تفاهمات روسية أميركية قبل تطبيق عقوبات قانون قيصر؟ 

تفاهمات روسية أميركية قبل تطبيق عقوبات قانون قيصر؟ 
تحليل سياسي | 06 مايو 2020
مالك الحافظ - روزنة|| أسابيع قليلة وتدخل عقوبات "قانون قيصر" الأميركي؛ حيز التنفيذ، ما يعني أنه إذا لجأت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب فإن الملف السوري سيشهد تصاعداً محموماً في عموم الملف السوري (ميدانياً و سياسياً)، جرّاء ازدياد حدة الاشتباك بين الولايات المتحدة وروسيا؛ بخاصة وأن القانون الأميركي يستهدف الأخيرة بشكل مباشر في عقوبات مشددة؛ على اعتبار أنها من الداعمين الرئيسيين للنظام السوري، إلى جانب إيران.

"قانون قيصر" الذي تم إقراره نهاية العام الفائت، والذي ذكر روسيا في بنوده بشكل مستمر ويلوح بفرض عقوبات عليها، مستنداً بذلك على دعمها للنظام، وينص بشكل واضح على أن العقوبات ستفرض كذلك على مسؤولين روس وإيرانيين ممن يدعمون النظام.

ويضع تنفيذ القانون العلاقات الأميركية الروسية على المحك، وهو الذي سيلحق الضرر بالروس ومصالحهم في سوريا، فضلاً عن التأثير الكبير على قوة/هيبة موسكو، وفرض مشاريعها في المنطقة انطلاقاً من سوريا، وهي التي تريد أن تعود كقوة عالمية كبرى بمواجهة واشنطن وتسعى إلى ذلك بشكل واضح خلال العقد الماضي. 

وبسبب تشابكات الوضع الحالي في سوريا، فإن توجهات واشنطن تبدو ضبابية تجاه تفعيل "قيصر" ما يعني قطع كل السبل التي من شأنها تأسيس تفاهمات مستدامة مع موسكو في سوريا -بالمقام الأول-، والعكس كذلك لا يختلف عن ذلك، فواشنطن التي سعت خلال الشهور القليلة الماضية لاستخدام القوة الناعمة والتهديد بتطبيق "قيصر" لابعاد روسيا عن التصعيد العسكري ودعم إيران في ذلك، وقد تكون نجحت في ذلك فيما لو تم بناء أولى خطوات إرساء الاستقرار في الشمال بعد اتفاق جديد بين موسكو و أنقرة حول إدلب (مطلع آذار الماضي).

اقرأ أيضاً: هل يُوقف "قانون قيصر" العمليات العسكرية في سوريا؟

ونص "قانون قيصر" على فرض عقوبات على كل من يتعامل مع النظام السوري أو يموله، حيث تنطبق العقوبات الواردة على الأفراد الأجانب الذين يدعمون النظام مادياً، وتتضمن العقوبات تجميد الأصول المالية، وتنطبق أيضاً على كل من يزود الخطوط الجوية السورية بقطع غيار وصيانة ومن يشارك في مشروعات إعادة الإعمار التي ُيديرها النظام، وكل من يدعم قطاع الطاقة في سوريا.
 
بينما سمح القانون للرئيس الأميركي برفع هذه العقوبات في حال لمس جدية في التفاوض من قبل النظام السوري، بشرط وقف الدعم العسكري الروسي، كما يُمكن للرئيس رفع العقوبات لأسباب تتعلق بالأمن القومي الأميركي.

 هذا ويبقى سيناريو الخيارات المفتوحة في سوريا إزاء حدوث تباعد أميركي-روسي و احتمالية الوصول إلى قطيعة دائمة إثر تطبيق عقوبات "قانون قيصر"، أو لجوء الروس إلى التقارب أكثر مع الأمريكان، من خلال تفاهمات قد تبرم حول مناطق شرق الفرات، تعزز التفاهمات السابقة حول إدلب مع تركيا (حليفة واشنطن)، مقابل تشكيل رؤية متقاربة في القضاء على  التنظيمات الإرهابية (داعش، جبهة النصرة)، والانطلاق نحو تنفيذ القرار الدولي 2254. 

