خدمي | 9 02 2024
عبد الله الخلفالنوم في السيارة أو الانتظار لنصف يوم بلا نتيجة في طوابير البنزين أمام المحطات، أصبحا روتيناً اعتيادياً لدى النسبة الأوسع من مالكي السيارات في مدن الرقة والحسكة والقامشلي، في ظل أزمة المحروقات المستمرة منذ سنوات، والتي تفاقمت في الآونة الأخيرة بمناطق سيطرة "الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا".
تفاقم الأزمة، الذي ترجعه "الإدارة" بشكل رئيسي للقصف التركي مؤخراً على منشآت نفطية في الحسكة، أدى إلى زيادة الأعباء على سائقي سيارات الأجرة والنقل بشكل خاص، وسط معاناتهم كغالبية السوريين من غلاء الأسعار وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
المبيت أمام المحطة!
أبو أحمد سائق سيارة أجرة "تاكسي" في مدينة الرقة، يضطر أن يبيت بعض الليالي الباردة داخل سيارته، لأخذ موقع متقدم في الطابور الطويل أمام محطة الوقود.
قال في حديثه لروزنة أن الأزمة تزداد سوءاً يوماً بعد آخر، إذ لم يعد يكفي الانتظار في الطابور منذ الصباح حتى منتصف الليل، بل يجب أن تذهب ليلاً لتحجز مكاناً لك في الطابور باليوم التالي.
وأوضح: "قبل يومين نمت أمام محطة شكري بوزان، وانتظرت لأكثر من 12 ساعة، وفي النهاية قالوا نفذ البنزين! والآن أنا في الطابور منذ ليلة البارحة أمام محطة الحليسات، ولا أعرف إذا كنت سأتمكن من تحصيل الوقود أم لا!".
هذه الأزمة التي ألقت بظلالها على أبو أحمد، وأثّرت بشكل مباشر على مصدر رزقه، يشتكي منها محمد العلي سائق أجرة هو الآخر، ولكن في مدينة الحسكة.
يقول لنا متهماً المحطات بالتلاعب بالكميات: "المعاناة ليست فقط في الانتظار والنوم أمام المحطة، بل عندما يصل إليك الدور ويخبرك العاملون في المحطة أنه لم يعد هناك بنزين. وأنا أعلم أنه هناك وقود ولكنهم يبيعونه للتجار؟! ويقولون لنا اشتكوا وافعلوا ما شئتم، وعندما تشتكي لا تجد آذان صاغية".
تعود "أزمة الطوابير" لنحو ثلاث سنوات في مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" التي تقع بها غالبية حقول النفط في محافظتي دير الزور والحسكة، تخللها رفع متكرر لأسعار المحروقات، وتخفيض في الكميات الموزعة على السائقين، ما أدى لاحتجاجات وإضرابات، أبرزها في القامشلي، أيلول الفائت.
اقرأ أيضاً: احتجاجات الأهالي في القامشلي مستمرة ضد قرار رفع أسعار المحروقات
رقابة غائبة وشبهات فساد!
في لقاءات أجرتها روزنة مع سائقي السيارات في الحسكة والرقة، زعم الكثيرون منهم وجود مؤشرات فساد في المحطات، حيث يقوم أصحاب عدة محطات ببيع المحروقات للتجار، الذين يبيعونه بسعر أعلى بكثير في السوق السوداء، دون أن يتسنى لروزنة التحقق من صحة الاتهامات.
عمر محمد، القادم من قرية تبعد 30 كيلومتر عن محطة الغزل في الحسكة، قال: "رأيت بأم عينه كيف يدخل التجار للمحطة ويأخذون كميات كبيرة من الوقود المخصص لأصحاب البطاقات من الأهالي.
وأضاف متهماً: "لا توجد رقابة على عمل المحطة، العاملون فيها متعاونون مع التجار، ويبيعونهم الوقود، وطبعاً التاجر لا يلتزم بالطابور، يدخل بوضح النهار ويأخذ المحروقات".
في الرقة أيضاً روى فيصل الذي كان ينتظر دوره أمام محطة الحليسات قصة مشابهة، قائلاً: "المشكلة هي عدم وجود رقابة، يأتي صهريج المحروقات للكازية، والعاملون فيها يوزعون منه لـ 50 سيارة، ويبيعون الباقي للتجار، يعبئون ربع الكمية الواردة إليهم للأهالي، وثلاثة أرباع للتجار".
