أطفال سوريا ضحايا العنف الأسري.. من يتحمل المسؤولية؟

"عائلات تقتل أبناءها، وأب أو أم يعذبان طفليهما حتى الموت" قصص صادمة عاشها سوريون في مناطق مختلفة، وكان الأطفال أبرز ضحاياها، ويرجع تكرار تلك الحوادث لعوامل عديدة، وفق خبراء ناقشوا الأسباب والحلول الممكنة.
آخر الحالات التي وصفت بالمروعة، تمثلت بخطف وقتل الطفلين، "نور ح" (3 سنوات) و"فاطمة ح" (سنة ونصف)، وهما أبناء عمومة من بلدة الهبيط بريف إدلب، وإلقاء جثتيهما أمام منزل عائلتهما في منطقة أطمة شمالي إدلب.
عماد والد الطفلة فاطمة، وهو إمام وخطيب في المنطقة، أكد تلقيه وعائلته تهديدات من الفاعل بتنفيذ جرائم أخرى، ورسالة أمهل فيها الجاني الأسرة 10 أيام لمغادرة مناطق الشمال السوري، وفق صور تم تداولها في مواقع التواصل.
ونفى الأب في تسجيل مصور، أن يكون لديه أي عداوة مع أي شخص، مناشداً حكومة الإنقاذ وهيئة تحرير الشام، التي تسيطر على المنطقة بمعرفة القاتل.
حكومة الإنقاذ أصدرت بعد ساعات بياناً أعلنت فيه القبض على "الفاعلة"، قائلة إنها اعترفت بقتل أبناء أشقاء زوجها العامل في صيانة الدراجات النارية.
تشييع جثماني الطفل نور عوض الحمودي والطفلة فاطمة عماد الحمودي، وهما أبناء عمومة من بلدة الهبيط، بعد حادثة مقتلهما خنقاً ورمي جثتهما أمام منزلهم في مخيم الوفاء بأطمة شمال #إدلب. #الفرات_للأنباء
Posted by Fırat Haber Ajansı وكالة الفرات للأنباء on Monday, February 21, 2022
ظروف ضاغطة
عوامل نفسية وقانونية وأسباب مجتمعية تضافرت مع بعضها، فشكلت ظاهرة العنف ضد الأطفال، وفق ما تراه الاختصاصية النفسية سلوى عرابي، مشيرةً في حديثها لروزنة، إلى أن جريمة أطمة شكلت صدمة كبيرة، خاصة لوالدي الطفلين ووالدتهما.
"مشكلات وضغوطات اقتصادية، واكتئاب ناتج عن ظروف ضاغطة وغير آمنة، مع ضعف الوازع الأخلاقي وغياب سلطة القانون" كل ذلك وفق سلوى يؤدي لانتشار جرائم العنف عموماً، وضد الأطفال بشكل خاص.
بالتزامن مع جريمة أطمة، أقدم مجهولون خلال الساعات الماضية، على اختطاف فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً في حي الكلاسة شمال غربي مدينة الحسكة، وفق ما نقلته صحيفة تشرين المحلية.
معاناة أطفال سوريا على مدار أكثر من 10 أعوام، لم تقتصر فقط على العمليات العسكرية وما تبعها من قصف وجرائم حرب، بل كان العنف بأنواعه لاسيما الأسري، أشد قساوة على جيل يبحث عن مصدر دفئ بين من تبقى من أسرته.
في مدينة حمص، قضت الطفلة "جنى" تحت التعذيب على يد والديها "أحمد م" و"دارين ع" في حي الزهراء، ووفق وزارة الداخلية السورية، تبين أن الصغيرة البالغة من العمر 5 سنوات، تعرضت للتعنيف والحرق بأعقاب السجائر حتى فارقت الحياة.
اقرأ أيضاً: وفاة طفلة بحمص عنّفتها عائلتها حتى الموت
عرابي لفتت إلى أن الوازع الأخلاقي أو الديني، يمنع الأسر التي تعيش تحت ظروف وضغوطات نفسية صعبة من ارتكاب مثل تلك الجرائم، ومع غياب قوة تنفيذية للقانون، يشعر الجناة بالراحة لعدم توفر المحاسبة أو عدم القدرة على ملاحقتهم.
جنى ليست الطفلة الوحيدة التي قتلت منذ مطلع العام الجاري، ففي الثامن من الشهر الفائت أعلنت وزارة الداخلية في حكومة النظام السوري العثور على جثة الطفلة أمل، 11 عاماً، في حمام منزلها.
