تقارير وتحقيقات | 22 03 2024

رحلة هجرة طويلة تنقل خلالها الشاب السوري أحمد بين ست دول مهاجراً براً وبحراً، بدأت عندما فرّ هارباً من الحرب السودانية التي اندلعت في نيسان العام الفائت، مروراً بسوريا ولبنان وليبيا وإيطاليا وفرنسا وصولاً إلى بريطانيا، مستقره النهائي، تعرّض خلالها للخطف من قبل مهرّبي البشر ونجا بأعجوبة.
يروي أحمد (34 عاماً) لروزنة محطات من رحلة هجرته التي كلفته آلاف الدولارات، خلال تسعة شهور، ابتداء من أيار وحتى مطلع العام الجاري، ونجاته في كل مرة إما في البحر أو من عملية خطف تعرّض لها، وكأنما يروي فيلماً أو قصة من كتاب.
تجربة أحمد التي يرويها، تشبه حكايا سوريين كثر اضطروا للهجرة غير الشرعية، منهم من علقوا لأسابيع في السودان، وقابلناهم خلال محاولتهم الهروب من البلاد، بعد أن تركوا وحدهم هناك، ومنهم أحمد.
ووفق بيانات وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء، أواخر شباط الفائت، قفزت طلبات اللجوء في الاتحاد الأوروبي 18 بالمئة إلى 1.14 مليون عام 2023، وهو أعلى مستوى منذ أزمة الهجرة عام 2015 - 2016، وشكل السوريون والأفغان أكبر المجموعات المتقدمة بطلبات اللجوء، وفق وكالة "فرانس برس".
البداية من السودان
اندلعت الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم، في منتصف نيسان الفائت، إذ أعادت مشاهد القصف والنيران والقذائف ذاكرة أحمد إلى الحرب السورية، في مشهد ألفه سابقاً، وهو ما دفعه آنذاك للنزوح مع مئات الآلاف إلى مدينة بورتسودان الساحلية في السودان، ومن ثم العودة إلى سوريا في "زيارة قطر".
وصل أحمد إلى مطار دمشق الدولي، وفور وصوله خطّط لرحلته الطويلة، فكان البلد التالي هو لبنان، بقي فيه لمدة شهر، ومن ثم هاجر بحراً إلى ليبيا.
وسنوياً ينطلق من لبنان عشرات قوارب الهجرة غير الشرعية، باتجاه إما اليونان أو إيطاليا أو ليبيا، التي كانت وجهة الشاب السوري أحمد، وفي تشرين الأول العام الفائت، أعلن الأمن اللبناني القبض على رجلين سوريين، كانا ضمن شبكة مهربي بشر، تنظّم رحلات هجرة غير شرعية إلى أوروبا، انطلاقاً من ليبيا.
تعرّض أحمد خلال وجوده في ليبيا التي استقر فيها 50 يوماً إلى الخطف مع عشرات السوريين، لمدة قاربت الشهر، مقابل الحصول على مبالغ مالية، كتبت له النجاة، وأكمل رحلة الهجرة المخطط لها إلى إيطاليا ومن ثم فرنسا.
جلس أحمد في فرنسا لمدة شهرين، خطّط أيضاً خلال ذلك الوقت للعبور بحراً إلى بريطانيا، وهو ما حدث أخيراً، يقول لنا.
اقرأ أيضاً: عن "مخازن التهريب" الليبية.. رحلة سوري: عذاب وانتظار للموت!
خطف وابتزاز
لم يتخيّل أحمد "ولو لثانية" أن يتعرّض للخطف خلال رحلة الهجرة من ليبيا إلى إيطاليا.
يقول لروزنة: "خلال أول أسبوعين في ليبيا، سجلت على رحلة هجرة غير شرعية عبر البحر، مع 85 سورياً آخرين بينهم أطفال ونساء، قبل الخروج إلى البحر كانت الكارثة".
ويضيف: "فتشنا المهرب ومساعدوه المسلحون (حوالي عشرة أشخاص) بشكل غريب، وكأننا معتقلون في سجن، حتى الحذاء فتشوه، وسلبوا كل ما نملك ساعات شواحن، وأي شي كهربائي. بعد ذلك قالوا لنا: أنتم كالبضاعة التي بيعت لنا".
