بين تأكيد ونفي ورفض شعبي واسع، أعلنت يوم أمس وزارة الدفاع الروسية، التوصل مع الجانب التركي إلى اتفاق يقضي بفتح 3 معابر بين مناطق النظام السوري من جهة ومناطق المعارضة من جهةٍ أخرى، في وقت نفت تصريحات تركية غير رسمية حدوث هذا الاتفاق.
ووفق وزارة الدفاع الروسية، فإن المعابر في الشمال الغربي من سوريا، هي معبري سراقب و ميزناز في إدلب، ومعبر أبو الزندين في حلب.
و قالت الوزارة أن الاتفاق يمثل "عرضاً مباشراً لالتزامنا بالتسوية السلمية للأزمة السورية على المجتمعين المحلي والدولي". لافتة بأن فتح هذه المعابر يهدف إلى "رفع حالة العزل وعمليا إزالة الحصار الداخلي للمدنيين". و أوضحت أن المقترح يشمل "إطلاق عمليتي إيصال الشاحنات الإنسانية وخروج النازحين عبر الممرات اعتباراً من 25 آذار الجاري".
ويبدو أن فتح المعابر مع مناطق سيطرة النظام السوري سيفتح المجال للأخير لإعادة إحياء نفسه على المستوى الاقتصادي بشكل رئيسي، ويساعده مع الجانب الروسي للالتفاف على عقوبات قانون "قيصر"، إلى جانب تزويده بالعملات الأجنبية والمواد اللازمة له ويعاني من التزود به. إلى جانب ذلك تشي الرغبة الروسية بمساعي موسكو في السيطرة السياسية والاقتصادية على المنطقة من خلال إتمام السيطرة على امتداد الطرق الدولية والمناطق المحيطة بها، بالتوازي مع التحكم بالحركة التجارية هناك.
قد يهمك: هل يُحافظ اتفاق أردوغان-بوتين حول إدلب على استمراره؟

في المقابل، قالت تقارير صحفية نقلا عن مصادر تركية "رفيعة" نفيها الأنباء التي تحدثت عن توصّل أنقرة وموسكو لاتفاق من أجل فتح المعابر الثلاثة، و أكد مصدر عسكري أنّ تركيا بالفعل تلقّت عرضاً روسياً من أجل فتح المعابر، غير أنه نفى حصول أيِّ اتفاق على ذلك.
وشدّد المصدر على أنَّ الجانب التركي لا يزال يفاوض نظيره الروسي على العرض المقدَّم، معتبراً أنَّ الحديث الإعلامي الروسي هو للضغط على أنقرة للوصول إلى اتفاق مشترك.
دعم اقتصادي للنظام؟
الباحث الاقتصادي، أدهم قضيماتي، قال خلال حديث لـ "روزنة" اليوم الخميس، تعليقاً على افتتاح المعابر الثلاثة من الجانب الروسي، بأن ذلك سيتيح تأمين كمية لا يستهان بها من القطع الأجنبي للنظام السوري ومناطقه وزيادة الطلب على الليرة السورية المنهارة.
كذلك سيتم تزويد مناطق النظام بالمشتقات النفطية التي ندرت في مناطقه، وفق قضيماتي، الذي تابع في السياق ذاته قائلاً "ما الضربات الروسية خلال الأيام الماضية لمراكز تكرير النفط في الشمال إلا محاولة من الروس للقول أن ما تفتقده مناطق النظام يجب لا تنعم به مناطق المعارضة، أو يتم فتح المعابر لتزويد مناطق النظام بما يلزم من مشتقات نفطية، وسيكون ذلك أيضا على حساب مناطق الشمال، حيث سترتفع أسعارها ايضاً بسبب توريد جزء منها لمناطق النظام".
اقرأ أيضاً: لإعادة الإعمار... روسيا تقترح على الخليج "عقوبات ذكية" للنظام السوري