تعرضت أمل وفق بيان الداخلية للحرق والطعن، في ناحية الغزلانية القريبة من منطقة دوما في محافظة ريف دمشق، وبعد يوم نشرت صحيفة "الوطن" المحلية، اعترافات شقيق الطفلة القاصر بقتلها، بعد القبض عليه.
الشابتان الشقيقتان وئام ومريام مسعود 18 و16 عاماً، قتلتا أيضاً الشهر الفائت، بطلقات نارية في قرية صميد بريف السويداء الغربي، واتّهم عم الفتاتين والدهما بإطلاق النار عليهما، وفق شبكة "السويداء 24".
خلل قانوني
القانون السوري لا يولي معاملة خاصة للأطفال في حال تعرضوا للضرب أو التعنيف من قبل ذويهم أو أي شخص آخر، فضلاً عن كونه عقابياً وليس وقائياً أي لا يتدخل إلا بعد وقوع الجريمة، حسب المحامي السوري سامر الضيعي.
الضبيعي أضاف لروزنة أنه في حال وصل التعنيف لدرجة إلحاق الأذى الجسدي بالطفل أو التسبب بعاهة مستديمة له، فإن القضية تخضع لأحكام قانون العقوبات العام.
بموجب المواد 540، 541 و542 من هذا القانون، يتم التعامل مع الأمر وكأن شخصاً غريباً اعتدى على شخص آخر، دون الأخذ بعين الاعتبار إن كان المُعتدى عليه طفلاً أم بالغاً، أو إن كان قد تعرض للضرب من قبل أحد والديه أو شخص آخر.
قد يهمك: يبيح ضرب الزوجة .. خلل وقصور في القانون السوري
أشار المحامي السوري لروزنة إلى قوانين شكلية لا تطبق على أرض الواقع، لا يتم تنفيذ مضمونها من قبل مختلف الأطراف في سوريا، ومن بينها السلطة الحاكمة التي صادقت على اتفاقية حقوق الطفل عام 1989 وأصدرت قانوناً مرتبطاً بحماية الأطفال عام 2021.
التحرك لوقف العنف
وفق اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، يتوجب على الدول الأطراف اتخاذ جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل.
ويشمل ذلك حماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو الاستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية، وهو في رعاية الوالد (الوالدين) أو الوصي القانوني (الأوصياء القانونيين) عليه، أو أي شخص آخر يتعهد برعايته.
المجتمع السوري حسب المحامي الضبيعي يحتاج إلى ثورة في القوانين، خاصة فيما يتعلق بحماية الفئات المستضعفة منه، وعلى رأسها الأطفال والنساء، خاصة في ظل الظروف التي أفرزتها الحرب على سوريا.
من المهم وفق الاختصاصية النفسية سلوى عرابي، تدخل الآخرين لإنقاذ حياة المعنفين خاصة الأطفال، و إخبار الجهات المختصة لحمايتهم، ومحاولة إبعاد الضحية عن مكان الحادثة.
وتلزم المادة 26 من قانون أصول المحاكمات الجزائية السورية، كل من شاهد اعتداءً على الأمن العام أو على حياة أحد الناس أو على مال يلزم أن يعلم بذلك النائب العام المختص.
لكن المادة المذكورة حسب المحامي الضبيعي خالية من ذكر معاقبة من يخالفها، وبالتالي فإن لم يقم الشاهد بإعلام النائب العام فلا وزر عليه ولا عقوبة، ولا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال مساهماً في وقوع الجريمة.
أهمية التوعية
من المهم أيضاً وفق سلوى إجراء دورات تثقيف وتوعية لوقاية الأطفال من العنف الموجه ضدهم، وتوجيه الآباء والأمهات بطريقة التعامل مع ضغوطات الحياة والتعامل مع مشكلات الأطفال بالشكل الأفضل.
أشارت الاختصاصية النفسية في حديثها لروزنة إلى أهمية امتلاك عين ناقدة قادرة على التفريق بين الصواب والخطأ، لعدم التأثر فيما ينشر على وسائل الإعلام ومنصات التواصل من أخطاء وسلوكيات عنيفة.
وكان تقرير للمركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية عام 2019، قد طالب بعقد اتفاقیة دولیة خاصة لحمایة الأطفال في ظل النزاعات المسلحة تشترك في صیاغتها كل الدول والمنظمات الدولیة التي تهتم بحقوق الطفل.
ويجب أن تتناول هذه الاتفاقیة كل الجوانب المتعلقة بحمایة الطفل من آثار النزاعات المسلحة، والعمل محلياً على زیادة الوعي بحقوق الأطفال لدى أفراد المجتمع، وجعل الاتفاقيات المرتبطة بها جزءاً من الكتاب المدرسي للأطفال في مرحلة التعليم الإلزامي.