تقارير وتحقيقات | 30 01 2024

تستمر للأسبوع الثالث على التوالي معاناة سوريين في مدينة اسطنبول التركية، في ظل استمرار امتناع شركة الحوالات المالية "أهل الشام" عن تسليمهم أموالهم التي أودوعوها لديها، بهدف الهجرة بطرق غير شرعية إلى أوروبا.
وبعد إغلاق الشركة مكاتبها في إسطنبول، يبقى سوريون عالقين في صربيا أو اليونان وغيرها من الدول على طريق هجرتهم غير الشرعية من تركيا إلى أوروبا، بسبب توقف المكتب "الوسيط" من دفع أموالهم المودعة إلى المهربين، فلا هم يستطعيون العودة ولا المتابعة.
أين الأموال؟.. "اصبروا"ّ!
يتعامل سوريون راغبون بالهجرة غير الشرعية مع شركة الحوالات المالية تلك (مكتب تشييك) بهدف تأمين أموالهم، وبعد الوصول إلى أوروبا، يتواصلون مع الشركة من أجل تسليم تلك الأموال للمهربين.
وأكد سوريون، تواصلت روزنة معهم، أن بعضهم لديه أموال بقيمة 10 آلاف يورو لدى "أهل الشام"، فيما البعض الآخر أودع مبالغ تصل إلى 20 ألف يورو وأكثر.
وبعد إغلاق الشركة لمكاتبها، برّرت عبر حسابها في تيك توك، أنها تتعرض لما وصفته بـ"حملة شرسة" طالت بعض الفروع والكوادر، دون أن تسمي تلك الهجمة وطبيعتها ومن يقف وراءها.
وادعت "شركة أهل الشام" أنها ستضطر إلى إعادة توزيع المبالغ المالية على فروعها، عند "حصول هجمات مشابهة"، مطالبة العملاء بالصبر في حال تأخر بعض الفروع والمكاتب في تسليم الأموال.
شركة "أهل الشام" تعتبر الثالثة خلال عامين في تركيا، التي تغلق أبوابها أمام السوريين المسجلين لديها، بعد شركة "العساف" أواخر عام 2021 والتي ادعت أنها تعرضت لعملية نصب من قبل أشخاص في أوروبا، ووعدت بإعادة الأموال المودعة لكنها اختفت بعد ذلك، إضافة إلى شركة "ميلانو" في ذات العام.
ولا يوجد في القانون التركي ما يسمى بـ"مكاتب التأمين" وفق حقوقيين، ويندرج إيداع مبالغ مالية من أجل تأمين تهريب الأشخاص إلى أوروبا ضمن جرائم تهريب البشر، وفق تقارير إعلامية.
قانون العقوبات التركي (TCK 201/أ و ب) عرّف الاتجار بالبشر وتهريب البشربأنهما جريمة، ويتعرض مرتكبو هذه الجرائم لعقوبات صارمة، وفق "دائرة الهجرة" التركية.
ووقعت تركيا اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة التي تجتاز الحدود، المتعلقة بتوقيف ومعاقبة الاتجار بالبشر، خاصة منع الاتجار بالنساء والأطفال، إضافة إلى بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو عام 2000.
لا أموال حالياً!
عدد كبير من الذين أودعوا أموالهم لدى الشركة بعد مغادرتهم الأراضي التركية أصبحوا عالقين إما في اليونان أو في الغابات الأوروبية، بسبب عدم إتمام الاتفاق مع المهربين حول استلام المبالغ المتفق عليها عن طريق "أهل الشام".
تخبر الشركة مؤخراً كل من سجّل لديها وأودع أمواله بأنها غير قادرة حالياً على رد الأموال بسبب "حالة نصب تعرّضت لها"، لكنها تعمل على تسيير رحلات الهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوروبية من خلال التعاون مع "مهربي البشر".
محمد (اسم مستعار)، أحد الأشخاص الذين أودع أموالاً لدى الشركة، يقول لروزنة، إنّ الأخيرة برّرت إغلاق مكاتبها بسبب "مشاكل أمنية" وفق وصفها، متابعاً: "رح يشيكولي (يصلوني) مع مهرّب عندهم".
وكانت الشركة نشرت بياناً خلال الأيام الفائتة، وعدت فيه بأنها ستبدأ بفرز جميع الحالات الموجودة لتأمين خط سير لكل المهاجرين غير الشرعيين، وبما يخص الأشخاص الذين يودون سحب المبالغ الخاصة بهم، طلبت الشركة منهم الانتظار لتتم جدولة السحب وتجزئة المبالغ تباعاً، وإنما المشكلة "هي أمنية فقط".
والتشييك مصطلح يتعامل به مهربو البشر، ويقصد به تحديد خط السفر إن كان براً أو بحراً ومساره.
من جانبه، ينتظر أحمد (اسم مستعار) في صربيا منذ أسبوعين بعد خروجه من تركيا، حيث أودع أمواله لدى الشركة، وينتظر حالياً أحد المهربين لمتابعة السفر معه بعد ثلاثة أيام إلى أوروبا، وفق قوله لروزنة.