ومن ناحية أخرى فإن فتح المعابر وتأمين الطرق الدولية من قبل الروس سيدعم دعوة روسيا لملف إعادة الإعمار، بخاصة بعد سيطرتها على شبكة الشرايين الرئيسية في سوريا.
وتابع "إن ما تعانيه مناطق النظام من شح في القطع الأجنبي وارتفاع أسعار المواد الغذائية و الحظر الذي تفرضه الدول على دعم النظام يعيد إلى الطاولة ما تم الاتفاق عليه من قبل الضامنين لفتح الطرق الدولية".
وأشار قضيماتي إلى أن ذلك الاتفاق يجيز التبادل التجاري بين مناطق النظام والشمال السوري، ومنها إلى العراق ليتم الاستغناء عن طريق البادية غير الآمن وهو المؤدي أيضاً إلى العراق، مما يساعد النظام السوري في تخفيض تكاليف النقل وتأمين المواد الغذائية من مناطق المعارضة، ويؤدي إلى تخفيض أسعار المواد الغذائية في مناطق النظام، وارتفاعها في مناطق المعارضة.
استثمار روسي؟
المحلل السياسي، درويش خليفة، أشار خلال حديث لـ "روزنة" إلى أنه و بعد فشل الجولة الخليجية لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مطلع آذار الجاري، وعدم حصوله على وعود بفتح خط بين النظام السوري مع دول مجلس التعاون الخليجي، فإنه لم يعد أمام الروس خيار سوى اللجوء للخطة البديلة، والمتمثلة بالعودة للحلول الاقتصادية المحلية.
وتابع بأن "قانون قيصر (الأميركي) بعد مضي تسعة أشهر على تنفيذه، أغلق جميع منافذ الدعم المقدمة للنظام السوري وقطع كل السبل التي تؤدي لإعادة تدوير اقتصاده المتعثر مسبقاً. كذلك الخلافات في جسد النظام بين أقارب الأسد وزوجته التي ساهمت في الوصول لهذه النتائج الكارثية".
واعتبر خليفة بأن "فتح المعابر لن يساهم في تحقيق انفراجة في اقتصاد النظام لأن مواطني حلب ودمشق والساحل لا يملكون ثمن خبزهم حتى يتمكنوا من شراء البضائع التركية؛ في حال صدقت الرواية الروسية بفتح المعابر وإدخال المواد الغذائية والمشتقات النفطية إلى القطاع الخاضع للسيطرة الروسية".
وفي المقابل فإن بقاء الفيدراليات العسكرية التي فرضتها التداخلات الإقليمية والدولية على الجغرافيا السورية في على ما هي عليه، تجعل النظام الخاسر الأكبر بسبب الاقتصاد المنهك لدول جواره، بينما الأوضاع في مناطق سيطرة المعارضة مقبولة نسبيا نظرا لوجود معابر حدودية ومنظمات إغاثية تساهم في تخفيف الأعباء عن المقيمين والنازحين إليها.
وكان العديد من الضباط والناشطين والسياسيين السوريين حذروا يوم أمس من خطورة القبول بالمقترح الروسي الرامي إلى فتح المعابر بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة، وجاءت التحذيرات تحت وسم "لا للمعابر مع النظام".
قد يهمك: رسائل روسية في التصعيد على الشمال السوري

وأصدر 13 ضابطاً سورياً بياناً مشتركاً، أكدوا فيه رفضهم القاطع فتح المعابر بين مناطق سيطرة النظام، ومناطق المعارضة شمالي سوريا، مشددين على عدم قبولهم أن يكونوا سبباً في "إنعاش من يقتل أطفالنا، وإعطائه الترياق لكي يستمر في القتل".
بينما خرجت عدة وقفات احتجاجية مساء أمس الأربعاء، في ريف حلب الشمالي، للتأكيد على رفض فكرة فتح المعابر، حيث اعتبر المحتجون أن فتح أي ممرات مع النظام في الوقت الحالي سيكون بمثابة طوق النجاة له.
كذلك أطلقت قوى ثورية سورية والتنسيقيات التابعة لها السوريين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية بالخروج في مظاهرات حاشدة شمال إدلب، وذلك رفضاً للمقترح الروسي.
وروجت موسكو خلال شباط الماضي إلى فتح المعابر الثلاثة، حيث قال نائب رئيس قاعدة حميميم، الفريق أول فياتشيسلاف سيتنيك، منتصف شباط الماضي إنه "سيتم فتح المعابر في ظل كثرة الطلبات المقدمة من سكان منطقة وقف التصعيد في إدلب، بسبب نقص الرعاية الطبية والوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي نشأ بسبب العقوبات الأمريكية".
الكلمات المفتاحية