هنا اكتشف أحمد ومن معه أنهم اختطفوا ويتعرّضون للابتزاز.
يتابع الشاب: "تعرّضنا للخطف، احتجزونا في مكان مجهول، أخذوا منّا كل ما نملك، وطلبوا مقابل الإفراج عنا مبلغاً مالياً لكل فرد".
طلب الخاطفون في البداية 5 آلاف دولار لكل شخص مقابل الإفراج عنه، هناك من استطاع تأمين المبلغ المالي، وهناك من لم يستطع، ومن ثم قبلوا بمبلغ ألف دولار من البعض.
يستذكر أحمد لحظات "القهر والذل" وهو محتجز مع 110 أشخاص في غرفة خارجها "حامية حديد" لمنعهم من الهروب، قائلاً: "بقيت مختطفاً لمدة ثلاثة أسابيع، طوال اليوم لا يطعمونا سوى قطعة خبز صباحاً ومساء".
وتنتشر عصابات الخطف في ليبيا بشكل واسع، حيث أعلنت وزارة الداخلية الليبية، في أيلول العام الفائت، عن تحرير عشرة سوريين كانوا محتجزين لدى عصابة تمتهن الخطف والابتزاز في مدينة رقدالين غربي ليبيا بهدف الحصول على الأموال.
مكان الاختطاف
"تدفع تطلع" هي الجملة الوحيدة المتكررة على لسان الخاطفين، كل ثلاثة أو أربع أيام يعطون الهاتف للمخطوفين من أجل الاتصال بمعارفهم بهدف تأمين مبلغ "الفدية".
يقول أحمد: "استطعت تأمين ألف دولار من عائلتي لكن بعد ثلاثة أسابيع على الاختطاف، ولم يفرجوا عني لحين وصول المبلغ المطلوب".
إحدى السيدات استدانت من أجل تأمين ألف دولار إضافة إلى بيع "حلق" ابنتيها الاثنتين، فيما هرب خمسة أشخاص ينحدرون من حلب ودمشق، ولم يستطيع الخاطفون اللحاق بهم، وفق أحمد.
ويشير إلى أنه منذ أكثر من شهر سمع بأن المختطف الليبي قتل على يد أحد مساعديه مصري الجنسية.
وسبق أن تحدثت روزنة في تقرير لها تحت عنوان "في البحر وسجون ليبيا.. جدة سورية: هذه نهاية رحلة عائلة ابني!" عن كيفية تعرّض أحد السوريين للاعتقال بعد وصوله إلى ليبيا بحراً ووفاة ابنته وضياع الثانية، وعدم قدرته من الخروج إلا مقابل دفع 3 آلاف دولار.
اقرأ أيضاً: في البحر وسجون ليبيا.. جدة سورية: هذه نهاية رحلة عائلة ابني!
عودة لمتابعة رحلة الهجرة
لم يتخلَ أحمد عن حلمه في الوصول إلى مكان آمن، رغم عملية الخطف التي تعرّض لها، إذ عاد ليكمل طريقه إلى إيطاليا عبر البحر، ومنها إلى فرنسا.
يقول لروزنة: "بداية وصولي إلى فرنسا نمت في الخلاء لمدة ثلاثة أيام، لم يكن معي ولا أي دولار، لحين أرسلت لي عائلتي مجدداً بعض المال، ومن ثم تنقلت من منطقة لأخرى في ظل درجات الحرارة المتدنية، وخلال شهرين حاولت الهجرة بحراً خمس مرات، بطريقة غير شرعية، جميعها باءت بالفشل".
المحاولة السادسة كانت الحاسمة بالنسبة لأحمد الذي وصل أخيراً إلى بريطانيا مع مطلع العام الجاري.
وكانت السلطات اللبنانية أعلنت في شهر شباط الفائت، عن انطلاق 108 قوارب هجرة غير شرعية، تقل في المعظم سوريين، باتجاه أوروبا، خلال عام 2023.
مفوضية الأمم المتحدة في لبنان، ذكرت وفق تقارير صحفية، أنّ نحو 3300 لاجئ سوري غادروا من لبنان إلى أوروبا على متن القوارب منذ مطلع العام الفائت وحتى نهاية كانون الثاني الماضي.