تقارير وتحقيقات | 13 02 2024
إيمان حمراويانقطاع الحوالات عن سوريين من قبل ذويهم في لبنان، هو ما لم يكن في الحسبان، ومنذ أن بدأت حرب الجنوب بين إسرائيل و"حزب الله"، تدهورت الأوضاع المعيشية للاجئين السوريين كما غيرهم، ما اضطر البعض منهم لقطع الحوالات عن عائلاتهم داخل سوريا.
ووقعت بعض العائلات السورية، ممن قُطعت عنهم الحوالات، بحالة من العجز، فكيف لهم أن يتدبروا أمورهم في بلد يعيش فيه 9 من كل 10 سوريين تحت خط الفقر، وأكثر من 15 مليون سوري، أي 70 بالمئة من إجمالي عدد السكان يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وفق تقرير لـ"الأمم المتحدة" منتصف العام الفائت.
"لا حوالة دبّر حالك"
آلام حادة ونقص في السمع يعاني منها أبو محمد (60 عاماً) مقيم في مدينة حلب، ورغم ذلك يرفض الذهاب إلى الطبيب، قبل أن تصله كما اعتاد كل شهر حوالة مالية من ابنه المقيم في لبنان، لكنها تأخرت هذه المرة كثيراً.
"علي ديون كثيرة للناس، لا أستطيع الاستدانة أكثر من أجل زيارة الطبيب، علّ الحوالة تصلني قريباً (...) أصبر على مضض مع الألم" يقول أبو محمد لروزنة.
فجأة بعد أيام تغيّر حاله، غلبته دموع القهر والألم والحاجة، بعدما وصلته رسالة من ابنه يقول فيها: "لن أستطيع إرسال مبلغ مالي هذا الشهر بسبب ضيق الحال.. دبّر حالك".
اقرأ أيضاً: عقب عزم "الغذاء العالمي" إنهاء المساعدات.. سوريون مستفيدون يعبرون عن تخوفهم
الحوالات "المنقذة" للسوريين
وتعتبر الحوالات المالية للسوريين داخل البلد كـ"شريان الحياة والمنقذ الحقيقي لهم" كما وصفتها دراسة لمركز "حرمون للدراسات المعاصرة" في ظل معاناة أكثر من 90 بالمئة من السوريين من الفقر.
وقدّر رئيس "هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية" لدى حكومة النظام السوري، أواخر العام الفائت، معدل الحوالات الواردة إلى مناطق سيطرة النظام ما بين 4 -7 مليون دولار أميركي يومياً.
لا استقرار لا أعمال
يعمل محمد، وهو أب لثلاثة أطفال، بمهنة البناء كمهندس معماري، في مدينة صيدا اللبنانية، ويشرح لروزنة أنه منذ أكثر من أربعة شهور بدأ العمل بالتراجع: "تجمدت الأعمال بسبب القصف المتبادل في الجنوب والنزوح، أعمالنا مرهونة بالاستقرار، والآن ضعف الطلب على البناء والعمار كثيراً".
ويضيف: "أصبحت البطالة كثيرة بين العمال السوريين، والبطل من يجد عملاً لتأمين قوت عائلته (...) وضعي المادي تراجع خلال الشهور الأخيرة، لدرجة أنني لن أستطيع إرسال الحوالات المالية هذا الشهر لوالدي في سوريا، رغم أنّ أوضاعهم أسوأ" يقول بحزن "ليس باليد حيلة هذا الواقع".
اعتاد محمد إرسال مبلغ مالي كل شهر لوالده يصل أحياناً ما بين 200 و 300 دولار أميركي، لكن خلال الشهور الأخيرة، تقلّص المبلغ إلى مئة دولار، والآن حتى المئة أصبحت غير متوفرة لإرسالها عبر مكتب الحوالات.
وبحسب تقديرات الحكومة اللبنانية، يعيش في البلد مليون ونصف المليون لاجئ سوري، 90 بالمئة منهم في حالة من الفقر المدقع، إذ يواجه لبنان أسوأ أزمة اجتماعية واقتصادية منذ عقود وفق "مفوضية اللاجئين" للأمم المتحدة.
وعلى مدى الشهور الثلاثة الأولى من الحرب، تعرضت 91 قرية في النبطية وجنوب لبنان لـ1.768 هجوماً، ما تسبب في وقوع إصابات ونزوح داخلي لـ64 ألف شخص، وإلحاق أضرار جسيمة بالمساكن والشركات، وفق تقرير لـ"برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" أواخر العام الفائت.
