عشر سنوات مرت على ذكرى انطلاق الثورة السورية، ومع الاستعصاءات المعقدة التي يعيشها السوريون اليوم وارتفاع نسبة الحراك الالكتروني السياسي لمناهضي النظام السوري، يبرز سؤال جدي: هل باتت ثورة السوريين فقط على مواقع التواصل الاجتماعي؟
اليوم، تواجه مواقع التواصل الاجتماعي في العالم المتقدم موجة كبيرة من الاتهامات بالتجسس و تغيير أنماط سلوك المستخدمين وبيع المعلومات لصالح الشركات الرأسمالية الكبرى في العالم.
ولكن رغم كل هذه المشاكل الكبرى التي يواجهها العالم المتحضر إلا أن السوريين داخل سوريا و خارجها بقيت لهم هذه المنصات بمثابة الرئة التي يتنفسون من خلالها.
ورغم البعد الاجتماعي لاستخدام هذه المنصات في التواصل ما بين اللاجئين السوريين و أهاليهم داخل البلاد، لكن البعد السياسي كان هو الأبرز في استخدامها.
تأثير على الرأي العام؟
بدأت الدعوة للحراك السياسي والتجمع لإطلاق المظاهرات ضد النظام السوري واختيار اسماء الجمعات عبر الفيسبوك، وكان الاتهام دوماً بأن هذه المظاهرات لا قادة لها بسبب هذا الأمر. ومع استمرار الاستعصاء السياسي الا أنه تكرس اليوم بشكل أكبر عبر أدوات التواصل الاجتماعي المختلفة.
وبهذا الخصوص يقول القيادي في الحزب الجمهوري السوري، المهندس بسام الرفاعي، أن الحراك السياسي الإلكتروني، هو أحد أسلحة السوريين في ثورتهم، والتي بها دعوا للمظاهرات، و نسقوا شعاراتهم ومواقفهم، وكانت هذه هي تجربة شعوب أخرى في كفاحها ضد حكوماتهم المستبدة. ويعمد الكثيرون على التحشيد لمواقف مناهضة للنظام السوري والقرارات الدولية التي يشككون بها عبر صفحات الفيسبوك.
وينفي هشام اسكيف مسؤول الدائرة السياسية في "اتحاد ثوار حلب" أن تكون ازدياد ظاهرة النشاطات السياسية الالكترونية في الآونة الأخيرة انحسارا للثورة وانتقالها من أرض الواقع إلى الواقع الافتراضي.
قد يهمك: عشر سنوات على بدء الثورة هل ستتحقق المطالب؟

وينشط عادة الناشطون السياسيون السوريون عبر صفحات الفيسبوك بنسبة أعلى من تويتر لكن جائحة كورونا دفعت السوريين كغيرهم إلى منصات جديدة كـ غرف الدردشة على التطبيق الأحدث حالياً "كلوب هاوس" أو إقامة الندوات المطولة عبر تطبيق "زووم".
ولكن.. هل من جدوى؟
ومع هذا الانتشار الكبير للحراك الالكتروني يبرز التساؤل حول مدى تأثير الوسائل الافتراضية في حقيقة الأمر على الرأي العام و على المجتمع الدولي.
ترى الأكاديمية والسياسية السورية، د.سميرة مبيض، أن الحراك في الفضاء الافتراضي، له تأثير مباشر بالرأي العام، كأي حراك إعلامي آخر، كما اعتبرت أنه يؤثر على توجهات الأشخاص واختياراتهم، لا سيما و أن الفضاء الافتراضي بات يوازي في أهميته أي فضاء تأثير مباشر بحيث يزداد وجوده في نطاق العمل والعلم والسياسة والاقتصاد وغير ذلك.
ورغم عدم قدرة الفضاء الالكتروني المحافظة على نفس وتيرة التأثير في نفوس المتلقين خلال حملات إلكترونية متشابهة و في الظروف ذاتها؛ لاعتبارات متعددة، إلا أن مبيض ترى بأن الحراك الالكتروني هو تأقلم هام للمطالبة بالتغيير مع ما تفرضه الأدوات التكنولوجية الحديثة.
وتابعت بالقول "تبقى وجدانية الثورة قائمة فيمن يحرك هذا الحراك على كافة الصعد السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وما ينعكس عنه ومنه على أرض الواقع لذلك هو مستمر ولم يكن ليتشكل أو ليبقى لو لم يكن له فاعلية كافية للاستمرارية".
ثورة بدون روح؟
وفي ظل انتهاج البعض سلسلة من الحراكات السياسية الإلكترونية دون البحث أو قياس نتائجها وعدم الاهتمام بنتائجها، فإنه قد يجوز القول عن هذه النشاطات بأنها "ثورة دون روح"، و هو التعبير الذي فسره الرفاعي استنادا على أن أثر الحراك السياسي الإلكتروني ضعيف في ظل سيطرة القوى الدولية وقوى الأمر الواقع على الأرض السورية، ومواجهة هذه السيطرة لها مهمات ونشاطات سياسية ودبلوماسية أخرى، معتبرا أن هذا العبء يقع على النشطاء السوريين الذين لهم صلات وعلاقات مع المؤثرين في المجتمع الدولي.
واعتبر أن "مع ما حصل للثورة السورية من تحريف ومصادرة وتخميد، و ما لحق بالثورة ولحق بالناشطين والمناضلون من قتل وسجن وتشريد وتهجير، وما أصاب الثورة فقد أصاب أيضاً وسائل التواصل".
و لعل السؤال الأبرز الذي يدور في بال السوريين داخل البلاد و خارجها في ذكرى الحراك الشعبي، حول إذا ما باتت النشاطات السياسية عبر الفضاء الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي ذات معنى و تأثير على مسار القضية السورية، بعد أن أمست الأوضاع داخل سوريا رهينة تفاهمات مشتركة بين الدول الفاعلة في الملف السوري.
اقرأ أيضاً: مظاهرات داخل سوريا وخارجها في الذكرى العاشرة للثورة السورية

