بعد سنة من النزوح إلى منطقة وادي النصارى في حمص، تخرج المرأة السبعينية في جولات شبه يومية للبحث عن بيتٍ للأجار، تصر في كل مرة على سعرها الخاص، "أكتر من 12 ألف ليرة ما فينا ندفع"، الأمر الذي غالباً ما يثير السخرية لدى أبناء المنطقة، التي اشتهرت بغلاء الأسعار في السنوات الأخيرة.
تدعي أم سرجون إلى الله، ألا يصاب أحدٌ بما أصابها، قائلةً: "كنا في أحسن حال بالحسكة، احتلت العشائر وداعش بيوتنا وممتلكاتنا في الجزيرة، كل ثروتنا ضاعت".
تكثف أم سرجون من جولاتها للبحث عن بيتها المنشود، مع اقتراب أشهر الشتاء القاسية. وتقول لروزنة: "ليس بإمكاننا المكوث أكثر، صاحب البيت الذي نسكنه حالياً يريد إخلاءه، منذ ثلاثة شهور أبحث عن بيتٍ جديد ولكن دون جدوى، لا أعرف إن كان هناك من سيستقبلنا الشهر القادم".
السكن في الملجأ
لا تحبذ أم سرجون وابنتاها فكرة السكن في الملاجئ أو البيوت المفتوحة للنازحين، فهم أبناء عائلة معروفة في الحسكة حسب ما يقولون، ولا تسمح لهم كرامتهم، أن يسكنوا في ملاجئ مع "الغرباء".
مع مرور الوقت، تقبلت هذه العائلة الصغيرة فكرة الملجأ، وتوضح لورين الابنة الكبرى: "بحثنا كثيراً عن بيتٍ صغير لنا، لكنا لم نجد، يبدو أننا سنمضي الشهر القادم في الملجأ، ليس بيدنا حيلة".
ليتنا لم نأتِ
جورج وعزيز شقيقان في منتصف العمر، كانا يعملان في بيع الخضار بالقامشلي، قبل أن ينزحا إلى بلدة الحواش في منطقة وادي النصارى، أو "وادي النضارة" كما اصطلحت مؤسسات النظام على تسميتها.
يقولان لروزنة "ليتنا لم نأتِ"، ويضيف جورج: "ليس سهلاً أن تجد عملاً مناسباً، عملت نادلاً في مطعم وفي الحلاقة وفي النجارة، إلا أن اياً منهما لم يقدم لي دخلاً معقولاً، نحن الآن في حالة إفلاس تام".
وسافر الأخوان مؤخراً إلى العاصمة دمشق، على أمل ايجاد عمل مؤقت، يؤمن لهما ثمنَ تذكرة طائرة العودة إلى القامشلي.
كانت الشبيحة في انتظارهم
بعيداً عن كل التهديدات، التي كانت تحيط بهم في قرية دمخية جنوب القامشلي، ظنت عائلة آرام، أنها ستهنأ بعد أن نزحت إلى وادي النصارى، ولكن على ما يبدو، كان "شبيحة" المنطقة في انتظارهم.
خُطف آرام الذي عمل مؤخراً كحارسٍ لأحد بيوت بلدة الحواش، على يد "الشبيحة" منذ خمسة أشهر، استطاعت العائلة تأمينَ مبلغ مليوني ليرة بناء على طلب الخاطفين، لقاء عودته بسلام.
حول هذا، تتحدث زوجة آرام: "بعد أن استطعنا جمع المبلغ من أقربائنا في السويد والقامشلي، رمينا به خلف صخرة على اوتوستراد حمص دمشق كما طلبوا منا، وكان من المتفق أن يعود زوجي في اليوم التالي، لكنه لم يعد حتى الآن".
وتغض حكومة النظام النظر عن أعمال الخطف والقتل، التي يقوم بها "الشبيحة"، والتي باتت تكثر في ريف اللاذقية وحمص، وحسب رأي الكثيرين ومنهم زوجة آرام، فإن "النظام لا يغض النظر عن أعمال الشبيحة وحسب، وإنما يسهل أعمالهم عبر رجال الأمن الذين باتوا هم الشبيحة".
انتقال واستقرار
"العيشة في القامشلي لم تعد تطاق"، تقول راما. وتؤكد أن المدينة باتت فارغة، وأن كل أصدقائها وأقاربها هاجروا، وهذا ما دفعها للانتقال إلى منطقة الوادي.
حال راما وعائلتها، تشبه أحوال العديد من المسيحيين في الحسكة والقامشلي والقرى المحيطة بها، الذين رأوا في بعض مناطق وادي النصارى، ملاذاً آمناً يستقرون به.
وإلى جانب المسيحيين، انتقل عدد لا بأس به من أكراد الجزيرة إلى الوادي، بدافع العمل أو التعلم في جامعات المنطقة، ويقدر عدد القادمين من الجزيرة السورية بحوالي ألف شخص. استقر أغلبهم في بلدة المزينة، تليها الحواش ومرمريتا.