وفي دراسة حول الأثر الاقتصادي للحرب والعمليات العسكرية في الجنوب اللبناني، نشرتها صحيفة "الشرق الأوسط" قبل أيام، إن هناك 300 مليون دولار خسائر غير مباشرة نتيجة إقفال المؤسسات وتوقف الأعمال، إضافة إلى خسائر بقيمة مليار و200 مليون دولار مرتبطة بالدمار في البنى التحتية والطرقات والمباني والأراضي الزراعية.
ومنذ أربعة شهور طالت العمليات العسكرية المتبادلة بين "حزب الله" وإسرائيل مناطق محددة جنوب لبنان، لكن تداعياتها طالت كامل البلد بقطاعاته كافة، وبشكل خاص اقتصادياً ومالياً، سياحياً وسياسياً، وفق التقرير.
قد يهمك: لبنان يعلن مجدداً عن حملة عودة طوعية.. كيف ينظر لها سوريون مهددون؟
بطالة وقلة حيلة!
ليس محمد الوحيد غير القادر على إرسال الحوالات، أيضاً هادي، وهو أب لطفلين مقيم في مدينة النبطية جنوبي لبنان، يقول لروزنة بأنه شبه عاطل عن العمل منذ بدء الحرب: "أعمل يومين وأجلس بالمقابل أسبوعاً أو أسبوعين، حتى بدل الإيجار يصعب عليّ تأمنيه".
يعتمد والدا هادي في دمشق، عليه وعلى شقيقه في تأمين المعيشة، إذ كان يرسل إليهما شهرياً ما تيسر له، إما مئة أو مئتي دولار، يقول لروزنة: "وضعهما الصحي أيضاً ليس جيداً، يحتاجان للعلاج بشكل مستمر (...) أنا بين نارين، إذ لا أملك ما أرسله لهما منذ شهرين، وقلبي يحترق عليهما لعلمي بالحال".
أزمة الإيجارات تزيد الطين بلة
ما ضيّق الخناق أكثر على اللاجئين السوريين اقتصادياً ومنعهم من إرسال الحوالات، أزمة جديدة خلّفتها الحرب الأخيرة، وهي أزمة الإيجارات، مع استمرار النزوح الذي قارب مئة ألف نازح من القرى الجنوبية الحدودية اللبنانية اتجاه المناطق الداخلية الأكثر أمناً، وفق موقع "النشرة" اللبناني قبل أيام.
ومع استمرار النزوح أصبح الطلب على المنازل كبيراً، وطالب بعض أصحاب المنازل من السوريين الخروج من أجل تأجيرها للنازحين اللبنانيين.
أحمد، لاجئ مقيم في مدينة صيدا، يبحث حالياً عن منزل وذلك بعدما طالبه مالك المنزل بالإخلاء، يقول لروزنة: "هناك أزمة بيوت والأسعار مرتفعة جداً تصل إلى 400 دولار وأكثر، من أين لي تلك المبالغ وأنا عاطل عن العمل منذ شهور" ويتابع: "أعيش من الاستدانة، حتى وإن وجدت منزلاً سأضطر مجدداً للاستدانة، لا أملك شيئاً بين يدي، حتى عائلتي في دمشق بت عاجزاً عن إرسال الحوالات لها مؤخّراً".
أما عدنان، سوري خمسيني، مقيم في مدينة صور، قرّر بسبب ضيق الأحوال المادية، العودة إلى مدينته حلب، يقول لروزنة: "من قبل حرب غزة كان الوضع سيئاً والأعمال ليست جيدة كفاية، لكن الشهور الأخيرة ضاقت علينا الأوضاع المعيشية أكثر".
وكان البنك الدولي، توقّع أواخر العام الفائت، أن تتسبب الحرب بين إسرائيل وحماس بعودة الاقتصاد اللبناني إلى حالة الركود، موضحاً أن تداعيات الصراع الحالي أثرت على الانتعاش الطفيف الذي حققه لبنان الغارق في أزمة اقتصادية عميقة منذ سنوات.
ويشهد لبنان منذ 2019 انهياراً اقتصادياً متواصلاً، بات خلاله معظم السكان تحت خط الفقر مع عجز الدولة عن توفير أبسط الخدمات، ما انعكس سلباً أيضاً على اللاجئين السوريين والفلسطينيين.