على مر السنوات الماضية ومع دخول الثورة السورية ذكراها العاشرة، برزت الكثير من الفعاليات والحركات السياسية/الثورية، فبين من طالب بعدم الاعتراف بشرعية انتخابات بشار الأسد، وبين من انتخب مجلس شعب افتراضي، تبرز في المنتصف الشعارات التي باتت رائجة عبر مواقع التواصل الاجتماعي مؤكدة على استمرار الثورة مهما كانت الظروف، وحتى لو بقي أصحاب الدعوات خارج سوريا حتى آخر يوم في حياتهم.
ثورة السوريين على "فيسبوك"؟
زكي الدروبي، القيادي في حزب "اليسار الديمقراطي" استبعد بشكل نسبي أن تكون الحراكات الإلكترونية ثورة بدون روح، مشيراً إلى أن النشاط عبر وسائل التواصل الاجتماعي جزء مهم من العمل الترويجي للثورة السورية ومبادئها وأفكارها، لكن يجب عدم الاقتصار عليها، بل علينا النشاط في مختلف وسائل العمل المتاحة، بحسب وصفه.
كذلك استبعد أيضاً أن يكون الحراك الإلكتروني "المتبقي الوحيد" للمعارضين السوريين، "النشاط الإلكتروني جزء من عمل متكامل، لا ينقصه سوى إدارة وتنظيم، حينذاك فإن تكامل عمل مختلف الأطراف سيكون له دور ضمن أدوار الإرادات الدولية، وسيقدم شيء لا يمكن لهذه القوى الدولية تجاوزه".
رئيس الرابطة السورية في مدينة غازي عنتاب التركية، د.محمد نور حمدان، رأى بأن الحراك الإلكتروني ليس الخيار الوحيد لدى السوريين فهم وفق تعبيره يملكون عدة أدوات أخرى في الضغط من أجل تحقيق أهدافهم.
وتابع "الحراك السياسي الالكتروني مهم جدا، و في بداية الثورة كان للحراك الالكتروني تأثير كبير على تحريك المظاهرات و خروج الناس إلى الشوارع. الحراك الإلكتروني لا يكفي و لابد من تحركات على الأرض".
كيف يرى أهالي الشمال الحراك الإلكتروني؟
الناشط السياسي في مدينة إدلب، أحمد صباح، قال في معرض تعليقه لـ "روزنة" حول حقيقة الروح المفقودة لأي فعل يندرج تحت خانة "الثوري" طالما أنه فقد تأثيره في ظل وصوله العشوائي إلى الجمهور، وعدم إحساس الجمهور به كما أي فعل وجاهي/فيزيائي.
وقال أن الحراك السياسي الإلكتروني من ناشطي الثورة الموجودين خارج سوريا، أو مؤيدي الثورة السورية من غير السوريين، هو حراك ثوري بالنتيجة وربما كان أكثر تنظيماً وتنسيقاً بين مختلف العواصم، سواء بالمظاهرات أو الوقفات أو حملات الحشد والمناصرة من خلال ما يكتب وينشر على مواقع الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، بحسب تعبيره.
وفيما إذا كان يمكن اعتبارها بـ "البريستيج الثوري"، رأى صباح بأنها تحمل الكثير من المعاني والرسائل، "كثائر وناشط في الداخل السوري أرى أن مناصرة الثورة من قبل ناشطي الخارج حاملاً ثورياً وأداة مهمة تشعرني بأن أخي الذي هاجر لم ينسى ثورته وينصرني أنا ناشط الداخل".
قد يهمك: الثورة تنتج دولة والدولة تقتل الثورة

بينما اعتبر الناشط الإعلامي، محمود أبو راس، أن الحراك الالكتروني يكون حقيقياً وفاعلاً عندما يتم الإجماع عليه، أو عندما يتبناه الجميع:"عندما تشهد توافق من فئة واسعة ويكون لها صدى على أرض الواقع، فهي تصبح بمثابة حقيقة لا يمكن تغافلها".
فيما شدد صباح على سوريي الخارج بالقول "لنا حق عليهم أن ينصروا القضية بالقلم والصوت عسى أن تجد أهداف الثورة موطأ قدم بين زحمة مصالح الدول على أرض سوريا".
لم يعد معلوما للسوري موعد عودته إلى بلده، ويسأل نفسه : هل يحق لي السؤال عن موعد العودة؟.
ومع استمرار الاستعصاء السياسي في سوريا، و تدخل مختلف الأطراف و الدول بقضية بلده، يصبح السوري صاحب القضية والمعني بها هو الغريب والدخيل عليها، يستخدم آخر أسلحته الدفاعية عن ثورته عبر المنصات الافتراضية التي تحيي الأمل بداخله تعود به إلى ذكريات الأيام الأولى للثورة.
الكلمات المفتاحية