامة، في مكان عمله، إلى مشروع دمر حيث يقيم، واضطر إلى شراء المياه والبسكويت لإكمال طريقه سيراً، إضافة إلى كريمات "المرخي العضلي" للتخفيف من حدة الآلام بعد السير لتلك المسافة.
ويقول وسيم لروزنة، "إنّ الأسعار أصبحت جنونية، طلب سائق التكسي مني 75 ألف ليرة من العمل إلى المنزل".
طرق بديلة
كعادتهم أوجد السوريون طرق بديلة لحل أزمة المواصلات المتجددة بين الحين والآخر.
لجأ مصطفى للذهاب إلى عمله في القصر العدلي بدمشق، إلى ركوب الدراجة النارية "الموتور".
يقول لروزنة: "أبحث عن سائقي الدراجات النارية وأطلب منهم إيصالي إلى عملي" ويضيف: "وجدت الأمر جيداً لكون الدراجة النارية سريعة، وتستطيع من خلالها التخلص من الازدحامات بسبب صغر حجمها".
ومن أجل تخفيف الأجرة على نفسه بحث بين زملائه المحامين عن شخص يسكن قرب منزله، من أجل أن يصعدا سوية إلى القصر العدلي، وهو ما نجح به مرات عديدة، وفق قوله.
ويلجأ آخرون للتنقل عبر "السوزوكي" من شارع الثورة إلى المزة، أو من البرامكة إلى المهاجرين، مقابل 1500 ليرة سورية على الراكب.
كذلك يلجأ آخرون إلى التكسي المشترك "تكسي الركاب" لتخفيف أعباء النقل والأجور عليهم.
وقبل أسبوع نقل موقع "هاشتاغ سوريا" عن مصدر خاص في محافظة دمشق، أنّ الازدحامات وأزمة النقل في دمشق تعود إلى نقص المحروقات منذ مدة قبل التخفيض الأخير، لافتاً إلى أنّ
تحويل معظم خطوط النقل إلى العمل في المدارس وتوصيل الطلاب أسهم أيضاً في زيادة الازدحام، حيث فتحت المدارس أبوابها للعام الدراسي الجديد الأسبوع الفائت.
للسائقين رأي آخر
ينتظر الناس لساعات طويلة وسط ازدحام شديد على مختلف الخطوط، ويرجع السائقين الأمر إلى القرارات الحكومية غير المدروسة، حسب قولهم.
يقول عدنان، وهو سائق تكسي، إنه يضطر لشراء ليتر البنزين بين 18 إلى 25 ألف ليرة سورية، بسبب تأخر رسائل البنزين، حيث تصل للسيارات العامة كل أسبوع أو عشرة أيام، أما السيارات الخاصة تصلهم رسائل البنزين ما بين 9 إلى 13 يوماً.
وكانت وزارة النفط اعتمدت نظام الرسائل سابقاً لبيع البنزين أوكتان 90، ويشتكي كثير من أصحاب "التكاسي" بسبب تأخر الرسائل وهو ما يعيق عملهم، ويضطرهم لشراء البنزين أوكتان 95 بسعر أعلى.
وفي التاسع من آب الفائت، أعلنت وزارة النفط، اعتماد نظام الرسائل لبيع مادة "البنزين أوكتان 95"، وحددت الوزارة كمية المادة عند الطلب، للسيارة الخاصة، بـ30 ليتراً كل ثمانية أيام، بينما حددت للسيارات "العامة" (سيارات أجرة) 25 ليتراً كل شهر.
ويشير عدنان إلى أنّ الـ 25 ليتراً لا تكفي سوى للعمل لمدة يوم ونصف فقط، ما يدفعه لشراء المحروقات من السوق السوداء، وبالتالي رفع تسعيرة الطلبات.