الاتهامات في "أزمة الطوابير" أمام أفران الخبز أو محطات الوقود في محافظات سورية عدة، يرجعها مدنيون عبر مواقع التواصل وتقارير صحفية، إلى بيع نسبة كبيرة من المخصصات اليومية لتجار في السوق الحرة، يبيعون المادة بأسعار مضاعفة.
"بحر محروقات" في السوق السوداء!
يبلغ سعر البنزين في المحطات 410 ليرات سورية لأصحاب السيارات المسجلة الذين يمتلكون "بطاقات محروقات"، بينما يرتفع لـ 2350 ليرة لمن لا يملكون بطاقات.
بالمقابل، في السوق السوداء، يتوفر البنزين بشكل شبه دائم ودون عناء الانتظار، بأسعار تتراوح بين 7 و9 آلاف ليرة سورية للتر الواحد حسب جودته والمنطقة، ذلك رغم قرار حظر بيع المحروقات في السوق السوداء من قبل "الإدارة الذاتية".
شمال شرق سوريا: تأخر توزيع مازوت التدفئة يضاعف معاناة السكان
يقول "أبو أحمد" إنه كسائق أجرة لا يستطيع شراء اللتر بتسعة آلاف من السوق السوداء، موضحاً: "إذا رفعت سعر الأجرة فإن الأهالي لن يدفعوا لي، وعدا عن البنزين هناك مصاريف الزيت وصيانة السيارة، لذلك لا يوجد مفر من الذهاب للمحطة".
ومع الارتفاع الأخير لأسعار المحروقات في السوق السوداء، أصبح الحمل ثقيلاً حتى على الأشخاص الميسورين، مثل عبد الكريم الذي يقول إن مصروف وقود السيارة وصل إلى حوالي 50 دولار أمريكي شهرياً.
وشرح: "دخلي الشهري يتراوح بين 300 و400 دولار، ووضعي يعتبر جيد بالمقارنة مع غيري، ولكن رغم هذا فإن اقتطاع 50 دولار من الدخل الشهري فقط للبنزين أثّر على معيشتي، عدا عن باقي المصاريف للصيانة وغيرها. أفكر جدياً ببيع السيارة للتخلص من هذا العبء".
وقود لتشغيل (تعطيل) السيارات!
غالباً ما يشتكي المشترون من نوعية المحروقات التي تباع في المحطات، لما تسببه من أعطال في السيارات، وفق ما يقول جاسم من الرقة: "نوعية الوقود سيئة، بنزين مخلوط بمازوت أو كاز لا أدري، ودائماً يتعين علينا إنفاق مصاريف إضافية على الصيانة بسبب هذا الوقود الرديء، يجب أن تكون هناك لجنة مختصة بفحص المحروقات قبل بيعها للناس".
واستذكر حصوله على بنزين في وقت سابق لم ينجح بعد محاولات عدة بتشغيل السيارة، ما اضطره إلى تجريبه في "ببوز الكاز" المنزلي، متهكماً: "بالفعل كان جيداً للببور، واستخدمناه!".
رداءة المحروقات هي السبب الرئيسي لازدياد أعطال السيارات وفق ما يؤكد فاضل وهو ميكانيكي سيارات.
ولفت في حديثه مع روزنة: "يترتب على صاحب السيارة تنظيف الكربرتور أو البخاخات كل شهر، وأيضاً مصفاة البنزين، وأحياناً إذا كان البنزين سيء جداً، لا تعمل السيارة أصلاً".
منشآت نفطية خارج الخدمة..
في بداية العام الجاري وبعد قصف منشآت نفطية وخدمية من قبل الطيران التركي، أعلنت "مديرية المحروقات" التابعة لـ"الإدارة الذاتية" في الحسكة حالة الطوارئ، وفق ما نقلت وكالات محلية.
ومع خروج جميع المحطات وآبار النفط في المحافظة عن الخدمة جراء القصف، بات اعتماد مناطق سيطرة "الإدارة" التي تشمل أجزاء واسعة من الرقة ومنبج والحسكة ودير الزور، على ما تنتجه آبار النفط في دير الزور فقط.
وفي تصريحات لوكالة محلية أكدت عبير خالد "الرئيسة المشتركة لإدارة المحروقات في شمال شرق سوريا"، أن أغلب مصادر الطاقة خرجت عن الخدمة في الحسكة، مؤكدة عدم توفر طرق حالية لإنتاج البنزين من حقول المحافظة.