قال خبير اقتصادي سوري خلال حديث لـ "روزنة" أن استمرار أزمة البنزين في مناطق سيطرة النظام السوري تعود لأسباب عديدة، يبرز أهمها من خلال سعي النظام السوري لتعويم سعر مادة البنزين وجعل أمراء الحرب يتحكمون به.
وأضاف الباحث والخبير الاقتصادي، يونس الكريم، أن من الأسباب الأخرى المتصلة، هو تردي سعر صرف الليرة السورية، ما دفع الكثير من أمراء الحرب الذين يُهربّون البنزين المكرر من مناطق شمال شرق سوريا أو شمال غربها؛ عبر المعابر غير الشرعية، دفعهم إلى تخزين البنزين ومن ثم بيعه بأسعار مضاعفة.
وتابع بالقول "أمراء الحرب يحاولون رفع أسعار البنزين في السوق السوداء من أجل الحصول على العملة السورية ليتم التدخل بها بأسواق سعر الصرف في شمال سوريا، وبالتالي محاولة الحصول على الدولار من تلك المناطق؛ و سحب الفائض من الكتلة النقدية لدى المواطنين و بالتالي تخفيف التضخم".
هذا وتشهد المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة النظام السوري العديد من الأزمات الاقتصادية، كان آخرها أزمة مادة البنزين، وذلك بعدما خفّضت وزارة النفط والثروة المعدنية بدمشق مخصصات البنزين للسيارات الخاصة مع كل تعبئة، حيث تم التخفيض من 40 لتراً للسيارات الخاصة الى 30 لتراً شهرياً، بسبب نقص المادة. في حين وصل صف السيارات العامة والخاصة والشاحنات المنتظرة أمام محطات التعبئة إلى مئات الأمتار، وتجاوز إنتظار السيارات لتعبئة البنزين الأربع ساعات.
قد يهمك: تخفيض كمية البنزين الشهرية لتعبئة السيارات في سوريا
و قد عزت شركة "محروقات" هذا الإزدحام إلى نقص المادة، بينما عزا آخرون ذلك إلى إزدياد الطلب على المادة بسبب فصل الصيف وازدياد رحلات السفر بين المحافظات وإلى المناطق الساحلية، بينما كشف مصدر في وزارة النفط السورية، أنه "ستصل توريدات جديدة من مادة البنزين خلال أسبوع"، آملاً بذلك بدء إنتهاء الأزمة التي سببها وجود نقص في المادة بالتزامن مع زيادة الطلب عليها، بينما أشار موقع "إقتصاد" إلى أنه من المرجّح أن ترتفع أسعار البنزين بسبب الأزمة الآخذة بالاتساع.
عقوبات "قيصر" والخلافات الروسية الإيرانية؟
الخبير الاقتصادي أشار خلال حديثه لـ "روزنة" إلى أنه ومع اشتداد العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة على النظام السوري ضمن إطار عقوبات "قيصر"، و الجدية الأميركية الظاهرة بعد إنزال 3 حزم من العقوبات، ما ساهم بوقف تهريب شحنات البنزين التي كانت تصل من العراق أو عن طريق إيران.
وتابع منوهًا إلى أن الخلاف الروسي مع الإيرانيين على المصالح الاستثمارية في سوريا كان له أيضًا علاقة بأزمة البنزين، فمنع ذلك الإيرانيين من ايصال شحناتهم إلى سوريا، حيث جعل هذا الخلاف عملية التمويه الإيرانية بنقل الشحنات تفشل بسبب تسريب الروس لتفاصيل هذه الشحنات.
وأضاف "كذلك كان هناك التأثر بأزمة تفجير مرفأ بيروت (مطلع الشهر الماضي) بشكل غير مباشر، حيث نلاحظ الآن اقتران أزمة البنزين في سوريا مع أزمة البنزين في لبنان، و لم يعد النظام يستطيع الشراء عن طريق لبنان بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية البنكية، وأيضًا أدى تفجير ميناء بيروت إلى مضاعفة المراقبة على شحنات البنزين و بالتالي حجم من وصول أي شحنات
أسباب داخلية وحلول
الكريم أشار إلى عدم قدرة النظام السوري على شراء البنزين؛ لعدم توفر الاعتمادات المالية بالموازنة العامة للسنة الحالية. و أضاف حول ذلك "نحن الآن أمام 2200 ليرة سورية مقابل الدولار الأميركي وهو ما يعني بأن الموازنة انخفضت بمقدار 80 بالمئة، وهذا يجعل الحكومة تعيش بلا موازنة".