اقرأ أيضاً: قرار ببيع "البنزين أوكتان 95" عبر الرسائل في سوريا.. وانتقادات واسعة
يقول أحد سائقي سرافيس (مهاجرين صناعة) لروزنة، إن كمية تعبئة المازوت انخفضت منذ حوالي أسبوعين، وهو ما اضطرهم لشرائه من السوق السوداء بأسعار باهظة وصلت إلى 17 ألف ليرة سورية لليتر الواحد، وبالتالي رفع التعرفة إلى ألفي ليرة للاستمرار بخدمة المواطن، لكن ذلك عرضهم للانتقاد من قبل الركاب، لذلك قرر "ترك العمل حالياً على السرفيس".
النساء وأزمة المواصلات
وسائل النقل الاعتيادية (السرافيس) التي تتسع لـ 11 راكباً، اليوم يصعد فيها 20 شخصاً، ما يجعل صعود النساء فيها أمراً شبه مستحيل خوفاً من التعرض للتحرش.
فاطمة، موظفة في وزارة المالية، تتحدث لروزنة عن معاناتها قائلة: "أحتاج إلى دفع مصاريف إضافية فوق راتبي للوصول إلى منزلي يومياً في ريف دمشق بسبب أزمة المواصلات (...) من الأوفر لي أخذ إجازة بدون راتب بدل الذهاب للعمل يومياً".
وتعلّق إلهام على الصعود في السرافيس، وهي التي تعمل في شركة تكنولوجية بمنطقة المزة، قائلة: "النساء هم الحلقة الأضعف فعندما يأتي السرفيس لا يستطيعون دخول معركة الركوب مع الشباب، ما يضطرهم للانتظار وقت أطول حتى تسنح لهم الفرصة بالصعود".
وفيما يتعلق بالتكسي المشترك، من الصعب على السيدات الصعود مع عدة رجال لا تعرفهم للوصول للمنزل.
وتشير إلهام إلى أنها من عائلة محافظة ترفض ركوب التكسي المشترك أو حتى التكسي الخاص، وبالتالي تضطر لانتظار المواصلات العامة، وخلال الانتظار أحياناً تتعرض للإزعاج من قبل أصحاب السيارات الذين يعرضون عليها إيصالها مقابل أخذ رقمها.
أزمة المواصلات عامة
وفق صحيفة "الوطن" المحلية في منتصف أيلول الجاري، إن أزمة النقل تتصاعد في كل المحافظات السورية، بعد تخفيض المخصصات للمحافظات.
في الـ 11 من أيلول الجاري، صرح عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل في محافظة حمص، بشار عبد الله، لإذاعة "شام إف إم" المحلية، أن كمية المحروقات المخصصة للنقل في المحافظة انخفضت بنسبة 50 بالمئة، وهو ما أدى إلى تخفيض عدد الرحلات بين حمص وبقية المحافظات وتراجع حركة النقل الداخلي في المدينة.
كذلك خفضت محافظة اللاذقية مخصصات الخطوط الخارجية بين المحافظات ومخصصات الخطوط ضمن المحافظة بنسبة 50 بالمئة من سقف التعبئة، وفق إذاعة "شام إف إم" في الـ 12 من أيلول.
رفع تعرفة وسائل النقل الجماعي
وتجري محافظة دمشق دراسة لرفع تعرفة وسائل النقل الجماعي، في ظل أزمة المواصلات، وقال مصدر في المحافظة لصحيفة "الوطن" أمس الأربعاء، إنّ هناك دراسة لإقرار تعرفة جديدة لوسائل النقل الجماعي في دمشق من سرافيس وباصات، ومن المتوقع أن تصبح التعرفة 1500 ليرة سورية.
تلك الخطوة جاءت، وفق المصدر، نتيجة التضخم وارتفاع أسعار القطع التبديلية وأجور الصيانة.
وانتقد سوريون تلك الدراسة، معتبرين أن أزمة المواصلات، هي حجة لرفع تعرفة المواصلات، إذ يأخذ سائقو السرافيس من الآن ألفي ليرة سورية.