تقارير وتحقيقات | 6 02 2024

"رفعوا أسعار المحروقات وكل الأسواق ومن بعدها رفعوا الرواتب، شو استفدنا؟"، تقول سميرة المعلمة في مدينة حلب، متذمّرة من الواقع المعيشي والسيناريو المتكرّر حول رفع الرواتب وما يليه أو يسبقه من رفع لأسعار المحروقات والسلع في الأسواق.
وأضافت المعلمة (35 عاماً) في حديثها مع روزنة: "رفع الرواتب متل الضحك على اللحى (...) العام الفائت رفعوا الرواتب بالتزامن مع رفع أسعار المحروقات، الفقر يخنقنا، نحتاج لدعم بدون مقابل. أين من يرفع من قيمة المواطن؟".
وأصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أمس الإثنين، مرسومين ينصان على رفع الأجور والرواتب بنسبة 50 بالمئة، لكل من العاملين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين، وفق "رئاسة مجلس الوزراء في سورية".
وقابل سوريون قرار رفع الرواتب باستهزاء و غضب واستنكار، ولا سيما أنها لا تتكافأ مع الواقع المعيشي، حيث يبلغ متوسط تكاليف المعيشة لأسرة مؤلفة من خمسة أفراد إلى أكثر من 12 مليون ليرة سورية، وفق دراسة لجريدة "قاسيون" مع مطلع العام الجاري.
وأوضحت سميرة بيأس، وهي أم لطفلتين (10 - 7 سنوات): "راتبي كان لا يتجاوز الـ 300 ألف، واليوم يصل مع الزيادة للـ 450 ألف ليرة سورية، هذا الراتب لا يساوي ثمن ثياب لطفلة واحدة إن أردت شراء ملابس جديدة.. أصبحت حياتنا بلا قيمة".
ويعيش 9 من كل 10 سوريين تحت خط الفقر، وفق "الأمم المتحدة"، التي تشير إلى أنّ أكثر من 15 مليون سوري، أي 70 بالمئة من إجمالي عدد السكان، يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية.
الزيادة لا تعني شيء
جمانة (38 عاماً) معلمة أيضاً، برأيها أن الزيادة "لا تعني شيئاً"، وتتساءل مستنكرة : "ما معنى رفع الراتب في وقت ارتفعت فيه كل الأسعار، من الأمبيرات إلى الطعام وحتى الخبز (… ) كل شيء بات مضاعفاً".
تفكّر جمانة اليوم بكيفية إكمال الشهر من تأمين الطعام والشراب ومستلزمات لأطفالها الثلاثة، في وقت شارف الراتب على الانتهاء مع مضي أسبوع واحد من اشهر الجديد، "هي معاناة معظم السوريين"، تقول لروزنة.
اقرأ أيضاً: نصف راتب لشراء كيلو شاورما في دمشق.. وحماية المستهلك: "الأسعار طبيعية"
بروباغندا إعلامية
وزير المالية، كنان ياغي، قال لصحيفة "الوطن" المحلية، إن الهدف من زيادة الرواتب هو "الحفاظ على القوة الشرائية للعاملين في الدولة (...) الهم الدائم للحكومة هو تحسين المستوى المعيشي للمواطن وهو الاعتبار الأكبر لديها وهي تسعى دائماً حسب توافر الموارد لتحسين الدخول والأجور".
ويرى الباحث الاقتصادي، أدهم قضيماتي، أن زيادة الأجور لا تشكل فارقاً في حياة المواطن السوري.
وأوضح لروزنة وجهة نظره:" تلك الزيادة ما هي إلا بروباغندا إعلامية (دعاية)، فلا يوجد موظف يعتمد على راتبه المعيشي الذي لا يكفي ليومين فقط".
ويشير إلى أن تلك الدعاية ربما تكون موجّهة للسوريين خارج البلاد أو للدول الغربية، على أن النظام يعمل على تحسين الأجور ورفع دخل المواطن.