الشركة التي تعتبر وسيطاً بين المهربين والمهاجرين غير الشرعيين تعمل منذ عدة سنوات، وهو ما أخبرنا به مؤيد (اسم مستعار)، الذي يعيش في دولة أوروبية، وكان قد أودع مبلغاً لدى الشركة أثناء انطلاقه في رحلة اللجوء، قبل سنوات.
اقرأ أيضاً: بينهم مهاجرون عالقون.. إغلاق شركة حوالات مالية بإسطنبول يثير مخاوف سوريين
رحلة جديدة
أحد المهرّبين، وعبر تسجيل صوتي حصلت عليه روزنة، أكد أنه على تواصل مع شركة الحوالات وسيعمل على سحب الأموال بعد إتمام رحلة من دولة حددها إلى عدة دول في الاتحاد الأوروبي.
ويحتاج الذين يسافرون من تلك الدولة غير المنضمة للاتحاد الأوروبي إلى دولة كسلوفينيا مبلغ 1800 يورو، أما إلى إيطاليا لمبلغ 2500 يورو، وإلى النمسا 3 آلاف يورو، وإلى ألمانيا 3500 يورو، بحسب ما شرح أحد منظمي رحلات التهريب عبر مجموعات الواتساب.
مبالغ وصفها سوريون متعاملون مع شركة تحويل الأموال بـ"الكبيرة" في استغلال للوضع الذي هم فيه لكونهم عالقين وغير قادرين على الاختيار.
ونشرت شركة "أهل الشام" عبر حسابها على "تيك توك" فيديوهات لأشخاص وصلوا خلال الأيام الأخيرة، إلى وجهتهم الأخيرة في أوروبا.
غياب الشركة قد يغيّر مصير البعض!
الأموال التي أودعها سوريون لدى الشركة كلّفتهم ممتلكات باعوها في سوريا، إضافة إلى اقتراض آلاف الدولارات، وهم الآن عالقون لا يمكلون أموالاً يستطيعون السفر من خلالها، ولا يعرفون متى سيستطيعون إكمال رحلتهم بالاتفاق ما بين شركة الحوالات والمهرّب.
اشتكى أحد السوريين بأنه عالق في دولة سولفينيا، وسط أوروبا، وغير قادر على إكمال رحلته بسبب عدم رد شركة "أهل الشام" عليه، ما قد يغيّر مصيره ومخططّه في السفر: "منذ أسبوع وأنا هنا، بعد 4 أيام سنبصم مضطرين على اللجوء، ونحن لا نريد ذلك".
ولا يملك الشاب السوري أي أموال بعد إيداع كل ما جناه في تركيا لدى شركة الحوالات: "السفر حتى عبر القطارات من سولفينيا يحتاج أقل ما يمكن إلى 200 يورو لا أملك منها شيئاً".
وآخرون اشتكوا من ذات الأمر في صربيا واليونان أيضاً.
"خربتوا بيتنا"
وفق تسجيل صوتي، وصلت إليه روزنة، أحد الأشخاص، الموجودين في اليونان، كان بانتظار قدوم زوجته، بعدما أودع لدى شركة الحوالات مبلغ 4 آلاف دولار عبر الاستدانة، لكن بعد إيقاف مكاتبها، ساء وضعه ووضع زوجته.
يقول: "خليهم يرجعولي المصاري، بدي أوصل لأهل الشام، تعبنا ما بقي قدامنا غير الموت، ليرة وحدة مامعنا"، موضحاً: "قطعت حالي وعائلتي من المصاري لطالع زوجتي من تركيا، هي الآن عند جماعة أتراك. من وين بدي جيب المصاري؟".
فيما ناشدت إحدى السيدات عالقة في البوسنة، إما إعادة الأموال أو تسيير رحلة لخطيبة ابنها من السعودية باتجهها.
تقول السيدة: "وضعنا مبلغ 14 ألف يورو عند الشركة من أجل سفر خطيبة ابني من السعودية إلى البوسنة، الآن وقعنا في مأزق، فإقامتها في السعودية على وشك أن تنتهي ولا شيء واضح من أجل سفرها من قبل الشركة بسبب المال".
مئة ألف مهاجر سوري خلال عام
وكشفت وكالة أمن الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي (فرونتكس) أن أكثر من 100 ألف سوري عبروا بطريقة غير شرعية إلى الأراضي الأوروبية، العام الماضي 2023.
ونوهت الوكالة في تقريرها الصادر الشهر الجاري، أن ذلك الرقم هو الأعلى بين جميع الجنسيات، يليهم الغينيون والأفغان. وشكلت هذه الجنسيات الثلاث الكبرى أكثر من ثلث جميع الإحصائيات.
وبحسب التقرير، فقد كان وسط البحر المتوسط هو طريق الهجرة الأكثر نشاطاً إلى الاتحاد الأوروبي، خلال العام الماضي، حيث يمثل اثنين من كل خمس حالات عبور غير شرعية بنسبة 41 في المئة، يليه غرب البلقان بنسبة 26 في المئة، وشرق البحر الأبيض المتوسط 16 في المئة.