من ناحية أخرى، رأى الكريم بأن النظام يحاول أن يستثمر أيضًا أزمة البنزين من أجل إلهاء المواطنين بأزمة وإبعادهم عن التطورات التي تعصف به، سواء أزمة رامي مخلوف، أو حجم الفساد، وكذلك وصول أمراء الحرب إلى مجلس الشعب، وكذلك ضعف مواجهة النظام لأزمة فيروس "كورونا المستجد".
اقرأ أيضاً: بينها الاندماج المجتمعي…حلول لتجاوز انهيار الاقتصاد السوري
و زاد بالقول أن ارتفاع أسعار البنزين في السوق السوداء سيفيد النظام في تعويم سعر المادة بحيث يضاف عليها سعر أعلى من السعر الرسمي المطروح من قبل دمشق، وختم في هذا السياق قائلًا "البنزين يقوم بالتحكم بتنقل المواطنين بين المناطق، و بالتالي التحكم بالطلب على السلع والخدمات؛ أي التحكم بالحاجة إلى الدولار، وبالتالي التحكم بعملية الاستيراد و التصدير".
وحول الحلول التي يمكن أن يلجأ إليها النظام، أفاد الخبير الاقتصادي بعدم وجود "حلول مباشرة" يمكن لدمشق أن تلجأ لها، غير أنه أشار إلى "بعض الوسائل" يمكن اللجوء إليها من أجل التخفيف من الضغط الحاصل عبر الحصول على المنح التي تأتي من الأمم المتحدة "عن حصة سوريا لدعم المواطن ومؤسسات الأمم المتحدة، أو أن يقدم دعم من قبل إيران لدعم عناصر نفوذها هناك، بخاصة وأن الصراع الروسي الإيراني بدأ يطفو على السطح، أو حتى أيضا أن يأتي الدعم من روسيا لعناصر نفوذها وممكن للنظام أن يستفيد من ذلك".
ويبقى هناك مفصل رئيسي يحدد إمكانية الحصول على البنزين بشكل مستدام، فيما لو تم التأكد من مسألة استمرار منح ميناء بانياس كمستودع نفطي لإيران، أو تبيان احتمالات فتح الطريق الدولي "M4" الواصل بين الحسكة (شرق) واللاذقية (غرب)، وفق قول الكريم، الذي ختم مضيفًا بالقول "عند فتح الطريق سوف تتدفق المحروقات من شمال شرق سوريا، وهذا يتعلق بطبيعة التفاهمات بين سوريا و روسيا و تركيا و إيران".
اقرأ أيضاً: ارتفاع مخاطر حدوث أزمة خبز في سوريا… هل من حلول؟
وكانت وزارة النفط بدمشق، أوقفت مطلع شهر أيار الماضي تزويد السيارات التي تستهلك كميات أكبر من الوقود، بالبنزين المدعوم، في إجراء تقشفي جديد يعكس حاجة دمشق لتوفير النفقات والمشتقات النفطية.
وتعاني سوريا، خصوصاً في العامين الأخيرين، من نقص كبير في موارد الطاقة لا سيما البنزين، ما دفع حكومة دمشق إلى اتخاذ سلسلة إجراءات تقشفية تباعاً بهدف ترشيد الاستهلاك.
وأعلن وزير النفط والثروة المعدنية -آنذاك- إيقاف تزويد السيارات الخاصة ذات سعة المحرك من "2000 سي سي" وما فوق، وكل من يملك أكثر من سيارة، سواء أكان فرداً أو شركة، بالبنزين المدعوم" على أن توظّف الإيرادات التي سيتمّ توفيرها في "مشاريع خدمية وتنموية" لم يحدد ماهيتها.
وكان يحقّ للسيّارات الخاصة، بغضّ النظر عن سعة محركها، الحصول على مئة ليتر من البنزين المدعوم شهرياً، على أن يتحمل مالكوها نفقة أي كمية إضافية.
الكلمات المفتاحية