المحروقات سبقت الرواتب بالأسعار
وأمس الإثنين، استيقظ السوريون على قرار حكومة النظام السوري برفع سعر ليتر البنزين للمرة الثالثة خلال شهر.
ووفق نشرة الأسعار الصادرة عن "وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك"، بلغ سعر مبيع الليتر الواحد من المادة البنزين "أوكتان 90" 10500 ليرة بدلاً من 10 آلاف، وسعر مبيع ليتر البنزين "أوكتان 95" بـ 13 ألف و825 بدلاً من 12 ألف و680 ليرة سورية
وحددت الوزارة سعر مبيع ليتر المازوت الحر بـ12425 ليرة، بدلاً من 11675 ليرة.
أحمد (36 عاماً) موظّف مقيم في مدينة حلب، يقول إنه قرار رفع المحروقات أدى لارتفاع أسعار الأمبيرات، ما دفعه لإيقاف اشتراك الكهرباء عبر نظام الأمبيرات.
وشرح: "كان الأمبير الواحد في الأسبوع نحو 55 ألف ليرة سورية، أي شهرياً أكثر من مئتي ألف، واليوم وصل سعر الأمبير الواحد إلى 65 ألف ليرة، من أين لنا كل تلك الأموال؟ (...) كل هذا ولم نفكر بتأمين ثمن الطعام والشراب والمستلزمات المعيشية الأخرى".
قد يهمك: طلاب سوريون يواجهون البرد ببطانيات المساعدات:"يحولوها لجاكيت!"
رفع للخبز أيضاً
تزامناً مع رفع الرواتب، أصدرت "وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك" قراراً برفع سعر مبيع ربطة الخبز المدعوم وزن (1100) غرام من 200 إلى 400 ليرة في الأفران العامة والخاصة، كذلك عدلت الوزارة سعر مبيع ليتر المازوت للأفران العامة والخاصة من 700 إلى 2000 ليرة سورية.
واعتبرت "الوزارة" أن السعر الجديد ليس رفعاً لسعر الربطة، وإنما "مساهمة من المواطن في تحمّل جزء بسيط من عبء التكلفة لضمان استدامة تدفق وتوفر هذه المادة الأساسية".
وبرّرت أن السعر الجديد، الذي يعادل نحو 5 بالمئة من التكلفة، جاء بسبب ارتفاع تكلفة تأمين الرغيف يومياً إلى معدلات غير مسبوقة، حيث وصلت إلى أكثر من سبعة آلاف ليرة للربطة الواحدة.
يقول حسن، مقيم في دمشق لروزنة: "يصلني من المعتمد أحياناً ربطتي خبز مدعوم بثلاثة آلاف (…) اليوم قد يرفع المعتمدون أسعار الخبز أكثر، لن أشتري منهم بعد الآن".
ويلجأ الكثير من السوريين إلى المعتمدين للحصول على الخبز بدلاً من الوقوف على طابور الأفران لساعات طويلة، فيبيع المعتمد ربطة الخبز بأسعار مضاعفة.
ووفق معلمة المدرسة جمانة، ، فإن رفع أسعار الخبز، قد يستهلك نحو 15 ألف ليرة زيادة من راتبها مقارنة بقبل الرفع، ذلك عند شرائها "ربطة" واحدة فقط يومياً.
سيناريو متكرّر
قبل خمسة أشهر، وتحديداً في منتصف شهر آب 2023 رفعت حكومة النظام السوري الرواتب بنسبة 100 بالمئة، تلاها رفع لأسعار المحروقات، في ظل أزمة اقتصادية خانقة جراء تدهور قيمة الليرة السورية وتضاعف الأسعار في الأسواق.
وهو ما تسبب بموجة غضب عارمة بين السوريين، وبخاصة في محافظة السويداء حيث بدأ الأهالي بالخروج في مظاهرات تطالب بتحسين الواقع المعيشي وتحولت لاحقاً إلى مطالب سياسية تطالب بإسقاط النظام السوري ورحيل الأسد وتطبيق القرار 2254.