التطورات بيد واشنطن

الباحث السياسي، د.عبد القادر نعناع، أشار خلال حديث لـ "روزنة" إلى أن رغم أن كل من واشنطن وموسكو استخدمتا أدوات محلية وإقليمية لتحقيق مصالحهم، إلا أن الجانب الأميركي يبقى الأكثر فعالية وحسماً، رغم كل التدخل الروسي، وما يترافق معه من تدخل إيراني، معتبراً بأن أية تطورات ستشهدها المنطقة لا بد أن تكون مقبولة أميركياً. 

وتابع بأن "الروس ما زالوا يشتغلون ضمن الفجوات التي يسمح بها الأميركيون، مع محاولة التوسع خارجها بشكل محدود". 

وزاد في سياق مواز "شكلّت سوريا أحد ملفات الاشتباك في السياسة الدولية بين الطرفين، دون أن يعني ذلك أن الطرفين يتجهان إلى مواجهة مباشرة مسلحة أو سواها، فكما شهدنا طيلة السنوات الماضية، كان لكل منهما مناطق نفوذ خاصة به، ففيما كان الأمريكيون مرتاحون لتورط روسيا أكثر فأكثر في البيئة السورية كثيرة التعقيد، وبالتالي استنزاف الطاقات الروسية، ومنها تعطيل/تأخير الروس عن الاشتغال في ملفات أكثر أهمية للأمن القومي الأمريكي (أوروبا الشرقية مثلاً)، فإن الروس بدورهم كانوا راضين عن هذا الفراغ الذي خلّفه الأميركيون ليجعلوا من سوريا منصة جديدة في مسار عودتهم للفاعلية الدولية".

ورجّح نعناع بإمكانية حدوث توافق أميركي روسي على ترتيبات المشهد السوري خلال الفترة المقبلة؛ يحفظ لكل منهما مكاسبه في المنطقة.

قد يهمك: بوتين في سوريا: كش أسد !

ويتفق مع هذا الرأي، زخم التقارير "شبه اليومية" الروسية والتي قد تُدلّل بشكل أو بآخر على نية روسية مبيتة للتخلي عن الأسد وليس عن النظام، لصالح إعادة إنتاج النظام، وهو أمر ربما يتفق مع رؤية ترامب، وفق وصف نعناع.

وختم بالقول "هذا التخلي الروسي عن الأسد، لا يندرج فقط ضمن القلق من قانون قيصر، بل ضمن كثير من المسببات، على رأسها أن الأسد لم يعد ذا جدوى للروس في سوريا، بل عبئاً يصعب تحمل تكاليفه في المرحلة القادمة، وإشغالاً للروس عن ملفات جديدة يتم التحضير لفتحها في المنطقة وخارجها… ربما هي المرة الأولى منذ عقد كامل، لا نذهب إلى تأزم جديد، بل إلى انفراجة مضبوطة دولياً، بمعنى أنها انفراجة تتفق مع المصالح الدولية، وليس مع المصالح الثورية، لكنها تحتاج إلى بعض المقدمات الأخرى (تفكيك النظام قليلاً، نزاعات بينية، وضربات عسكرية خارجية)، خلال الأشهر القليلة المقبلة".

وسلّط تقرير لـ "المجلس الروسي للشؤون الخارجية"، المقرب من "الكرملين"، الضوء على مسعى روسي أكثر جدية لإحداث تغييرات في سوريا، وتحدث عن "توقعات بتوصل روسيا وإيران وتركيا إلى توافق على الإطاحة بالأسد وإقرار وقف شامل للنار، مقابل تشكيل حكومة انتقالية تضم أطرافاً من النظام والمعارضة والقوى الديمقراطية". حيث عزّز التقرير التوجه الذي أثارته أخيراً حملة إعلامية وسياسية وصفت الأسد بأنه "فاقد للشعبية وغير قادر على الإصلاح".

وكان لافتاً أن المجلس الروسي نفسه نشر قبل أيام، مقالة لسفير روسي سابق انتقد فيها بقوة "حجم الفساد وأخطاء القيادة السورية وانفصالها عن الواقع السياسي والعسكري".

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق