منذ أكثر من أسبوعين، يعاني أهالي العاصمة دمشق وريفها والمقيمون فيها، من أزمة مواصلات خانقة، بسبب قلة وسائل النقل العامة والسرافيس، وما زاد من تفاقم هذه الأزمة قيام حكومة النظام برفع أسعار المحروقات قبل أيام، ما أثر سلباً على سير حياة المواطنين، لا سيما الطلاب منهم.
وتتعاقد المدارس والجامعات والطلاب مع السرافيس مع بدء العام الدراسي، كوسيلة تضمن وصولهم في الأوقات المحددة الى مؤسساتهم، لكن أزمة المواصلات الحالية حولت رحلاتهم اليومية الى كوابيس، وأرهقتهم مادياً ونفسياً.
ومع انقطاع البنزين، ورفع وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، في الـ 19 من تشرين الأول الحالي، سعر ليتر المدعوم منه إلى 450 ليرة سورية، وغير المدعوم إلى 650 ليرة، تهافت المواطنون على السرافيس كوسيلة نقل بأجور مقبولة نوعاً ما، رغم قيامها برفع أسعارها، بعد أن باتوا عاجزين عن استخدام التكاسي التي ضاعفت أسعارها.
سمر المحمد، 30 عاماً، مقيمة في ريف دمشق، تقول لـ"روزنة": إن "أزمة المواصلات الخانقة أثّرت على الجميع بما فيهم الطلاب والموظفون، حيث تقلص عدد السرافيس منذ نحو أسبوعين بشكل كبير"، وتوضح أن "بعض الطلاب المقيمين في الريف ومدرستهم أو جامعتهم في المدينة اضطروا لإيقاف التعاقد مع السرافيس بسبب أزمة البنزين وارتفاع سعره".

ارتفاع الاشتراك الشهري للضعف
وتضيف المحمد، "البعض أصبح يدفع للسرفيس الضعف ليكمل دراسته، حيث كان سابقاً يدفع 7 أو 8 آلاف ليرة سورية شهريا قبل أزمة المواصلات، بينما أصبح اليوم يدفع 15 ألف ليرة، في حين اختار البعض الآخر أساليب أخرى في سبيل الوصول إلى مدرسته كأن يتعلّق خلف شاحنة أو (سوزوكي)، أو يتوجه إليها مرغماً سيراً على الأقدام رغم المسافات الكبيرة أحياناً".
وتابعت شارحةً الوضع الصعب للطلاب خاصة إن "الكثير من طلاب دوما وحرستا بريف دمشق، يذهبون إلى العاصمة دمشق من أجل الدراسة، ويشاهد الكثيرون منهم وهم ينتظرون السرافيس أحياناً في كراج العباسيين الواقع في القابون لمدة ساعتين أو ثلاث، وفي حال وصول السرافيس وفشلهم في الحصول على مقعد، يضطرون إما لطلب تكسي قد يصل أجره إلى 7 آلاف ليرة، أو للبحث عن قريب للمبيت عنده في دمشق".

ثلث الراتب للمواصلات
وفيما يتعلق بالموظفين، تشير المحمد لـ"روزنة" أنّها كموظفة تقيم في ريف دمشق تنتظر السرفيس صباحاً لمدة لا تقل عن ساعة، وعند العودة قد تطول مدة الانتظار في الكراج إلى ساعتين، وأحياناً تضطر لأخذ تكسي أيضاً بمبلغ قدره 7 آلاف ليرة. وتضيف: "لم نعد نقوى على هذه المصاريف الإضافية، راتبي 75 ألف ليرة، يذهب ثلثه للمواصلات فقط أي 25 ألف ليرة، بينما قبل الأزمة كانت المواصلات تكلفني 11 ألف ليرة، ما عدا مصاريف الطعام والشراب والإيجارات".
ومع انهيار الليرة السورية، بات المواطن السوري بحاجة لأكثر من 4 أضعاف راتبه الوسطي المقدر حاليا ب 40 ألف ليرة سورية، من أجل تلبية مطلبات الحياة اليومية.
ويبلغ سعر صرف الدولار الأميركي اليوم 2445 ليرة سورية ، وفق موقع "الليرة اليوم".
وفي دراسة لمركز "فرات للدراسات" صدرت في شهر تموز الماضي، يتبين أن العائلة السورية المؤلفة من 5 أفراد، تحتاج إلى 686 ألف ليرة لتأمين احتياجاتها الشهرية من الطعام فقط، لكي تتمكن من أن تعيش بمستوى عامي 2009 و2010.
أمينة العاصي، 22 سنة طالبة في جامعة دمشق، تقول لـ"روزنة": "كنت قبل أزمة المواصلات أطلب تكسي من منطقة الميدان إلى المزة بألف ليرة، في الوقت الحالي من المستحيل طلب تكسي بعدما أصبح أقل مشوار 3 آلاف ليرة".
وتضيف، "مع أزمة المواصلات تضاعفت تكلفة التنقل، لا سيما بعدما التغى الباص الذي كان يقلني من الميدان إلى المزة بمئة ليرة، الآن أنا مضطرة لأن أركب باصين من أجل الوصول إلى المزة بمئتي ليرة للذهاب ومئتين للإياب"، لافتة ألى أن "بعض الطلاب أحيانا يفضلون السير على استخدام وسائل النقل العامة".
وتوقع عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل في محافظة دمشق، مازن دباس، زيادة نسبة 55 في المئة على تعرفة التكاسي، بعد قرار رفع سعر البنزين المدعوم وغير المدعوم، وفق ما ذكرت صحيفة "البعث" أمس الأحد، بينما أكد سوريون لـ"روزنة" أنّ أسعار التكاسي تضاعفت بشكل تلقائي منذ ارتفاع سعر البنزين، وبدون أي قرار رسمي.
وبيّن دباس، أنه من المتوقع أن يصل اليوم الإثنين على أبعد تقدير كتاب التجارة الداخلية حول تحديد نسبة الزيادة على التعرفة، مشدداً على أن "المحافظة بالتعاون مع شرطة المرور ستقوم بمتابعة التعرفة الجديدة، والتشديد على سائقي التكاسي من أجل الالتزام بها والتقيد، بما يتم تحديده من المحافظة".
اقرأ أيضأً: ما بعد الصدمة... السوريون غاضبون من ارتفاع الأسعار
وكان متوسط أجور التكاسي في دمشق للمسافات القصيرة يبلغ نحو ألف ليرة قبل ارتفاع سعر البنزين، فيما من المتوقع أن يرتفع السعر بعد الزيادة الأخيرة إلى 1500 ليرة حال التزام السائقين بها، وفق موقع "سناك سوري".
أسباب أزمة المواصلات
وعن أسباب أزمة المواصلات، حمّل عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل في محافظة دمشق مازن دباس، محافظة ريف دمشق مسؤولية إعطاء موافقات للسرافيس بالتعامل مع المدارس والمعامل، في الوقت الذي أوقفت فيه محافظة دمشق تلك الموافقات، ما أدى إلى وجود خلل في المراكز التبادلية بين الريف والمدينة، نتيجة تساهل محافظة ريف دمشق، والسماح للسرافيس بالعمل مع المدارس والمؤسسات والمعامل، وفق موقع "هاشتاغ سوريا".
عضو المكتب المختص في ريف دمشق، عامر خلف، قال إن المحافظة لم تعط أي موافقة، أو استثناء منذ فترة زمنية بعيدة لأي سرفيس.
ووفق تقارير إعلامية، فإن أزمة السرافيس جاءت نتيجة تغيير أصحابها للخطوط المخصصة لهم، أو عدم الالتزام بكامل الخط المحدد، إضافة إلى بدء تعاقد المدارس، والجامعات والطلاب والموظفين مع السرافيس.
قد يهمك: في سوريا الأغنياء يضرسون و الفقراء يأكلون الحصرم
وكان دباس، برر سبب الازدحام على محطات النقل العام لعدم انتظام عمل العديد من السرافيس، نتيجة تأخر حصولها على مخصصاتها من الوقود، ما أدى إلى نقص عدد السرافيس، التي تعمل على جميع الخطوط.
ومن الأسباب الأخرى لهذه الأزمة أيضا وفق دباس، وجود عدد من السرافيس على خط "ريف دمشق - دمشق" تعمل بوقت الذروة، على إيصال الطلبة من وإلى منازلهم عبر تعاقدها مع المدارس الخاصة. وتتزامن هذه الأزمة مع أزمة خبز حادة تعصف بالسوريين إضافة إلى أزمات أخرى مثل الماء والكهرباء، وغيرها.
وشهدت دمشق في الآونة الأخيرة مع محافظات أخرى أزمة نقص في الوقود على المحطات، حيث انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور طوابير السيارات الممتدة لمئات الأمتار وهي تنتظر دورها على محطات الوقود، وسط غضب شعبي عارم نتيجة عدم توفر المحروقات، ما عطل سير حياة المواطنين، الذين يعانون أصلاً من تردي الأوضاع المعيشية.
الكلمات المفتاحية